تحقيق استقصائي: الإمارات تنهب كنوز جبل النار في تعز وشركاؤها من آل صالح يتقاسمون الغنيمة
عناوين جانبية
شهادات وشواهد كيف تحوّل جبل النار إلى منجم مفتوح بيد الإمارات؟
النهب الممنهج شبكة مصالح إماراتية – صالحيّة في ثروات جبل النار
تواطؤ عائلة صالح: من الحماية إلى الشراكة في نهب المعادن
ممرات سرية وقواعد عسكرية: البوابة الخلفية لنقل ثروات جبل النار
من جبل النار الى مطار ذباب إلى خزائن أبوظبي: خط التهريب الممنهج للثروات المعدنية
20 مليون ريال سعودي شهريًا… حصّة طارق وعمار صالح من نهب جبل النار
يشكّل جبل النار في المخا أحد أبرز المعالم الجيولوجية في اليمن، إذ يقف كبركان خامد حمل في طياته عبر العصور أساطير النيران المشتعلة، بينما تخفي طبقاته الجيولوجية ثروات معدنية هائلة كان يفترض أن تكون ركيزة لنهضة وطنية وتنمية اقتصادية شاملة
غير أنّ هذه الكنوز لم تُترك لليمنيين، بل تحولت إلى هدف لأطماع إماراتية تُمارَس تحت غطاء عسكري وأمني، وبالتواطؤ مع أدوات محلية كطارق صالح وعمار صالح، اللذين مكّنا الإمارات من نهب ثروات الجبل على مرأى من العالم
في هذا التحقيق الاستقصائي نكشف عن القصة الخفية لنهب جبل النار، ونميط اللثام عن الدور الذي تلعبه الإمارات في تحويل هذه المنطقة الاستراتيجية إلى منجم مفتوح، حيث تُستخرج المعادن النفيسة كالذهب والنحاس والزنك والعناصر النادرة،مثل الجرمانيوم ثم تُهرَّب عبر موانئ وسواحل محاصرة بالمدرعات ونقاط التفتيش. وما بين الدراسات العلمية الحديثة التي وثّقت أهمية الجبل، وشهادات العيان التي رصدت عمليات التهريب، تتكشف أمامنا صورة كاملة عن واحدة من أخطر عمليات السطو الممنهج على ثروات اليمن الطبيعية، بما تحمله من انعكاسات على سيادته ومستقبل أجياله
يشهد الساحل الغربي لليمن منذ سنوات حالة من التحول الجذري في معالمه الجغرافية والاقتصادية مع دخول أطراف خارجية على خط السيطرة على المواقع الإستراتيجية، وهو ما يتضح جليًا في منطقة جبل النار وما جاورها.
عندما يُلقي المرء نظرة على صور الأقمار الصناعية الحديثة الملتقطة من Sentinel-2 الأوروبي ومنصات مثل Google Earth وMap.Army، وatak map وغيرها سيجد أن هذه الرقعة الجبلية التي كانت في السابق سوداء اللون مكسوة بالحجارة البركانية قد تحولت إلى مساحات فاتحة واسعة مليئة بالحفر وأكوام الركام ومسارات الشاحنات (شاهد الفيديو المرفق)
وفي قلب هذا المشهد، تظهر معدات ثقيلة طويلة الأذرع وحاويات مصطفة على شكل معسكر منظم، بينما تتجه طرق ترابية جديدة إلى مطار قيد الإنشاء في منطقة ذُباب، في نمط يذكّر بمشاريع لوجستية معدّة لنقل مواد خام عالية القيمة بعيدًا عن أعين السكان
تُظهر الصور الجوية الملتقطة للموقع محل الاهتمام ملامح واضحة لنشاط صناعي ثقيل يرتبط عادةً بأعمال التعدين أو معالجة الخامات. في قلب الموقع تبدو تجهيزات ضخمة ذات أذرع شعاعية طويلة خارجة من نقطة مركزية، وهو التصميم المعروف لمحطات التكسير والفرز المزودة بسيور ناقلة شعاعية مكدِّسة، حيث تقوم هذه السيور بنقل الصخور أو الخام المكسَّر وتوزيعه في أكوام مخروطية منتظمة حول المحطة.
هذه التقنية تُستخدم لتخزين المواد بصورة منظمة تسهِّل لاحقًا تحميلها في الشاحنات أو نقلها إلى وحدات معالجة أخرى، وتقلِّل الحاجة إلى استخدام جرافات إضافية.
وجود هذه المعدات الضخمة وسط بيئة جبلية مع طرق ترابية دائرية وأكوام تربة وحُفر قريبة يعكس نمط عمل موقع تعدين أو تنقيب واسع النطاق، حيث تُجلب المواد الخام من مناطق الاستخراج بواسطة شاحنات ثقيلة وجرافات مجنزرة ليتم تكسيرها وفرزها ونقلها عبر السيور. الشكل الشعاعي الظاهر من الأعلى يوحي بأن المحطة قادرة على تغطية مساحة كبيرة وتوزيع الخام في اتجاهات متعددة، وهو أمر شائع في المواقع التي تُعالج فيها كميات ضخمة من المواد. كما تُظهر الصور غياب مبانٍ سكنية أو منشآت مدنية أخرى، ما يعزز الطابع الصناعي البحت للموقع. كل هذه المؤشرات مجتمعة تجعل من الراجح أن يكون هذا الموقع موقع تعدين أو معالجة معادن وليس مجرد تجهيزات إنشائية تقليدية، وأن المعدات الظاهرة فيه هي تجهيزات صناعية متقدمة صُممت للتعامل مع خامات معدنية أو مواد صخرية على نطاق واسع.
هذه الصورة تأتي في سياق تاريخي وسياسي واقتصادي معروف عن دور الإمارات في مناطق مثل حضرموت حيث ارتبط مطار الريان بأنشطة نقل الذهب، وفي السودان حيث أُنشئت مدارج طيران بجوار مواقع تعدين الذهب تحت حماية قوات محلية، وهو ما يضع ما يحدث في جبل النار ضمن إطار نمط متكرر أكثر منه مشروعًا تنمويًا معزولًا.
المؤشرات التي التقطتها صور الأقمار الصناعية تتجاوز حدود النشاط المدني العادي. الإحداثيات الدقيقة 13°20′33.14″ شمالًا، 43°27′13.83″ شرقًا تكشف موقعًا تتخلله حفرة كبيرة وأذرع تشبه السيور الناقلة أو الحفارات الضخمة، مع تغير لون التربة بشكل واضح بين الصور المؤرخة خلال العامين الأخيرين. مناطق كانت مظلمة صخرية أصبحت فاتحة اللون مخططة بمسارات مركبات ثقيلة، وهو دليل بصري على عمليات قشط طبقات عليا واستخراج مواد معدنية. حول هذه الحفرة تظهر صفوف حاويات أو منشآت صغيرة مصطفة على أطراف الموقع، وهو نمط شائع في معسكرات شركات التعدين أو المواقع العسكرية المؤقتة.
هذا المشهد يترافق مع صور لمدرج طويل جديد في ذُباب، يزيد طوله على كيلومتر واحد وعرضه عشرات الأمتار، ما يشير إلى مهبط أو مطار في مراحله الأولى، ومعه طريق ترابي جديد يربط المدرج مباشرة بمحيط جبل النار بدلًا من الطريق الساحلي العام الذي يبعد بضعة كيلومترات فقط.
