استقلالية السلطات لا تنفي إمكانية تشاركها

2014/03/20 الساعة 11:38 مساءً

(تأثير الفراشة) استعارة لفضية ذاعت مؤخرا في المصطلحات الفيزيائية والفلسفية مفادها أن رفة جناح فراشة في الصين ربما أدت لحدوث أعاصير وفيضانات في أوروبا وأمريكا، فالفروقات الصغيرة في أي نظام ديناميكي متحرك ينجم عنها على المدى البعيد فروقات كبيرة.. ورغم أن هذه حقيقية إلا أن قلة تواتر حدوثها، يجعل من الصعب تصديقها.. غير أن ما لا يمكن تكذيبه أن التلوث البيئي في منطقة ما سيؤثر حتما على منطقة أخرى مجاورة، ما يستدعي تضافر جهود الجميع في كافة المناطق المجاورة لتلافيه ومعالجته.. فما يحدث هنا يؤثر هناك.. ودائما ما تكون هناك مجالات مشتركة وقضايا متداخلة وهذه حصرا تشكل مجال السلطات المشتركة في الدول الاتحادية ( الفيدرالية) .

تقوم الفيدرالية على ثنائية السلطة السياسية بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم، إذ تتوزعان السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحيث يكون لكل منهما سلطات حصرية خاصة به، إلا انه غالبا ما تنشأ سلطات تشاركية تمارسها عدة مستويات من الوحدات المكونة للدولة الاتحادية...وفي ألمانيا الاتحادية يتسع مجال السلطات التشاركية لتشكل ما يقرب من 90% من التشريع الفيدرالي، فيما فيدراليات أخرى يقل حظها منها قياسا للحالة الألمانية، لكن أغلبها إن لم يكن كلها، تحوز على سلطات تشاركية ومتداخلة بين المركز والأقاليم، وبعضها تدرج قائمة بها في دساتيرها كما ماليزيا والعراق.. 

صحيح إن دور الحكومة الاتحادية في ألمانيا في موضوعة السلطات المشتركة، ينحصر على ???ّ???? ورسم السياسات، لتتولى ?????ت الولايات إدارة وتنفيذ البرامج، غير أن فيدراليات أخرى تخول الحكومة الاتحادية مشاركة حكومات الأقاليم في إدارة وتنفيذ بعض السلطات، ليس فقط في مراحل التأسيس حينما لا تقوى الأقاليم على ممارسة سلطاتها، لنقص مواردها و كادرها البشري أو لافتقارها للبنية التحتية.. إنما أيضا في المراحل المتقدمة، ففي جميع أشكال الفيدرالية لا مناص من الاعتماد الحكومي الداخلي والتعاون المتبادل بين الوحدات المكونة لمستويات الحكومة خاصة مع ظهور مفهوم التخطيط التشاركي، كآلية جديدة تستهدف تحسين توظيف الموارد في عملية التنمية والقيام بمشروعات مشتركة .. والدستور البلجيكي ينص على إمكانية " قيام الحكومة الفيدرالية والمجتمعات والمناطق بعقد اتفاقيات تدعو لتأسيس وإدارة خدمات عامة أو مؤسسات مشتركة، لممارسة صلاحياتها المشتركة، أو لتطوير مبادرات مشتركة".

تشارك السلطات لا ينفي سمة الاستقلالية كجوهر أصيل للنظام الفيدرالي، ولا يتعارض مع ضرورة وجود سلطات حصرية للأقاليم تؤديها دونما تدخل من الحكومة المركزية، فاستقلالية السلطات لا تنفي إمكانية تشارك بعضها، طالما أن ممارستها تجري وفق (المبدأ الفيدرالي) القائم على احترام الوحدات الفيدرالية لمصالح بعضها ولمصالح الحكومة الفدرالية وعلى احترام الحكومة الفيدرالية لمصالح الوحدات الفيدرالية.. في حين أن فضاء السلطات التشاركية يتصل بقضايا وميادين تستهدف توحيد نسق وأنماط الهوية الوطنية والتنمية الثقافية وأحيانا التعليم، فيما تزداد الحاجة الى الاعتماد والتعاون المتبادل بين المركز والأقاليم للقيام بمبادرات مشتركة ومشروعات استراتيجية في الصحة والإسكان وغيرها، أو في الميادين التي يتعدى تأثيرها الإقليم إلى أخرى مجاورة وربما إلى المستوى الوطني كمصادر المياه والطاقة والنقل والحفاظ على البيئة..