نار عدن".. صراع الطوائف..

2013/07/06 الساعة 03:47 صباحاً
ثمة صراعات تاريخية ومعتقدات سخيفة تتطلب حسما، فإما أن تحسم بالعقل والمنطق، أو هي الدماء حتى يرشد الناس.
 
ما يحدث في سوريا الآن لن ينتهي هناك، يشبه الأمر "نار عدن" التي تحشر الناس، فلا أحد في مأمن من هذا الضخ الطائفي والعصبوي الذي يقضي على الأوطان والدول، والتي أيضا لم تكن قد استقرت بعد في الأفئدة والعقول كمحل للانتماء..
 
فما معنى أن ينتصر النظام السوري بشيعي لبناني أو عراقي على ابن وطنه السني، أو العكس حين ينتصر السوري المعارض بسني من لبنان أو الخليج على ابن وطنه الشيعي، فما الذي سيتبقى من سوريا الوطن والدولة إذا؟!. أي نصر هو حين نخسر الوطن.
 
أو ما الذي سيتبقى من لبنان أو اليمن أو أي دولة عربية أخرى كوطن ودولة؟!، ومواطنوها يفرزون أنفسهم مذهبيا بذات النسق الذي يحدث في سوريا و يتورطون في قتال بعضهم هناك، لن يتطلب الأمر كثيرا حتى يعودوا بالصراع إلى بلدانهم أيضا.
 
صحيح أن النظام السوري من أكثر الأنظمة قمعا واستبدادا، وأن للسوريين الحق في الإطاحة به واستبداله،.. إلا أن ما تحتاجه أي دولة قبل الانتقال إلى الديمقراطية والحرية هو وجودها ذاته كوطن على نسيج اجتماعي مستقر ومتعايش، والسؤال الآن، ما تبق من تلك الدولة الوطنية والمتجانسة؟!، وقد تم ضرب نسيجها الاجتماعي في العمق.
 
لا أحد يعفي النظام السوري هنا من المسؤولية عن مآل الصراع الطائفي وقد فشل كحاكم في بناء دولة المواطنة، كما لا أحد ينكر تركيبة النظام الطائفية ذات التحالفات السياسية في النطاق المذهبي الأوسع، لكن متى كان الداء هو العلاج، إلا عند عرب الجاهلية. وداوها بالتي كانت هي الداء. حيث تتورط دول وجماعات في هذا الفرز الطائفي والمذهبي..
 
ما أنا متأكد منه أن هذا النوع من "الجهاد" الحاصل في سوريا الآن سواء باسم السنة أو باسم الشيعة كان مدمرا وكارثة على سوريا،إلا أن السؤال هو هل يقتصر تأثير ذلك على سوريا فقط؟!.. أشك في ذلك، فكل الدول العربية _في المشرق على الأقل_ ذات ثنائية "شيعة وسنة" مرشحة لهذا النوع من الصراع المثقل بالتاريخ وسخافاته.
 
فقد خسرنا العراق ولبنان من قبل، وهاهي سوريا نخسرها الآن، وثمة بوادر على ذلك في البحرين، والسعودية واليمن. فالجميع متحفز لهذا السخف، وثمة أحقاد ونشوة تتملك البعض للتواجد في حروب الروافض والنواصب التاريخية. حيث لا وجود لفكرتي الدولة والمواطنة لدى أولئك الذين لا يزالون يعيشون في الماضي وصراعاته التاريخية، أو يقتاتون عليها للتواجد في المستقبل.
 
لسنا استثناء هنا، فقد ظن الكاثوليك أن بإمكانهم في جولة خاطفة اقتلاع البروستانت المهرطقين والخطـائيين، وكذلك ظن البروستانت أيضا، قبل أن يذهب الجميع إلى حروب الثلاثين عاما، في أغلب القارة الأوربية، و التي شهد آخر جولاتها من لم يكن قد ولد حين اندلاعها، أو يكن يهمه حتى لم كانت، قبل أن يتأنسن الناس هناك أو على الأقل فيما بينهم كأروبيين ابتداء، ويقبلون بعضهم على اختلافهم الديني والمذهبي، وصولا إلى فكرتي الدولة والمواطنة واحترامهما، واللتان باتتا تحسمان الكثير من الصراعات في العالم.
 
الأمر الطبيعي هو أن يتعلم الناس من تجارب بعضهم، بدل خوض ذات التجربة مرارا وتكرارا، إلا أننا كعرب لا يبدو أننا مؤهلون لذلك التعلم الآن. ربما علينا شرب ذات الكأس قبل أن نرشد.. ولكم تخيل كيف سيكون الأمر مهولا ومروعا، فهو حتما ليس ببساطة الكلام..