هذه العناصر مجتمعة –موقع تعدين واسع، معدات ثقيلة، حاويات مصطفة، مدرج جديد في منطقة نائية، طريق مخصص يربط بين الموقعين– ترسم ملامح مشروع منظم طويل الأمد يتيح إنشاء سلسلة نقل مغلقة من موقع التعدين إلى منصة شحن جوية. ومثل هذا النمط نفسه هو ما ورد في إفادات مصادر محلية عن أن الإمارات تستخدم الغطاء التنموي لكسب رضا الأهالي بينما تنقل معادن ثمينة عبر السفن والطائرات، وأن الطائرة التي تهبط في المخا وذوباب هي ذاتها التي كانت تقوم برحلات متكررة إلى مطار الريان في المكلا. هذه الروايات، وإن كانت تحتاج إلى توثيق رسمي أو قضائي، إلا أنها تتقاطع مع ما يظهر من صور الأقمار الصناعية من حيث النمط العام للأعمال الإنشائية والتغييرات الجغرافية.
.
بهذه الصورة يتضح أن ما يجري في جبل النار ليس مجرد مشروع تنموي أو طريق صغير، بل منظومة متكاملة من التعدين والنقل واللوجستيات ذات نمط متكرر سبق أن استُخدم في حضرموت والسودان.
عند الدخول في التفاصيل الدقيقة لموقع جبل النار وفقًا للإحداثيات 13°20′33.14″ شمالًا و43°27′13.83″ شرقًا، تكشف صور الأقمار الصناعية عن مشهد معقد متعدد الطبقات.
المنطقة المحاطة بالخط الأحمر في إحدى الصور تبدو كمقلع ضخم مفتوح يمتد على مساحة واسعة؛ حفر كبيرة بأعماق متفاوتة، مسارات شاحنات أو جرافات مرسومة بخطوط موازية على المنحدرات، وأكوام مخروطيّة من الركام في مواقع متفرقة، وهو النمط المألوف في عمليات الاستخراج السطحي عندما تُزال الطبقات العليا للوصول إلى خامات مدفونة.
المنطقة المعلّمة باللون الأزرق كانت في الصور القديمة سوداء اللون ذات طبيعة صخرية بركانية، لكنها في الصور الأحدث تحولت إلى أرض فاتحة اللون محروثة بمسارات المركبات، ما يدل على إزالة الطبقات السطحية وقشط الجبل على نطاق واسع.
في قلب الموقع، المنطقة المعلّمة باللون الأصفر، يظهر هيكل طويل يشبه حفارات التعدين أو سيورًا ناقلة ضخمة، وهو المعدة التي أرسلت عنها الصورة الأولى. هذه المعدة تتموضع على نقطة محورية في وسط المقلع، محاطة بأكوام الركام وممرات النقل، ما يشير إلى أنها نقطة استخراج أو تجميع خام مركزي.
حول هذه النقطة تظهر صفوف حاويات أو منشآت صغيرة مصطفة على أطراف الموقع، بعضها يشبه مخازن أو مساكن ميدانية للعمال، وهو ما يعطي الموقع الطابع الصناعي المنظم وليس مجرد نشاط محلي صغير.
الصورة الثانية (حقل المناجم) توضح بدقة أكبر نمط تجميع المواد المستخرجة. بقعتان معلّمتان باللون الأحمر في مقدمة الصورة تبدوان كمخزون خام أو مواد جاهزة للنقل، على شكل أكوام منفصلة مرتبة. الطرق الترابية التي تربط بين هذه الأكوام ومركز الحفار الرئيسي مصممة على شكل شبكة إشعاعية، تسهّل نقل المواد إلى نقاط التجميع أو التحميل.
كل هذه التفاصيل البصرية تدل على أن ما يجري ليس نشاطًا بدائيًا بل عملية منظمة متواصلة تعتمد على معدات ثقيلة وبنية تحتية ميدانية.
عند مقارنة الصور عبر الزمن يظهر تراجع المساحات السوداء الصخرية واتساع المناطق الفاتحة الترابية، وهو دليل على أن العملية مستمرة منذ فترة وأن حجم المواد المنقولة كبير بما يكفي ليغيّر ملامح الجبل.(شاهد الفيديو2)
تُظهر الصور الجوية المتعددة لمنطقة جبل النار في محافظة تعز مشهدًا متكاملًا لنشاط صناعي ثقيل يغطي مساحة واسعة من سفوح الجبال والسهول المحيطة، وتبدو فيه عناصر البنية التحتية المرتبطة بالتعدين واضحة للعين الخبيرة.
يمكن ملاحظة وجود محطات ومبانٍ ذات أسقف معدنية متفرقة على حواف الجبال ومسارات طرق ترابية دائرية، ما يدل على نشاط منظم ومستمر. في قلب المنطقة تظهر تجهيزات ضخمة ذات أذرع شعاعية طويلة خارجة من نقطة مركزية، وهو الشكل المعروف لمحطات التكسير والفرز المزودة بسيور ناقلة شعاعية مكدِّسة، وهي تُستخدم عادةً لنقل الصخور أو الخام المكسَّر وتوزيعه في أكوام مخروطية منتظمة حول المحطة تمهيدًا لمرحلة المعالجة أو التحميل في الشاحنات الثقيلة..
توزيع هذه المعدات على شكل نجمي مع كثافة الأكوام الترابية حولها يوحي بعمل تعدين سطحي واسع النطاق وليس بحفر محدود أو نشاط إنشائي بسيط.
كما تكشف الصور عن مناطق واسعة تم حفرها أو كشطها في الجبال، مع وجود حفر كبيرة وأكوام من المواد الخام في مواقع مختلفة، إضافة إلى طرق واسعة مُهيأة لدخول وخروج الشاحنات الثقيلة، الأمر الذي يشير إلى حجم العمليات ونقل كميات كبيرة من المواد.
يظهر أيضًا في الصور اصطفاف حاويات أو مبانٍ صغيرة على شكل صفوف منتظمة في أطراف الموقع، وهو ما يعكس بنية تحتية لدعم العمال أو تخزين المعدات والمواد. اللون الداكن لبعض المساحات المحفورة مقابل اللون الفاتح للأرض الأصلية يعطي انطباعًا عن وجود تربة أو خامات مختلفة يتم استخراجها وفرزها.
كل هذه التفاصيل المتكررة في الصور المأخوذة من زوايا مختلفة تعكس بوضوح وجود نشاط تعدين أو معالجة معادن على نطاق واسع ومنظم في المنطقة، مع تجهيزات صناعية ثقيلة متقدمة مصممة للتعامل مع خامات معدنية أو مواد صخرية بكميات ضخمة.
هذا النوع من التعدين السطحي لا يستخدم إلا لاستخراج خامات عالية القيمة أو بكميات كبيرة، لأن تكاليف إزالة الطبقات السطحية مرتفعة. هذه القرينة الجيولوجية والاقتصادية تضيف وزنًا إلى ما يقوله الأهالي عن أن الموقع يحتوي على معادن ثمينة مثل الفوسفات أو التيتانيوم أو حتى الجرمانيوم المرتبط بخامات الزنك.
إلى جانب موقع التعدين، تكشف صور الأقمار الصناعية عن وجود طريق ترابي جديد يجري شقه من هذا الموقع باتجاه الجنوب حيث يوجد مدرج ذُباب الجديد.... الطريق لا يتبع المسار الساحلي العام بل يشق مسارًا مخصصًا نحو المطار في منطقة خالية من السكان.
وهذه النقطة وحدها كافية لإثارة التساؤلات حول الغرض الحقيقي من الطريق، إذ لا يوجد في تلك المنطقة مشاريع سكنية أو صناعية أخرى تبرر بناء طريق جديد بهذا الاتجاه.
عند الانتقال إلى منطقة ذُباب، على بعد بضع عشرات الكيلومترات جنوب جبل النار، تكشف صور الأقمار الصناعية عن عنصر لوجستي بالغ الأهمية في فهم ما يجري.
على أرض صحراوية شبه خالية من السكان ظهرت خلال الأشهر الأخيرة أعمال إنشاء مدرج طويل مستقيم يزيد طوله على كيلومتر وعرضه عشرات الأمتار. في الصور المؤرخة في نهاية عام 2024 يظهر هذا الشريط الداكن يقطع أرضًا رملية فاتحة اللون، وهو النمط المألوف في مراحل تمهيد المهابط الجوية قبل رصفها بالكامل.
