الرئيسية - عربي ودولي - تكتيك وحدة "الظل".. كيف أذهل القسّام العالم ونقل الأسرى تحت نظر "أقوى" استخبارات العالم؟

تكتيك وحدة "الظل".. كيف أذهل القسّام العالم ونقل الأسرى تحت نظر "أقوى" استخبارات العالم؟

الساعة 05:38 مساءً



�نا عدن | متابعات
خالد بابريك|

لطالما تغنّت إسرائيل بمنظومتها الاستخباراتية والتقنية، واعتبرت سماء قطاع غزة مسرحًا مفتوحًا لا يغيب عنه ذكاء اصطناعي ولا تغفل عنه عدسة طائرة استطلاع. ومع ذلك، تبقى الحقيقة الثابتة بعد كل جولة صراع هي: القدرة المذهلة لكتائب الشهيد عز الدين القسّام على كسر هذه المعادلة، وإذهال العالم بخطط لا تخطر على بال "أعتى" الأجهزة الأمنية.


لكن القصة التي كشف عنها بعض الأسرى الإسرائيليين المحررين مؤخرًا، حول كيفية نقلهم من شمال القطاع إلى جنوبه، لا تُعد مجرد عملية أمنية ناجحة؛ بل هي تحفة استخباراتية تُدرّس في فن التمويه والضدّ النوعي.

المعجزة تحت أعين "النسر" الإسرائيلي
كيف يمكن نقل أسرى بهذا الحجم، وهم أهداف استخباراتية عالية القيمة، عبر مسافة طويلة في منطقة حرب، وتحت التغطية الجوية المستمرة للطائرات الإسرائيلية والتقنيات الحديثة؟.

الجواب يكمن في وحدة تأسست على يد القائد الشهيد يحيى السنوار، وهي "كتيبة الظل" في القسّام، والتي تتخصص في الاحتفاظ بالأسرى. 

لم تكن الخطة أمنية بحتة تعتمد على الأنفاق والسرية المطلقة فحسب، بل كانت خطة خداع استراتيجي وظفت البيئة الاجتماعية وروجت للوهم الذي كان الاحتلال تواقًا لتصديقه.

مظاهرات "الخدعة الكبرى": الأسرى يقودون الهتاف
في اعترافات صدمت الداخل الإسرائيلي، كشف أحد الجنود المحررين عن تفاصيل الخطة المذهلة التي نفذت بتاريخ 25 مارس. كانت العملية بسيطة في ظاهرها، ومركبة في جوهرها:
صناعة البيئة الوهمية: قامت "كتيبة الظل" بتنظيم مظاهرة حاشدة في شمال القطاع، لكنها لم تكن مظاهرة ضد الاحتلال، بل كانت تظاهرة مُصطنعة موجهة ضد حركة حماس والمقاومة!
التمويه الكامل: زُجّ بالأسرى الإسرائيليين داخل هذه المظاهرات. والأكثر إذهالًا، أن رجال القسّام طلبوا منهم قيادة المسيرة.
هتافات التمويه: تم تعليم الأسرى الشعارات باللغة العربية، ووجد الجندي الإسرائيلي نفسه محمولًا على الأكتاف، ويهتف بصوت عالٍ ضد المقاومة، بينما كان مقاتلو القسّام يسيرون خلفه.

في تلك اللحظة، كانت كاميرات المراقبة الإسرائيلية والطائرات الاستطلاعية فوق الرؤوس تعمل بأقصى طاقتها، لكنها لم ترَ سوى "انتصار" استخباراتي يتمثل في مظاهرات شعبية ضد المقاومة.

وهمٌ ابتلعته الاستخبارات
هللت وسائل الإعلام الإسرائيلية حينها ونقلت صور المظاهرات، معتبرةً إياها دليلًا على تدهور شعبية حماس. كان هذا هو الفخّ النفسي والاستخباري الذي نصبه القسّام بنجاح:
تغذية رغبة العدو: قدمت الخطة للاستخبارات الإسرائيلية ما كانت تتمنى رؤيته، مما أعمى بصيرتها عن تحليل المشهد بعمق.

تحييد التكنولوجيا: تحت ستار الحشود وهتافات "المحتجين"، تعطلت فعالية أنظمة التعرف على الوجوه وتحليل الحركة، إذ لم يكن أحد يبحث عن "أسرى" وسط من يُفترض أنهم "معارضون".
هكذا، سار الأسرى الإسرائيليون من بيت لاهيا شمالًا، مرورًا ببيت حانون وغزة، وصولًا إلى خان يونس في الجنوب، في عملية نقل آمنة لم تخطئها عين المخابرات الإسرائيلية، لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في التعرف عليها.
تأسيس لمرحلة جديدة من الصراع
إن اعتراف الجندي الإسرائيلي بأنهم وصلوا إلى خان يونس "بسلام تحت سمع وبصر المخابرات الإسرائيلية التي لم تتعرف علينا"، هو ليس مجرد اعتراف بذكاء الخصم، بل هو شهادة تاريخية على أن التفوق التكنولوجي يظل عرضة للانهيار أمام عبقرية التخطيط البشري وقوة الخداع الاستراتيجي.
لقد أثبتت "كتيبة الظل" في هذه العملية أن أفضل مكان لإخفاء شيء ثمين هو وضعه في العلن، وتحويل الأنظار عنه من خلال إشغال العدو بما يشتهيه عقله. هذه العملية تُدرّس اليوم كنموذج كيف يمكن للمقاومة أن تذهل أكبر منظومة استخباراتية في العالم، وتؤسس لمرحلة جديدة يُصبح فيها الذكاء الاصطناعي والإرادة البشرية هما طرفا المعادلة.