لم تكن الرياض يوماً بعيدة عن التحولات الكبيرة في اليمن.. فالجوار الجغرافي على أهميته الجيوسياسية قد راكم -عبر الزمن- طبقات من العلاقة المتشابكة والمصالح المشتركة. فليس لليمن و المملكة ترابط اجتماعي واتصال ديموغرافي مع الآخرين كما هو الحال مع بعضهما، منذ كان اليمن مقسماً وبعد وحدته الجغرافية عام 1990.
في الأزمة اليمنية الأخيرة قادت المملكة العربية السعودية جهود دول مجلس التعاون الخليجي التي أثمرت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لترتيب الانتقال السلمي للسلطة في اليمن عام 2011، وتُوجت هذه المبادرة برسم ملامح اليمن الجديد وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل 2014 -أهم محطة في المبادرة- التي أصبحت والمبادرة الخليجية أهم مرجعيات الحل السلمي في اليمن وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي وقرارات القمم الخليجية والعربية المتعاقبة.
وكان التمسك بهذه المرجعيات أهم أهداف طلب الحكومة اليمنية تدخل التحالف العربي في اليمن لردع الانقلاب عشية عاصفة الحزم في مارس 2015.
محلياً كان مشرق اليمن وخصوصاً محافظات حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى، قد تقبلت هذا المسار السلمي لحل الأزمة اليمنية، الذي يمنحها إقليماً مستقلاً وسلطات حقيقية في إدارة واستثمار مواردها الوطنية وحماية هويتها الثقافية وخصوصيتها الاجتماعية، وأكثر بواعث هذا القبول ثقتهم في الضامن الخليجي وعلى وجه خاص السعودية وعمان.
فالحدود العمانية والسعودية في هذه المحافظات الشاسعة بقيت رئة تنفس لأبناء هذه المناطق في أحلك أزمات النظام السياسي في عدن منذ استقلالها وضمّ المحمية الشرقية للحكومة الوطنية هناك عام 1967، وهذه المناطق الشرقية المتاخمة لحدود المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان، لم تكن تشكل تهديداً لأمن الجوار قبل هذا التاريخ نظراً لعلاقاتها الخاصة وطبيعة مجتمعاتها المسالمة، وهكذا نبشت جحافل القوات الوافدة لهذه الحدود من أقصى الجنوب اليمني مطلع ديسمبر الجاري المخاوف إزاء أي تغيير في بنية منظومة الأمن الاجتماعي والمستقبل السياسي لهذه المحافظات بعيداً عن إرادة أبنائها بشكل خاص أو تغير خريطة اليمن بشكل عام.
من جهة أخرى فإن هذه المحافظات وفي ظل ضعف وعجز الحكومة الشرعية عن وقف هذا الاجتياح المسلح لمناطقهم أو ردعه، قد رفعوا أنظارهم إلى الجوار الذي يشاركهم هذه المخاوف ويملك المشروعية الدستورية والأخلاقية لحماية إرادة أبناء هذه المحافظات من التغول ومصادرة إرادتهم وقرارهم بالقوة.
والمملكة العربية السعودية وفية للالتزامات التعاقدية والمرجعيات السياسية للحل السلمي في اليمن، من موقعها كضامن رئيسي للمبادرة الخليجية أولاً ومن منطلق حماية أمنها القومي ثانياً، فإن شرق اليمن معادل موضوعي في مقاربة الحل للملف اليمني هذه المرة، فهذا العنصر الإيجابي الذي حُيد تأثيره في الصراع القائم لأسباب تخص أطراف الصراع الرئيسية التي كانت ولا تزال تعتبره جائزة المنتصر في الصراع المحتدم على النفوذ والاستحواذ على الموارد التي يزخر بها الشرق الغني بالثروات الفقير من السكان.
إن تأمين وضع الشرق على مسار قطار الحل السلمي بيد أبنائه، يكسر حدة الصراع في اليمن ويقرب لحظة السلام الدائم، إذ لم يعد من طائل للحروب ما دامت النتيجة محسومة سلفاً وفقاً لترتيبات سياسية متوافق عليها ولن يسمح بتغييرها دون إرادة الأطراف المعنية أو فرض واقع بالقوة يجعل من نصف اليمن جائزة لقوة منفلتة أو رهينة تنافس قوى ونفوذ جماعات ومصالح فئوية أو طائفية أو مناطقية بعيداً عن منطق الدولة واحترام العلاقات الدولية وحق الجوار وإحلال الأمن والسلام في المنطقة.
نقلا عن صحيفة عكاظ