وفي صور أحدث مؤرخة في بداية عام 2025 تظهر الحركة حول المدرج أكثر وضوحًا مع مسارات جديدة وشاحنات أو آليات تعمل على جانبيه، ما يدل على استمرار العمل على تحويل هذا الشريط إلى مدرج مكتمل.
المثير للانتباه ليس مجرد وجود مدرج جديد، وإنما موقعه بالنسبة للبنية القائمة. فإلى الشمال الشرقي يوجد طريق ساحلي رئيسي يربط عدن وباب المندب والمخا، ويبعد هذا المدرج عنه أقل من خمسة كيلومترات، ومع ذلك يجري شق طريق خاص يبدأ من بوابة معسكر جبل النار ويصل مباشرة إلى طرف المدرج الجديد.
مثل هذا القرار الهندسي لا يُتخذ عادة في مشاريع مدنية، إذ كان من الأيسر والأقل كلفة استخدام الطريق الساحلي العام لنقل أي بضائع أو ركاب إلى المدرج.
شق طريق جديد موازٍ يدل على أن الغرض هو إنشاء ممر لوجستي مغلق بين موقع الاستخراج وموقع الشحن الجوي بحيث تبقى الحركة داخل نطاق سيطرة محدد بعيدًا عن أعين السكان أو المرور بنقاط تفتيش عامة.
الصور الفضائية توضح كذلك أن المدرج يقع في منطقة شبه خالية من أي بنية تحتية مدنية كبيرة؛ لا مطارات مدنية، ولا منشآت سكنية كبيرة، ولا موانئ تحتاج إلى خدمة جوية عاجلة.
وهذا يثير التساؤل حول الحاجة إلى مطار جديد في هذه البقعة مع وجود مطاري المخا في نفس النطاق الجغرافي. تفسير هذا القرار يصبح أكثر وضوحًا إذا نظرنا إليه في سياق سوابق حضرموت والسودان حيث أُنشئت مدارج جديدة ملاصقة لمناجم الذهب واستخدمت كعقد لوجستية محمية لنقل موارد عالية القيمة بعيدًا عن الرقابة المدنية.
المسار الذي يجمع بين موقع التعدين في جبل النار والمدرج الجديد في ذُباب يشكل حلقة مغلقة: استخراج الخام من الجبل، نقله بالشاحنات عبر طريق مخصص داخل حرم السيطرة إلى المدرج، شحنه جوًا بطائرات شحن، كل ذلك من دون المرور بالطرق العامة أو الموانئ حيث يمكن أن يراه الناس
هذه البنية التحتية بهذا الشكل لا تُبرَّر بمشاريع تنموية صغيرة مثل إنشاء مدارس أو تحسين طرق محلية؛ هي نمط عملياتي معروف في نقل شحنات حساسة أو عالية القيمة يحتاج إلى السرية وسلاسة الحركة.
بالمجمل يصبح لدينا مشهد واحد مترابط: جبل يتم قشره واستخراج خاماته، معدات ثقيلة وسيور وحفارات تعمل على مدار الساعة، طريق جديد مخصص يتجاوز الطريق الساحلي، ومدرج طويل في منطقة نائية جاهز لاستقبال طائرات الشحن، وهو النمط نفسه الذي شوهد في حضرموت والسودان. كل ذلك يضع ما يجري في الساحل الغربي ضمن قضية سيادية واقتصادية كبرى تتطلب كشفًا ومساءلة علنية، إذ لا يمكن قبول أن تُستنزف ثروات بلد فقير تحت غطاء مشاريع واجهة دون أن يعرف المواطنون ما يُستخرج من أرضهم وأين تذهب عائداته.
عندما ننظر إلى ما يجري في جبل النار–ذُباب لا يمكن أن نفصله عن السوابق الموثقة في مناطق أخرى خاضعة لنفوذ إماراتي أو لتدخلات مشابهة. في حضرموت على سبيل المثال، ظل مطار الريان في المكلا مغلقًا أمام الرحلات المدنية لفترات طويلة بينما تشير تقارير إعلامية وتحقيقات محلية إلى أنه استُخدم كنقطة ارتكاز لوجستية لأعمال نقل ذهب مستخرج من مناطق التعدين في الداخل.
نمط إنشاء بنية تحتية جوية معزولة ثم استخدامها لشحن مواد عالية القيمة بعيدًا عن أعين الرأي العام تكرر هناك بشكل واضح. وإذا وضعنا صور جبل النار ومدرج ذُباب إلى جانب صور مطار الريان خلال تلك الفترة سنجد عناصر مشتركة: مدرج أو مطار تحت إشراف إماراتي، نشاط تعدين واسع في مناطق قريبة، غياب الشفافية الرسمية، وتحركات طائرات شحن تفتقر إلى البيانات العلنية.
في السودان، خلال الأعوام الماضية، أظهرت صور الأقمار الصناعية وحقق صحفيون دوليون في إنشاء مدارج طيران جديدة بجوار مواقع تعدين الذهب في مناطق نائية تحت حماية قوات الدعم السريع.
مرة أخرى يظهر نفس النمط: بنية تحتية جوية خاصة، نشاط تعدين عالي القيمة، قوة محلية توفر الغطاء الأمني، وغياب الرقابة الحكومية الفعالة. هذا النمط يجعل من السهل على جهة خارجية أو شبكة مصالح استغلال موارد بلد مضطرب سياسيًا ونقلها عبر ممرات مغلقة دون رقابة مدنية أو جمركية.
الآن في الساحل الغربي لليمن، نجد جبلًا يُقشر ويُستخرج منه خامات، معدات ثقيلة وسيور وحفارات، طريقًا خاصًا جديدًا يربط مباشرة بين موقع الاستخراج ومدرج جديد في ذُباب، في منطقة شبه خالية من السكان. لدينا أيضًا حليف محلي طارق صالح وعمار صالح يوفر الغطاء الأمني كما حصل في السودان، ولدينا تكرار الطائرة الإماراتية التي خدمت مطار الريان سابقًا. كل هذه عناصر تتطابق مع “البصمة العملياتية” نفسها التي شوهدت في حضرموت والسودان، لكن هذه المرة على ساحل البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب.
هذا التماثل يشير إلى استراتيجية متكررة. أولًا يتم اختيار موقع غني بالموارد في منطقة هامشية ضعيفة الرقابة، ثم يُنشأ فيه مشروع تعدين واسع النطاق، يلي ذلك بناء أو استخدام مدرج طيران قريب في منطقة خالية من السكان، ثم يتم شق طريق خاص بين الموقعين لخلق ممر لوجستي مغلق، وأخيرًا يُستعمل حليف محلي كواجهة أو كحماية مقابل مشاريع “تنموية” بسيطة لكسب رضا الأهالي. والنتيجة هي تدفق مستمر لموارد عالية القيمة إلى الخارج بعيدًا عن أعين الدولة والمجتمع.
في حضرموت كان المعدن الرئيس هو الذهب، في السودان كان الذهب أيضًا لكن مع عناصر نادرة أخرى، وفي جبل النار تشير القرائن الجيولوجية إلى الزنك والجرمانيوم عالي الثمن والذهب وغيره وربما معادن إستراتيجية أخرى كالتيتانيوم أو الليثيوم أو الفوسفات. في كل الحالات، القيمة الاقتصادية للموارد عالية بما يكفي لتبرير استثمارات ضخمة في بنية تحتية لوجستية سرية نسبيًا. هذه المقارنة الإقليمية تضع ما يجري في الساحل الغربي لليمن في إطار أكبر بكثير من مجرد مشروع محلي؛ إنها استراتيجية ممنهجة لاستغلال موارد المناطق المضطربة سياسيًا ونقلها عبر قنوات خاصة بعيدًا عن الرقابة.
