حضرموت والمملكة.. تاريخ من الوفاء وشراكة تصنع المستقبل

2025/09/23 الساعة 11:29 مساءً

الولاء والوفاء يجسدان عمق العلاقات التاريخية بين حضرموت والمملكة العربية السعودية في يومها الوطني. فعندما دخل الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – مدينة جدة في عام 1925م، اتجه إلى بيت آل باناجه الحضرمي، حيث اجتمع فيه بوجهاء وأعيان جدة في لقاء يفيض دلالة على قوة الروابط وأصالة الاحترام المتبادل. لم يكن ذلك الموقف حدثاً عابراً، بل مشهداً يؤرخ لبداية شراكة راسخة بين القيادة السعودية وأبناء حضرموت، الذين حملوا على عاتقهم منذ البدايات أمانة المشاركة في صياغة المشروع الوطني الكبير.

لقد غدت تلك الزيارة رمزاً لتلاحم الإرادة وتقاطع المصالح النبيلة، إذ وقف الحضارم مع الملك المؤسس في مسيرة التوحيد، وأسهموا في النهضة الاقتصادية والتجارية والعمرانية مع أبناء الجزيرة العربية كافة. ومع مرور العقود، أخذت هذه العلاقة تتجدد في صور من الإسهام والوفاء، ليصبح للحضارمة دور بارز في مسيرة البناء والتنمية السعودية الحديثة،، وهي شراكة نحتفي بها اليوم في الذكرى الغالية لليوم الوطني.


إعلان


جذور تاريخية مترابطة

ترجع علاقات حضرموت وأرض الحجاز إلى طرق التجارة القديمة، وتعززت هذه الصلات مع فجر الإسلام حين ولى النبي صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إدارة شؤون البحرين والمنطقة الشرقية. كما عُرف الحضارمة بولائهم للأسرة السعودية منذ عهد الإمام محمد بن سعود، حيث لبّت الوفود الحضرمية نداء الإمام محمد بن سعود، وقدمت إلى الدرعية معلنة بيعتها ومشاركتها في المشروع الوحدوي، في موقف يعكس عمق الصلة والإيمان بالمصير المشترك.

ومع بزوغ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، تجلت أدوار حضرمية بارزة شاركت بفاعلية في بناء الدولة الحديثة. من أبرزها:

سالم بن محفوظ: الذي أطلق عام 1953 فكرة "البنك الأهلي التجاري"، ليصبح أول بنك سعودي، محققاً نقلة نوعية في القطاع المالي، ورافداً قوياً للاقتصاد الوطني.

محمد بن لادن: القادم من حضرموت، والذي حاز ثقة الملك المؤسس، فعُيّن مديراً عاماً للإنشاءات والتعمير عام 1934، وأسهم منذ ذلك الحين في تنفيذ توسعات الحرمين الشريفين والمشاريع الكبرى، ليترك بصمته في معالم النهضة العمرانية.

وإلى جانبهما، برزت أسر حضرمية عريقة ساهمت في ترسيخ الحركة التجارية ودعم الاقتصاد السعودي الناشئ، منها: آل بقشان، آل باخشب، آل العمودي، آل باناجه، آل بغلف، آل جمل الليل، حيث أسسوا شركات ومؤسسات تجارية كان لها دور كبير في دفع عجلة التنمية وتوفير قنوات الدعم للدولة في مراحلها التأسيسية.

كما كان للعلماء الحضارمة أثر علمي وثقافي رائد، إذ تولى بعضهم التدريس والإفتاء، وأسهموا في الحراك الديني والتعليمي، ففتحوا آفاقاً معرفية أثرت المجتمع وأسست لنهضة فكرية وثقافية ظلت بصماتها حاضرة عبر الأجيال.

لقد مثلت هذه الأدوار الحضرمية المتنوعة – الدينية والتجارية والاقتصادية والعمرانية – ملامح شراكة صادقة مع الدولة السعودية، امتدت جذورها منذ البدايات واستمرت في الحاضر، لتغدو نموذجاً فريداً لعلاقة تاريخية متجذرة بالوفاء والولاء، توثقها الأيام ويزكيها العطاء المتبادل.

الولاء المتجدد عبر الأجيال

لم يقف دور الحضارمة عند لحظة التأسيس، بل ظل حضورهم ممتداً ومتجذراً في مسيرة المملكة، فكانوا جزءاً أصيلاً من نسيجها الاجتماعي، اندمجوا في بنيتها دون أن يكونوا مجرد جالية وافدة، بل شركاء حقيقيون في صناعة الهوية السعودية الواحدة. وقد حفظت أرشيفات الدولة وثائق ومراسلات متبادلة بين رجالات حضرموت والملك المؤسس عبد العزيز، تشهد على عمق المودة والثقة، وتوثّق مكانة الحضارمة في رؤيته لبناء وطن يتسع للجميع.

هذا الولاء لم يكن شعاراً عاطفياً عابراً، وإنما ممارسة حية تواصل عبر الأجيال، انعكس على الحضور الفعلي لأبناء حضرموت في مختلف مفاصل الدولة، من التجارة إلى التعليم، ومن العمران إلى العمل الخيري والدعوي، حتى أصبح اسم حضرموت جزءاً لا يتجزأ من تاريخ المملكة وإنجازاتها.

واليوم، ومع النهضة الكبرى التي تعيشها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وعضده الأمين ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – يتجدد العطاء وتتواصل المسيرة، حيث يسهم أبناء الحضارمة بجدية وإخلاص في دعم مسارات التطوير والإصلاح، منخرطين بقوة في تنفيذ رؤية السعودية 2030.

نراهم في قطاعات الاقتصاد بوصفهم رجال أعمال واستثماريين يمدون جسور النمو، وفي الميادين العلمية والتعليمية كأكاديميين وباحثين يرفدون المعرفة، وفي ميادين الثقافة والإعلام كقامات فكرية وإبداعية تعزز الهوية الوطنية وتغني المشهد الحضاري. كما يبرز إسهامهم في مؤسسات المجتمع المدني والعمل الخيري، مواكبين للمبادرات الإنسانية والتنموية التي تقدمها المملكة داخلياً وخارجياً.

إنه ولاء متجدد بالوفاء، ومشاركة متجددة بالعطاء، ورسالة متصلة تقول بلسان الأجيال: حضرموت والمملكة قصة تاريخية واحدة، وبيت عز واحد، ومستقبل مشترك يكتب صفحاته أبناء الوطن جميعاً بتلاحمهم وإخلاصهم.

في يوم الوطن

يشكل اليوم الوطني ذكرى خالدة تعكس وحدة الأرض والإنسان والقيم. وفي هذا السياق، تمثل قصة الحضارمة في المملكة درساً بليغاً: أن الانتماء والوفاء يتجاوزان حدود الجغرافيا ليصبحا أمانة للأجيال وركيزة في بناء الأوطان. وهكذا تبقى العلاقة الحضرمية السعودية نموذجاً للعطاء المشترك الذي صنع مجداً بالأمس ويواصل صناعة المستقبل اليوم.
‏مقال في صحيفة سبق السعودية بعنوان: (حضرموت والمملكة.. تاريخ من الوفاء وشراكة تصنع المستقبل)
‏وذلك بمناسبة #اليوم_الوطني_السعودي_95