في وقت تشهد البلاد أزمة سياسية واقتصادية عميقة، برزت ما تسمى قوات "درع الوطن" في محافظة المهرة كأحد أبرز المخططات الخارجية المثيرة للجدل، فهذه القوات تم إنشاؤها وتمويلها من قبل السعودية تحت ذريعة مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، غير أن أبناء المهرة والكثير من أبناء اليمن، لا يعدونها سوى محاولة جديدة للتوسيع وبسط النفوذ على حساب الأمن الداخلي والسيادة الوطنية استقرار المحافظة.
ومع وصول هذه القوات إلى مديرية قشن بمحافظة المهرة، بعد تلقيها التدريب ودعمها بالأسلحة والمعدات الحديثة، تصاعدت دعوات الرفض بين أبناء المحافظة، وسط تحذيرات شعبية من التداعيات الخطيرة إزاء السماح بدخولها إلى المهرة. وبالرغم من التمويل السعودي والدعم المقدم لها، تبدو غالبية أبناء المهرة لا يرحبون بهذا التواجد.
وبحجة مكافحة المد الإيراني في المنطقة، سعت السعودية، عبر ميليشياتها المحلية وشيوخ الدين المتطرفين إلى ممارسة الكذب والتظليل، كوسيلة دأبت عليها بهدف التوسع والتمدد وبسط نفوذها بالمهرة، بعد أن فشلت كل محاولاتها السابقة خلال سنوات الحرب التي مضت بفعل يقظة وتماسك أبناء المهرة عبر نشاطات لجنة الاعتصام السلمية.
الرفض الشعبي لأبناء المهرة
مع تكثيف النشاطات المتعلقة بتأسيس "درع الوطن"، ظهرت العديد من الاحتجاجات الشعبية في المهرة ضد إنشاء هذه القوات، وعبر العديد من الناشطين المحليين والمواطنين عن رفضهم التام لوجود أي قوات عسكرية غير تابعة للجيش اليمني الرسمي في أراضي المهرة.
وأكد شيوخ بارزين وشخصيات اجتماعية وقبلية ذات ثقل شعبي واسع بالهمرة، تمسكهم بالمؤسسات الشرعية ومؤسسات الدولة الرسمية، مطالبين بحصر التجنيد في مؤسسات الجيش والأمن التابعة للدولة المعترف بها دوليًا، رافضين أي محاولات لتشكيل ميليشيات مسلحة خارج إطار مؤسستي الجيش والأمن.
وعقدت اللجنة التوعوية المكلفة من لجنة الاعتصام السلمي بمحافظة المهرة، أمس السبت، اجتماعًا موسعًا مع لجنة الاعتصام بمديرية قشن بحضور الشيوخ والأعيان والوجهاء لبحث المستجدات والتطورات التي تشهدها المديرية، وفي مقدمتها اتفاقية ميناء قشن، وتواجد قوات ما يسمى "درع الوطن".
وناقش الحاضرون التحديات التي تواجه المديرية، والتصعيد الحاصلن مؤكدين ضرورة رفع الوعي المجتمعي بمخاطر المرحلة والتهديدات التي تواجه مديرية قشن والمحافظة عمومًا والتصدي للمؤامرات التي تحاك ضدها.
وأقرّ الحاضرون في الاجتماع رفضهم عسكرة المحافظة والمديرية، محذرين من خطورة التصعيد العسكري وما قد يترتب عليه من تداعيات تمسّ أمن واستقرار المحافظة، مؤكدين على أهمية الحفاظ على سلمية المهرة وتجنيبها أي صراعات قد تؤثر على حياة سكانها.
وأكدت قيادة وأعضاء لجنة الاعتصام في قشن التزامهم بالنهج السلمي وثبات موقفهم تجاه مصالح المديرية، مجددين وقوفهم مع المواطنين في الدفاع عن أراضيهم وثرواتهم الطبيعية، والتصدي للأطماع والنفوذ الخارجية وأدواتها المحلية.
وعبّر الحاضرون عن تأييدهم ومساندتهم للخطوات التي تقوم بها لجنة الاعتصام في سبيل الدفاع عن مصالح المحافظة، مؤكدين رفضهم مشاريع نهب الثروات، واستغلال المنابر الدينية لأغراض سياسية ومصالح خارجية لا تخدم أبناء المحافظة.
مليشيات متطرفة
ولعل احدى النقاط المثيرة للقلق التي تثيرها قوات "درع الوطن" هي علاقتها بمليشيات مسلحة ومتطرفة، عرفت بمواقفها التي تدعو إلى التشدد الديني والابتعاد عن الاعتدال الذي يسعى إليه المجتمع المهري المسالم والمتعايش مع معظم فئات المجتمع اليمني، وهو ما يثير قلقًا كبيرًا بين أبناء المهرة من أن إنشاء هذه القوات قد يؤدي إلى تأجيج التوترات و زعزعة الاستقرار في محافظتهم، بدلاً من المساهمة في حفظ الأمن والسلام.
التمدد العسكري الأجنبي
يخشى معظم أبناء المهرة من أن الوجود العسكري السعودي الذي عجز عن توسيع وتمديد نفوذه خلال سنوات الحرب، قد عاد هذه المرة، تحت غطاء وتمويل هذه القوات، والتي من شانها أن تكون بداية لتمديد النفوذ العسكري السعودي في المحافظة على حساب السيادة اليمنية. هذا القلق يزيد من حدة الرفض الشعبي لتشكيل هذه القوات، والتي يرون أنها قد تهدد استقلالية المهرة وقد تؤدي إلى تحويل المهرة إلى نموذج مماثل لما حدث في سقطرى وشبوة وعدن.
تلك التخوفات، دفعت أبناء المهرة إلى التأكيد على دعمهم المستمر لمؤسسات الدولة الشرعية، والسلطة المحلية بالمحافظة، ورفضهم التام لأي تشكيلات عسكرية أو ميليشيات تتبع جهات خارجية أو لا تكون جزءًا من الجيش الوطني المعترف به، مشددين على ضرورة وحدة الصف الوطني و توفير الحماية للمحافظة من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية وليس عبر تمويل مليشيات متطرفة ذات أجندة خارجية.
كما يُصر أبناء المهرة على ضرورة أن تبقى الأجهزة العسكرية والأمنية في يد مؤسستي الجش والأمن دون أي تدخلات خارجية قد تؤدي إلى تقويض سيادة اليمن.
وما بين القلق من التمدد العسكري، والرفض القاطع لوجود قوات عسكرية غير رسمية، يظل أبناء المهرة متمسكين بمواقفهم الرافضة لتدخلات الخارج في شؤونهم الأمنية. في هذا السياق، يدعو أبناء المهرة إلى الحفاظ على استقرار محافظتهم من خلال دعم مؤسسات الدولة اليمنية، ورفض التجنيد والتشكيلات العسكرية التي تهدد وحدة اليمن وسيادته.