إذا أخذنا هذه المقارنة على محمل الجد يصبح ما يجري في جبل النار–ذُباب ليس حالة فردية بل جزءًا من نمط عملياتي يجب على الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي التعامل معه كقضية سيادة ونهب موارد، لا كمجرد نشاط إنشائي أو تنموي. هذا الإدراك ضروري لأنه يحول المسألة من “شبهات محلية” إلى “قضية نمط دولي” يمكن توثيقها عبر أدلة فضائية ولوجستية وشهادات متقاطعة
من الناحية الجيولوجية، ما يجعل جبل النار محور اهتمام ليس فقط موقعه الإستراتيجي على الساحل الغربي، بل طبيعته الصخرية وأصله البركاني. مناطق من هذا النوع تكون غالبًا غنية بخامات فلزية ولافلزية متنوعة؛ فالتاريخ الجيولوجي لمنطقة المخا والبحر الأحمر يظهر نشاطًا بركانيًا وتكتونيًا كثيفًا خلال العصور الجيولوجية، ما أدى إلى تكوين رواسب كبريتيدية وملاحات وعروق معدنية. عند دراسة مواقع التعدين المعروفة عالميًا، نجد أن تواجد خامات الزنك –خصوصًا على شكل كبريتيد الخارصين (السفاليريت)– يكون مؤشرًا جيّدًا على إمكانية وجود عناصر إستراتيجية نادرة مثل الجرمانيوم والغاليوم والإنديوم، وهي عناصر بالغة الأهمية في صناعات أشباه الموصلات والألياف الضوئية والخلايا الشمسية وأجهزة الاستشعار. الجرمانيوم تحديدًا يُستخلص في أغلب أنحاء العالم كمنتج جانبي عند صهر الزنك أو في مراحل المعالجة الهيدرو–ميتالورجية، ما يعني أن أي جهة تستثمر في استخراج خامات الزنك بكميات كبيرة يمكنها أيضًا الاستفادة من تركيزات الجرمانيوم المصاحبة وهو عنصر غالي الثمن يصل سعر الكيلو منه الى6000دولار
الصور الجوية تُظهر حفرًا واسعة وأكوامًا فاتحة اللون على شكل ركامات مخروطية، وأحواضًا أو مناطق قشط قد تكون مواقع غسل أو ترسيب، وهي أنماط مألوفة في معالجة خامات كبريتيدية. وجود هذه المعالم إلى جانب المعدات الثقيلة الطويلة الأذرع يشير إلى عمليات استخراج وتجميع خام أكثر من كونه مجرد تكسير أحجار للبناء. اللون الفاتح للركام مقارنة بالصخور الداكنة الأصلية يعكس إزالة الطبقات السطحية ونقل المواد الخام أو معالجتها الأولية في الموقع. هذه القرائن البصرية تدعم فكرة أن الموقع يحتوي على خامات غنية بالزنك أو معادن فلزية أخرى ذات قيمة عالية.
إلى جانب الزنك والجرمانيوم، البيئة البركانية قد تحتوي أيضًا على معادن أخرى ذات أهمية إستراتيجية مثل الفوسفات (في ترسبات ثانوية)، التيتانيوم (في بعض الرمال المعدنية أو الأكاسيد)، أو حتى تركيزات نادرة من معادن مجموعة البلاتين أو الليثيوم في الشقوق والعروق.
وهذه ليست تأكيدات بل احتمالات مبنية على علم الجيولوجيا الاقتصادية للمناطق البركانية–التكتونية.
لكن مجرد وجود هذا الطيف من المعادن المحتملة يفسر الاهتمام الكبير بالموقع حتى لو لم يكن الذهب هو الهدف الرئيس.
ووجود طريق خاص ومدرج طيران جديد يعزز فكرة أن ما يُنقل ليس مواد بناء رخيصة يمكن شحنها بحرًا بسهولة، بل مواد عالية القيمة تستحق النقل الجوي السريع إلى وجهات خارجية.
إلى جانب ما تكشفه الصور والأدوات الجيولوجية، تلعب شهادات السكان المحليين دورًا مهمًا في رسم صورة أوضح لما يجري في جبل النار وذُباب. في الأحاديث التي يجريها ناشطون محليون وصحفيون ميدانيون، يتكرر سرد مشاهدات عن شاحنات كبيرة تدخل وتخرج من بوابة المعسكر الواقع عند سفح جبل النار، وتسلك الطريق الترابي الجديد الذي يربط مباشرة بالمدرج قيد الإنشاء في ذُباب....يذكر الأهالي أن هذه الحركة تتم غالبًا في أوقات الليل أو الفجر، وأنها محروسة بعناصر مسلحة، ما يخلق انطباعًا بأن ما يُنقل ليس مواد بناء عادية وإنما مواد عالية القيمة أو حساسة. بعض هؤلاء الأهالي يتحدث عن ظهور حفارات ضخمة وسيور ناقلة لم يروا مثلها في مشاريع مدنية محلية من قبل، وعن مناطق كانت سوداء اللون صخرية أصبحت فجأة محروثة ومقشّطة، وعن معدات ثقيلة تعمل بلا توقف في قلب الجبل.
على الصعيد السياسي والاقتصادي، وجود نشاط تعدين صناعي بهذا الحجم في منطقة حساسة إستراتيجيًا مثل جبل النار وباب المندب دون إعلان رسمي أو شفافية يشكل تحديًا مباشرًا للسيادة الوطنية.
اليمن بلد فقير يعاني من أزمات متعددة، وأي استنزاف لموارده المعدنية النادرة من دون أن تعرف الدولة أو المواطنون ما يُستخرج وأين تذهب العوائد يعني عمليًا نهبًا للثروة الوطنية. حين تتكرر الأنماط نفسها التي شوهدت في حضرموت والسودان –بنية تحتية جوية خاصة، طريق مغلق، قوة محلية توفر الحماية، مشاريع واجهة لكسب رضا السكان– يصبح الأمر قضية نمط ممنهج أكثر منه نشاطًا منفردًا.
الأثر الاجتماعي لهذه العمليات مزدوج. من جهة، يحصل السكان على بعض المشاريع الصغيرة كمدارس أو طرق فرعية فيفرحون بها ويظنون أن التنمية وصلت إليهم، ومن جهة أخرى تُستنزف مواردهم دون أن يحصلوا على نصيبهم الحقيقي أو حتى يعرفوا ما يجري في أرضهم.
هذا النوع من الغطاء التنموي يستخدم عالميًا لتهدئة المجتمعات المحلية أثناء تنفيذ مشاريع استخراج عالية القيمة. في النهاية يجد المجتمع نفسه محرومًا من ثروته وبيئته بينما يستفيد آخرون من العوائد.
الجانب الأمني لا يقل خطورة. وجود ممرات لوجستية مغلقة محمية بقوات حليفة تابعة لطارق صالح يعزز نفوذ أطراف خارجية في منطقة شديدة الحساسية كالساحل الغربي وباب المندب.
كما ان السيطرة على الممرات ليست فقط مسألة اقتصادية بل أيضًا مسألة إستراتيجية لأنها تمنح قدرة على التحكم في عقد النقل البحري والجوي في واحدة من أهم النقاط على خريطة التجارة العالمية.
وإذا جمعنا كل هذه الأبعاد –شهادات محلية عن حركة مريبة، صور أقمار صناعية لمدرج وطريق خاص ومقلع ضخم، سوابق في مناطق أخرى، قرائن جيولوجية لمعادن نادرة، آثار بيئية واجتماعية، نفوذ أمني خارجي– نحصل على لوحة مكتملة المعالم لعملية استخراج ونقل منظّمة لموارد عالية القيمة في منطقة حساسة تحت غطاء مشاريع تنموية وشراكات محلية.
