الرئيسية - أخبار محلية - الحداد يكتب من مسقط .. السيد بدر البوسعيدي... ضمير السياسة في زمن الضجيج

الحداد يكتب من مسقط .. السيد بدر البوسعيدي... ضمير السياسة في زمن الضجيج

الساعة 12:05 صباحاً (هنا عدن/ خاص )

السيد بدر البوسعيدي... ضمير السياسة في زمن الضجيج
بقلم: علي الحداد

في زمنٍ تشظّت فيه السياسة إلى مواقف ارتجالية وتحالفات رمادية، يطل علينا معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، وزير الخارجية العماني، بوصفه صوتاً نادراً للثبات والرؤية الأخلاقية في العمل الدبلوماسي العربي.



ليس مجرد وزير خارجية يؤدي واجبات منصبه، بل مفكرٌ يحمل على كتفيه ميراث المدرسة العمانية التي أرساها السلطان قابوس، ويواصلها السلطان هيثم بن طارق بحنكة وهدوء. رجلٌ آمن بأن الحياد لا يعني الصمت، بل المشاركة من موقع مختلف: موقع يُعيد للدبلوماسية قيمتها الأخلاقية، بعيداً عن الضغوط والابتزاز السياسي.

من اليمن إلى طهران، ومن الخليج إلى العالم، لم تغب بصمته. دبلوماسيته لا تُعلن عن نفسها في المؤتمرات الصاخبة، بل تعمل بصبر خلف الكواليس، حيث تُنسج التفاهمات وتُمنع الحروب. ليست عمان في فكره دولة صغيرة تبحث عن رضا الكبار، بل دولة ذات سيادة متجذّرة، تعرف كيف تمشي بين الألغام دون أن تفقد كرامتها أو تؤذي أحداً.

موقف لا يُساوَم عليه: فلسطين أولاً

ومن بين أكثر المواقف وضوحاً وثباتاً في فكر معاليه، يبرز موقفه من القضية الفلسطينية، بوصفها قضية العرب الأولى والضمير الذي لا يجب أن يصمت. لطالما عبّر معاليه، في كل المحافل الدولية، عن رفضه لأي تطبيع مجاني لا يُفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وهو يؤمن، كما تعلن سلطنة عمان دائماً، أن السلام الحقيقي لا يكون إلا عادلاً، وأن الحقوق لا تُشترى بتفاهمات مرحلية.

لقد أكد معالي السيد بدر وزير الخارجية العماني  أن موقف سلطنة عمان من إسرائيل ليس نابعاً من العداء الأيديولوجي، بل من التزام أخلاقي وسياسي تجاه عدالة القضية الفلسطينية. ولأن عمان لا تنجرف وراء المحاور، فإنها لم تخضع لضغوط التطبيع، ورفضت القفز فوق آلام الشعب الفلسطيني أو القفز على قرارات الشرعية الدولية. وفي حين اختار البعض الصمت أو التبرير، ظل السيد البوسعيدي يرفع الصوت من مسقط إلى نيويورك: لا سلام بلا فلسطين، ولا استقرار بلا عدالة.

سيادة عمان أولاً

لعل أبرز ما يميز فكر معاليه هو إيمانه العميق بالسيادة العمانية بوصفها مقدسة. عمان لا تتبع أحداً، ولا تسمح لأحد أن يفرض عليها رؤية لا تتفق مع مبادئها. هذا ما كرّسه في كل محفل دولي، وهذا ما عبّر عنه حتى في أكثر المواقف حساسية. لم يخضع للضغوط، ولم ينجرّ وراء الاستقطابات، بل حافظ على بوصلته التي تشير دوماً إلى مصلحة عمان العليا، التي تتقاطع مع مصلحة السلام في المنطقة.

خاتمة: رجل اللحظة الصامت

ليس من السهل أن تكون هادئاً في عالمٍ صاخب. وليس من السهل أن تُقنع بالصمت، حين يعلو ضجيج الشعارات. لكن معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي أثبت أن الحكمة لا تحتاج إلى صراخ، وأن البصمة لا تتطلب ضوء الكاميرات. إنه رجل اللحظة الصامت، الذي اختار أن يصنع التاريخ بهدوء، وأن يحفظ لعُمان مكانتها لا عبر الانخراط في صراعات النفوذ، بل عبر الإصرار على أن يكون للضمير العربي صوت، ولو وحيداً، في عالمٍ يتداعى من حولنا.