بحسب شهادات عيان نقلها سكان محليون وناشطون في الساحل الغربي، فإن المرحلة الأولى من العمل في جبل النار تتمثل في استخراج أحجار كبيرة من الجبل وقشط طبقاته العليا، ثم تُنقل هذه الأحجار إلى مرافق قريبة حيث يتم تكسيرها وفرزها لاستخراج المعادن المطلوبة. يقول الشهود إنهم رأوا حفارات ضخمة ومعدات لم يسبق لهم أن شاهدوها في مشاريع مدنية محلية، وأن أصوات الكسارات والسيور تعمل ليل نهار في قلب الجبل. بعضهم وصف كيف تحولت مناطق كانت صخرية سوداء اللون إلى مساحات ترابية فاتحة اللون مليئة بالحفر ومسارات الشاحنات في غضون أشهر قليلة فقط.
ويضيف هؤلاء الشهود أن الطائرات التي تصل إلى المدرج الجديد في ذُباب لا تأتي ومعها ركاب عاديون بل ترافقها مدرعات وحماية مشددة، وأن شاحنات كبيرة («بوابير») تدخل المدرج محمّلة بأكياس وجواني وتخرج منه إلى الطريق المخصص المؤدي إلى جبل النار أو العكس، في حركة منتظمة أشبه بخط إنتاج مغلق.
تؤكّد الخرائط الجيولوجية الرسمية مثل المقتطف المرفق (plate-32) الصادر عن المسوحات الأمريكية والبريطانية أن الساحل الغربي لليمن وجبل النار يقعان ضمن نطاق جيولوجي معقد يتكوّن من تدفقات بازلتية حديثة، عروق بركانية، رواسب لويس وكاليش، ورمال ريحية متحركة، إضافة إلى تكوينات تبخرية وملحية مثل تكوين «بيد» الذي يضم قبب ملحية في صليف وجبال قمة وجبال كُشّة. هذه البيانات العلمية توضح أن المنطقة ليست مجرد جبال صخرية عادية بل بيئة بركانية–تبخرية نشطة نسبيًا عبر العصور، وهو ما يُفسّر وجود فوهات وحفر وألوان صخور مختلفة في صور الأقمار الصناعية.
الوحدات المدرجة في الخريطة تبيّن أن:
وحدة Qa عبارة عن تدفقات بازلتية وعروق تخللتها فوهات وتراكمات طفّية وبركانية، بعضها شديد السواد وخرج في أزمنة تاريخية (Qa₄)، وبعضها أقدم (Qa₃ وQa₂ وQa₁) يشكّل غطاءً متصلاً فوق الصخور القديمة. هذا النمط يُعرف عالميًا بأنه بيئة محتملة للرواسب الكبريتيدية التي تحتوي على الزنك وعناصر نادرة مصاحبة مثل الجرمانيوم.
وحدة Tba أو «تكوين بيد» تتألف من شيل ورمال سيليسية وتفية مع طبقات جيرية وطبقات تبخرية، وتشمل ملح الصخور في قبب ملحية. هذه البيئات التبخرية–الملحية ترتبط أحيانًا بتركيز عناصر مثل الليثيوم أو البوتاس أو الفوسفات.
وجود هذا المزيج من البازلت والقباب الملحية والطبقات التبخرية في نطاق جغرافي واحد يجعل جبل النار ومحيطه بيئة جيولوجية معروفة عالميًا بغناها بالخامات المعدنية الإستراتيجية.
لذلك فإن ما رُصِد من نشاط قشط ضخم، حفارات، وشق طرق ومدرج جديد بالقرب من هذه التكوينات يكتسب معنى إضافيًا: نشاط في بيئة جيولوجية نادرة من حيث الإمكانات الاقتصادية. هذا لا يثبت بشكل قاطع نوع الخام المستخرج، لكنه يضع إطارًا علميًا يفسّر لماذا تقوم جهة ما في هذه البقعة بالتحديد وتبني لها ممرًا لوجستيًا مغلقًا.
خلاصة ما تبيّنه المعطيات المتاحة حتى الآن هي أن الدراسات الجيولوجية والأبحاث الاستكشافية التي أُجريت في منطقة جبل النار بمحافظة تعز تؤكد بنسبة عالية جدًا وجود معادن إستراتيجية مهمة في باطن الجبل، في مقدمتها الذهب والنحاس والزنك. وتشير مراجعة البيانات الجيولوجية إلى أن وجود الزنك في تراكيب الصخور يرفع بشكل كبير احتمالية وجود الجرمانيوم أيضًا، وهو عنصر نادر يُستخرج عادةً بالتزامن مع خامات الزنك ويُستخدم في صناعات إلكترونية وتكنولوجية متقدمة. هذه النتائج تعطي صورة عن ثروة معدنية كامنة في جبل النار تتجاوز المعادن التقليدية إلى عناصر نادرة ذات قيمة اقتصادية عالية.
منذ عدة سنوات، تؤكد مصادر عسكرية في الساحل الغربي لليمن إلى أنّ الإمارات لم تكتف بإرسال معدات ثقيلة أو تعزيز وجودها الأمني فحسب، بل دأبت أيضًا على استقدام فرق من الخبراء الأجانب المتخصصين في علوم الجيولوجيا والتعدين، بعضهم يعمل أصلًا في شركات تعدين إماراتية أو شركات أجنبية متعاقدة معها. وتقول هذه المصادر إن هؤلاء الخبراء زاروا مناطق ساحلية وجبلية عدة في أكثر من مناسبة، وفي مقدمتها منطقة جبل النار بمحافظة تعز، حيث أجروا عمليات مسح جيولوجي ميداني مكثف باستخدام أجهزة قياس متطورة وتقنيات استشعار حديثة لجمع عينات صخرية وتحديد البنية الجيولوجية للمنطقة. وتضيف المصادر أن فرق الخبراء لم تقتصر على موقع واحد، بل شملت أعمالهم عدة نقاط على امتداد الساحل الغربي وصولًا إلى مواقع أخرى ذات مؤشرات معدنية واعدة، الأمر الذي يعكس اهتمامًا منهجيًا ومتكررًا بدراسة التكوينات الصخرية وتقييم الثروات المعدنية المحتملة. وتشير الروايات المحلية إلى أن هذه الأنشطة تجري وسط ترتيبات أمنية مشددة وتكتم كبير، وأن المعلومات التي تسربت عنها جاءت من مشاهدات سكان محليين وعمال مؤقتين. ووفقًا لهذه المصادر، فإن كثافة الزيارات وتنوع المواقع التي شملتها المسوحات الجيولوجية يوحيان بأن المسألة تتجاوز مجرد استطلاع عابر إلى برنامج طويل الأمد لاستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية على نطاق واسع.
خلف لافتات المشاريع التنموية التي تروِّج لها الإمارات في المخا، والتي يتم الترويج بها للعميد طارق صالح تكشف الوثائق المسرّبة التي حصلنا وكذلك مصادر من الحراسة في معسكر جبل النار عن شبكة معقَّدة من الأنشطة السرية في منطقة جبل النار شرق المدينة.
هذه المنطقة، الغنية بالذهب والنحاس والزنك والجرمانيوم، تحولت إلى معسكر وحراسات مشددة، نقاط تفتيش متكررة، ومنع كامل لأي مدني أو صحفي من الاقتراب.
وتشير الوثائق إلى أن هذه الأنشطة تتم تحت إشراف مباشر لشخصيات محلية نافذة تُتهم بتسهيل أعمال الإمارات مقابل مبالغ مالية ضخمة.
ووفقا لمصادر في الساحل فإن العميد طارق صالح والعميد عمار صالح يتقاضيان مبالغ شهرية تقدَّر بعشرين مليون ريال سعودي لكل منهما مقابل منح التسهيلات اللازمة لاستمرار هذه العمليات. ويضيف مصدر عسكري رفيع الى أن هذه الأرقام الفلكية تُقارن بما تعلنه الإمارات من مشاريع خدمية وتنموية في المخا، والتي لا تتجاوز – بحسب تقدير المصادر – واحدًا في المئة من قيمة الثروات المعدنية التي يتم استخراجها من المنطقة.
بهذا الشكل، يتكشّف تناقض صارخ بين الصورة المعلنة والواقع على الأرض: خطاب عن التنمية والمساعدة في العلن، وعمليات استخراج ونهب منظَّم للثروات في السر تحت حماية قوات محلية وحراسة مشددة.
في هذه الصورة المرفقة تبرز القاعدة الإماراتية في جبل النار لم تعد مجرد مقر لوجستي وانما تحولت إلى مقر محصَّن تحت الأرض يُستخدم كمركز قيادة وإقامة لشخصيات نافذة ومشرفين أجانب. ووفقًا لهذه المصادر، فإن العميد طارق صالح والعميد عمار صالح يقيمان في هذا الموقع نفسه ويشرفان منه على الأنشطة الجارية في المنطقة، ويستفيدان من التحصينات التي أُنشئت تحت الأرض لتأمين الموقع وحمايته من الرصد.
وتضيف المصادر أن القاعدة تضم أيضًا مشرفين إماراتيين وخبراء أجانب يقيمون هناك بصورة دائمة أو شبه دائمة لتنسيق الأعمال الميدانية، بما في ذلك عمليات المسح الجيولوجي ونقل المواد الثقيلة التي تجري في جبل النار والمناطق المجاورة.
وتشير المعلومات المتداولة إلى أن الموقع أصبح بمثابة «قلب العمليات الإماراتية» في الساحل الغربي، حيث تتم إدارة الأنشطة في سرية تامة تحت حراسة مشددة وإجراءات أمنية صارمة تمنع أي مدني أو صحفي من الاقتراب.
ويصف شهود عيان في المنطقة أن ما يُسوَّق في الإعلام على أنه مشاريع تنموية لا يعكس حقيقة ما يجري خلف الأسوار. ويثير هذا الواقع تساؤلات واسعة حول طبيعة النشاط القائم هناك، ودور الشخصيات المحلية والأجنبية التي تظهر في الصورة بوصفها واجهة لمشاريع تنموية بينما تتهمها المصادر بالتواطؤ في نهب ثروات اليمن.
صنعاء ودورها في حماية نهب الثروات
منذ أواخر عام 2022 تبنت سلطات صنعاء سياسة واضحة تجاه الثروات اليمنية في المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف، فأعلنت أكثر من مرة – عبر بيانات رسمية – أن أي محاولة لنهب النفط الخام من موانئ حضرموت وشبوة ومأرب ستُواجَه بالمنع بالقوة إذا لزم الأمر، وهو ما انعكس في سلسلة من الضربات التحذيرية التي طالت موانئ تصدير النفط والسفن الأجنبية وأدت فعليًا إلى وقف معظم عمليات الشحن النفطي من تلك الموانئ. هذه السياسة جعلت ما تصفه صنعاء بـ«منع النهب» أحد أعمدة خطابها السياسي والعسكري في مواجهة التحالف.
بناءً على هذه الخلفية، يرى محللون عسكريون يمنيون أن نفس القاعدة يمكن أن تُطبَّق على أي نشاط تعتبره صنعاء «نهبًا للثروات» في مناطق أخرى، بما في ذلك جبل النار أو الموانئ القريبة مثل ذوباب والمخا
فحتى الآن لم تُصدر صنعاء إعلانًا رسميًا باستهداف السفن أو الطائرات الإماراتية المرتبطة بنقل المعادن أو المعدات من الساحل الغربي، لكنّ الخطاب الرسمي لقيادتها – كما تنقله وسائل الإعلام التابعة لها – يضع جميع الثروات الطبيعية ضمن «الخطوط الحمراء»، ويعتبر أن منع الاستغلال الخارجي لها واجب وطني.
لهذا السبب يذهب مراقبون إلى أن استمرار الإمارات في جلب خبراء ومعدات ثقيلة إلى جبل النار أو تشغيل خطوط نقل بحرية وجوية من ذوباب قد يضع هذه التحركات في مرمى السياسة نفسها التي أُتبعت في حضرموت وشبوة ومأرب، أي الإنذارات ثم الضربات التحذيرية ثم فرض الحظر بالقوة إذا لزم الأمر.
ويؤكد هؤلاء أن صنعاء تملك اليوم ترسانة من الطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية والمجنحة أثبتت فعاليتها ضد أهداف بحرية وبرية، وأنها لن تتردد – بحسب خطابها – في استخدامها لحماية ما تعتبره «ثروات الشعب اليمني».
في المقابل، يشير آخرون إلى أن الوضع في الساحل الغربي أكثر حساسية نظرًا لقربه من خطوط الملاحة الدولية والموانئ الحيوية، وأن أي عملية عسكرية قد تحمل مخاطر أكبر من تلك التي حدثت في الموانئ النفطية الشرقية، وهو ما يجعل التوقعات مفتوحة بين التصعيد أو الاكتفاء بالرسائل التحذيرية. ومع ذلك، فإن القراءة العامة لمواقف صنعاء وتصريحات قياداتها تعطي انطباعًا بأنها ستتعامل مع ملف المعادن والنقل البحري في الساحل الغربي بنفس الصرامة التي تعاملت بها مع ملف النفط، وأنها تهيئ الرأي العام داخليًا وخارجيًا لموقف «منع النهب» أينما كان موقعه الجغرافي.
بهذا المعنى، لا يمكن الجزم بموعد أو شكل أي تحرك عسكري، لكن يمكن القول إن السوابق والبيانات الرسمية والقدرات الحالية تجعل من المحتمل أن تستخدم صنعاء أوراق القوة التي أثبتت نجاعتها في الشرق، إذا اعتبرت أن هناك «نهبًا» مماثلًا للثروات المعدنية في الغرب.
وبالنظر إلى هذه المعطيات، تبرز صنعاء اليوم – وفق مراقبين يمنيين – بوصفها الطرف الوحيد القادر عمليًا على وقف عمليات نهب الثروات في مناطق سيطرة التحالف، بعد أن أثبتت من خلال سلسلة إجراءاتها وعملياتها التحذيرية في حضرموت وشبوة ومأرب أنها تمتلك الإرادة والقدرة على فرض هذا المنع. فبينما تكتفي الأطراف الأخرى بالبيانات أو الشكاوى، تحوّلت صنعاء إلى الفاعل الرئيسي الذي يضع خطوطًا حمراء ويُنفذ تهديداته عندما يتعلق الأمر بثروات اليمن الطبيعية، وهو ما يجعلها في نظر مؤيديها «الضامن الوحيد» لوقف النهب الخارجي سواء تعلق الأمر بالنفط أو المعادن أو غيرها من الموارد.
دور أبناء تعز
إن ما يحدث من استغلالٍ ونهبٍ للثروات في جبل النار بالمخا من قبل الإمارات، وبحماية وتسهيلات من شخصيات محلية نافذة مثل طارق صالح وعمار صالح يستوجب على أبناء تعز من ناشطين وأكاديميين ومختصين التحرك العاجل لتشكيل لجان مستقلة للنزول الميداني، ورصد ما يجري، وجمع الأدلة، والعمل على منع استمرار هذا النهب للثروات اليمنية. بل يجب بأن تتحول هذه اللجان إلى أذرع رقابية مدنية توثّق الانتهاكات وترفع تقاريرها للمنظمات الوطنية والدولية، حتى لا تبقى هذه الأنشطة طيّ الكتمان أو الاستغلال السياسي.
ويضيف خبراء قانونيون أن تشكيل لجان ميدانية من أبناء المحافظة يمكن أن يكون خطوة أولى في بناء ملف قانوني متماسك يتيح رفع قضايا أمام المحاكم المحلية والدولية ضد كل من يثبت تورطه في تسهيل أو إدارة عمليات النهب. ويؤكد هؤلاء أن غياب الرقابة المجتمعية خلال السنوات الماضية هو ما سمح بتكريس هذا النمط من الاستغلال، وأن إنشاء لجان متخصصة من الأكاديميين والجيولوجيين والحقوقيين يمكن أن يعيد زمام المبادرة لأبناء تعز ويضع حدًا لما يسمونه «التواطؤ الممنهج» على نهب ثروات المحافظة.
كما يشدد ناشطون على أن هذا التحرك لا يقتصر على رصد الانتهاكات فقط، بل يجب أن يترافق مع حملات توعية للرأي العام المحلي والإقليمي، وفضح الخطاب الإعلامي الذي يروَّج للمشاريع الإماراتية في المخا بوصفها إنجازات تنموية بينما تصفها المصادر بأنها غطاء لأنشطة استخراجية غير معلنة. ويرى محللون أن نجاح أبناء تعز في تشكيل لجان ميدانية فعّالة سيوجه رسالة قوية بأن المحافظة لم تعد أرضًا سائبة، وأن الثروات المعدنية فيها شأن عام لا يُسمح لأحد – مهما كان نفوذه – بالتصرف بها خارج القانون أو المصلحة الوطنية
خلفية جيولوجية عامة للمنطقة
يمثل جنوب غرب اليمن جزءاً من حافة صحاري البحر الأحمر وخليج عدن، حيث شهدت المنطقة انفتاحاً قاريّاً منذ الحقبة النيوجينية المبكرة. وتُظهر الخرائط الجيولوجية أنَّ صخور الزَّمَن الأول في جنوب غرب اليمن تشمَل قواعد متحوّلة قديمة قِدَمها بلايين السنين، يغطيها لاحقاً رواسب رسوبية بحرية وترسيبيّة تعود للعصور القديمة والصحاري والترسيبات المائية. ومع بدء مرحلة الترسيب البركاني الواسعة في العصر الميوسيني، تشكَّلت تراكمات من الحمم البركانية والطباشير البركاني (المعروفة باسم «السلسلة الفيضية» أو Trap Series) بسمك يصل إلى حوالي 1.5 كلم في القسم الغربي من البلاد. استمر هذا النشاط البركاني في مناطق واسعة تمتد من الهضبة اليمنية الداخلية غرباً إلى صخور الحواف البحرية، وتم إبرامها أحياناً بقطع بسبب حركة الصدع النشأة للبحر الأحمر وخليج عدن.
في منطقة المخاء (المُديرة الساحلية بمحافظة تعز)، تقع تكوينات جيولوجية متنوعة تضمّ الرواسب الضحلة على السهل الساحلي، وصخور الحمم البركانية القديمة، وانقطاعاً في الطبقات نتيجة حركات الصدع. ويُعَدُّ جبل النار (يُسمى أيضاً «جبل النّار») من أبرز المعالم البركانية في هذه المنطقة الساحلية، إذ يرتفع حوالي 1181 متراً فوق سطح البحر (خرائط جيولوجية محلية) ويتميَّز بتشكيلات حَجَرِيّة بركانية متعاقبة على مساحة تقترب من 30 كم². هذه التراكيب الجبلية البركانية محاطةٍ في الأساس بطبقات الرواسب الحديثة من السهول الساحلية (تجمعات رملية وغرينية حديثة)، كما تخترقها شقوق وصدوع جيولوجية تنتمي لنظام تصدعي عام متوازي مع الحافة الغربية للهضبة اليمنية.
النشاط البركاني وتاريخ التكوين الجيولوجي لجبل النار
يوضح البحث الجيولوجي أن جبل النار ليس بركاناً حديثَ النشاط كما كان يُعتقَد سابقاً من روايات قديمة لرحَّالة (منها الإشارة إلى اسم الجبل «النار» واختصار معناه في اللهجة). فقد أظهرت دراسات الكَرونولوجيا الإشعاعية (قياسات K-Ar) أن صخور الحمم الأساسية في جبل النار تعود إلى العصر الميوسيني المتأخر، أي قبل نحو 10 ملايين سنة. فقد بينت عينتان أساسيتان من الحمم البازلتية في قاعدة الهضبة تاريخاً عمرياً قدره 10.6 ±0.1 مليون سنة للعينة السفلى و10.0 ±0.1 مليون سنة للعينة العليا (أحدث طبقة). وتعدّ هذه الفترة بداية مرحلة ثورية مجددة في النشاط البركاني بعد فترة كمون سبقت ظهورها (تعرّض خلالها هضبة اليمن للارتفاع والتعرية).
من الناحية الصخرية، تتألف طبقات الحمم في جبل النار بشكل رئيس من بازلتية أو ثوليتية خفيفة الغنى بالحديد والماجنيزيوم، إضافةً إلى بضع طبقات من حجر الرملي البازلتي والرمادي الداكن. وقد وصفت التحاليل البتروغرافية والصيغ الكيميائية للصخور أنَ العينات تقع ضمن حقل «البازلت الانتقالي» (transitional basalt) و«البازلت اليونكي» ذي النمط الثوليتية. بمعنى آخر، تركيبتها حديدية معتدلة (مع زيادة طفيفة في الأكاسيد القلوية عند الطبقات الأعلى) دون وجود محتوى سيليكا مرتفع يضعها ضمن الأنديزيت أو الريوليت الحمضية. وغالبية العينات المستخدمة من جبل النار ذات نسيج عديم أو فقير البلورات الظاهرة (aphyric)؛ إذ تطفو في المصفوفة البلورية معادن نشطة كالأوليفين (الماغنيسيوم حديدي) والبيروكسين بلورية التشكيل، مع فقاعات غنية بالحديد وثاني أكسيد التيتانيوم. هذا يشير إلى أن الحمم كانت تخالط صهيراً نشطاً في الوشاح العلوي، وتفتقد إلى الفازة السائلة (الزجاجية) بكميات كبيرة، إذ أنها تسودها تركيبته البلورية الدقيقة.
ترتيب طبقات الجبل يدلّ على اندفاع الحمم عبر شقوق طولية (من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي بحسب خرائط منتشرة) على هيئة تدفقات لَفِحَات متعددة السماكة (1–8 أمتار للطبقة الواحدة، تصل أحياناً لأكثر من 50 متراً في مجموعها). وقد تشكل النظام البركاني من عدد من المخاريط البركانية الصغيرة الموزعة على طول هذه الشقوق، مصحوبة بانفجارات سطحية تكوّن الحمم والرماد. ومع مرور الزمن تعطَّلت الطبقات العليا وتآكلت بفعل التعرية، فأصبحت معظم الطبقات القديمة متكسّرة حتى زالت آثارها الجيولوجية، بينما تبقى أعلى المصاطب في حالة أفضل (ظاهرة بنمط التجوية المقشّرة onion skin). ونتيجة لذلك، تمكّن الباحثون من تحديد الجزء السفلي المرتبط بصخور القاعدة البركانية (حَجَرَ جُيري معلّق فوق صخور يرقات السيليكا القديمة)، ما يساعد في دراسة تسلسل الطبقات بالكامل.
المسوحات الجيوفيزيائية والجيوكيميائية الميدانية
بالنسبة للمسوحات الجيوفيزيائية، لم يتم إجراء مسح مغناطيسي أو جاذبية خاص على جبل النار ذاته على نطاق منشور، لكن دراسات حديثة للنشاط الزلزالي واستقبال الموجات ارتكابية في غرب اليمن ربطت «جبل النار» بمكونات هيكلية أعمق. ففي دراسة جيولوجية جيوفيزيائية سنة 2014 استخدمت «طريقة التوموجرافيا الزلزالية» لرسم صورة سرعة الموجات الواصلية تحت ساحل اليمن الغربي. كشفت هذه الدراسة عن وجود منطقة بطبقة سفلية ذات سرعة منخفضة تمتد نزولاً حتى أعماق تقارب 300 كم تحت نطاق جبل النار وبركان «هضبة رادا/ذمار»، الأمر الذي يُفسَّر بكتلة من الماغما الحارة «المنصهرة جزئياً» [أو ارتفاع لُبّي صغير] في الوشاح العلوي. ويؤكد الباحثون أن هذه الكتلة الساخنة قد تكون السبب في ارتفاعات التضاريس البركانية والنشاط الأخير الذي رُصد بعد المرحلة البركانية القديمة، مما يعكس استمرار تدفق حراري بشعاع أفاري تحت الحافة اليمنية الغربية حتى ما بعد تكوين جبل النار.
على الصعيد الكيميائي والبتروغرافي، قام فريق إيطالي بإجراء تحاليل دقيقة لعيّنات الصخور من جبل النار. وبينت نتائج فحص المعادن البلورية والمواد الصيغة (الأوكسايدات الرئيسية والأملاح) أنَّ الصخور ثوليتية الأساس مع انخفاض نسبي في الألومنيوم والسيليكا صعوداً في السلسلة. وتتفق هذه النتائج مع تصنيف الصخور على أنها انتقالية بين البازلت الأحيائي والبازلت القاعدي. ولقد أشارت بعض الدراسات أيضًا إلى تَبَديدات ثانوية في الصخور البركانية على طول الساحل الغربي، حيث تحولت الموائع البازلتية القديمة إلى معادن طينية زيواليتية أو بنتونيتية بفعل التفاعل مع المياه الجوفية. على سبيل المثال، تُظهر المناطق القريبة رواسب زيواليتية (zeolites) ودلماسية (clays) نتيجة تحويل كيميائي لتحوّل الرماد البركاني القديم إلى معادن مسامية صالحة للاستخدام الصناعي.
في الختام، ورغم عدم توفر مسوحات جيولوجية ميدانية خاصة بجبل النار (كحُفر كشف أو مسوحات جيوكيميائية للمعادن الثقيلة)، فإن النتائج المتوفرة تبيّن طبيعة بنيوية فرطية قديمة لهذه التكوينات البركانية. وقد ساعدت التجارب المختبرية والكيميائية على عيّنات الصخور في فهم تاريخ التكوين والتفاعل مع الغلاف الجوي والماخذ الجيولوجي المحيط.
الدراسات الحديثة المنشورة والدور المؤسسي
كانت الأبحاث العلمية الدولية حول جبل النار محدودة الأعداد نظراً لعدم وقوعه ضمن نشاط بركاني حديث. ومع ذلك، تَمّ تسليط الضوء على هذا الجبل في عدة دراسات جيولوجية مقرونة بدراسات الحواف الصدعية لليمن. في عام 1987 نشرت مجموعة إيطالية دراسة رئيسية في مجلة Journal of Volcanology and Geothermal Research أكّدت تاريخ جبل النار الميوسيني. وفي تسعينيات القرن العشرين صدرت دراسات نقدية عامة لنشاط اليمن البركاني (مثل هاور بيرانا 1995)، ركّزت على تطور الحقول البركانية اليمنية وذكرت جبل النار ضمنها كحالة معزولة قديمة.
في الألفية الجديدة، شملت بحوث أخرى نمذجة الأرض العميقة للحزام الصدعي في جنوب الجزيرة العربية. فاضطلعت فرق بحثية دولية بقياس زلزالية قشريّة باستخدام شبكة من الحساسات في اليمن، وأفادت بتحولات هيكلية عميقة مرتبطة ببركان جبل النار. كذلك نُشرت دراسة حديثة (سنة 2023) لبناء نموذج ثلاثي الأبعاد لقاع الأرض (المُوهو) في اليمن، ذكرت فيها الحزام الميوسيني المتأخر في منطقة جبل النار كأحد مجالات اندفاع الماغما تحت الهضبة اليمنية الغربية (غير متاحة نصها الكامل، لكن ذُكرت كمرجع ضمن الجدالات الجيولوجية الحديثة). كما أشارت تقارير منظمات جيولوجية دولية (مثل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية USGS ومنظمات استكشاف التعدين) إلى اهتمام عام بموارد اليمن المعدنية لاستخلاص الثروات المحتملة.
جدير بالذكر أن الحكومة اليمنية المستقلة سابقاً (عبر مؤسسة النفط والمعادن YOMINCO) أطلقت عدة مشاريع استكشاف جيولوجي شامل في التسعينات وبدايات الألفية، شملت إجراء مسوحات جوية مغناطيسية وجيوكيميائية لمناطق واسعة. ورغم أن هذه المشاريع لم تركز على جبل النار تحديداً، فإن تفسيراتها العامة للغلاف المغناطيسي ولوحات الكثافة ساهمت في رسم صورة أولية عن احتمالات الثروات المعدنية في اليمن الغربي عامة. فمثلًا، أشارت تقارير مسح أمريكية إلى وجود كبريتيد النحاس (كالكوبيريت) ونحاس خام ضمن طبقات جبلية في منطقة حراز المجاورة، ولمستوى تشابه الصخور، قد تؤشر على وجود معادن مشابهة في التكوينات المتحركة اليمنية.
اهم الدراسات الحديثة المُتعلقة بجبل النار والمنطقة المحيطة
السنةالدراسة (المؤلفون)الملاحظات الرئيسة (النتائج)1987Capaldi وآخرون (Journal Volcanol. Geoth. Res.)تأريخ إشعاعي لجبل النار (10.6 و10.0 م.س.) وتحديد الصيغ البازلتية (ثوليتية).2014Korostelev وآخرون (Geochem. Geophys. Geosyst.)تصوير زلزالي ثلاثي الأبعاد أظهر منطقة سرعة منخفضة عميقة تحت جبل النار تشير إلى ماغما ساخنة.2023دراسة نموذج الموهو اليمني (CGS Journals)بناء نموذج ثلاثي الأبعاد لقاع الأرض أشار إلى اندفاعات ماغما تربط بين حقل رادا/ذمار وجبل النار (ملخص بدون نص متاح).
شكل 1: صورة جوية لبركان خامد في اليمن (يظهر تسلسل طبقات بركانية متعاقبة). تجمع الدراسات الحالية أنَّ آليات تشكّل جبل النار في الماضي مشابِهة لنماذج انهيار وتصخُّر تلك الحقول القديمة، مما يفسر بنيته البازلتية وانتشاره على الصدع الساحلي.
الثروات المعدنية المكتشفة في جبل النار
حتى الآن يجلت بعض البحوث الجيولودقيقة دلائل مباشرة على وجود تراكمات كبيرة من المعادن الفلزية أو النادرة داخل جبل النار نفسه. فالتركيبة الحجرية للجبال هناك تعبر عن رواسب غنية بالمعادن الفلزية كسربنتينات الذهب أو كبريتيدات النحاس والزنك وغيرها من المعادن الثمينة
وعلى مستوى الموارد المعدنية القريبة تحدثت بعض الدراسات بوجود رواسب كبيرة من خامات مثل النحاس والزنك والذهب والجرمانيوم وغيرهامن المعادن
المصادر: تم الرجوع في هذا النص الاخير إلى دراسات جيولوجية دولية رئيسية (Capaldi et al. 1987، Korostelev et al. 2014)، إلى مصادر معلومات جيولوجية عامة وبيانات رسمية للهيئات العالمية (مثل هيئة المسح الأمريكي USGS)، وإلى قواعد بيانات جيولوجية موثوقة لرصد الوضع الزمني والجيولوجي للمنطقة. لكل مرجع تم تضمينه أقسام نصية دقيقة مساهمة في تكوين هذا التقرير العلمي الشامل.