الرئيسية - تقارير - صراع الحكم في الإمارات: طحنون بن زايد يستميت لإفشال خطط إقصائه رجل الظل يتشبث بالبقاء في مواجهة النفوذ المتزايد لخالد بن محمد بن زايد

صراع الحكم في الإمارات: طحنون بن زايد يستميت لإفشال خطط إقصائه رجل الظل يتشبث بالبقاء في مواجهة النفوذ المتزايد لخالد بن محمد بن زايد

الساعة 05:23 صباحاً (هنا عدن : متابعات )

طوال عقدين كاملين، ظل طحنون بن زايد آل نهيان بمثابة «رجل الظل» الأقوى داخل النظام الإماراتي والذي يستميت لتعزيز نفوذه. رجل لا يظهر كثيراً، ولا يطلب الأضواء، لكنه يمسك بخيوط الأجهزة الأمنية، والملفات الاستخباراتية الحساسة، والمال السياسي الممتد من آسيا إلى إفريقيا.

كان طحنون هو الاسم الذي يعرف كل شيء، ولا يُسأل عن شيء. رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني، والمشرف على جهاز أمن الدولة، والعقل المدبّر وراء استثمارات استراتيجية عبر كيانات ضخمة مثل «القابضة» (ADQ) و«رويال غروب». تلك الأدوار جعلت منه لسنوات صانع قرارات في الظل، وأحد أبرز مراكز القوة التي تحكم الإمارات من وراء الستار.



لكن الرجل الذي بقي لسنوات مختفياً عن الأضواء، ظهر فجأة إلى الواجهة في السنوات الأخيرة. صار يشارك في لقاءات رسمية، ويظهر في مؤتمرات دولية، ويجري زيارات خارجية علنية.

بدا كما لو أن ولي عهد أبوظبي السابق رئيس الدولة الحالي، محمد بن زايد، قرر ترقية طحنون إلى الصف الأول، ومنحه دوراً علنياً أكبر.

غير أن ذلك الظهور الكثيف لم يكن بريئاً تماماً. فبحسب مصادر مطلعة ومراقبين لشؤون الحكم في الإمارات، كان محمد بن زايد يُدخِل طحنون إلى الضوء ليكشفه أكثر من اللازم، وليضعه أمام عيون العواصم الغربية التي بدأت تتحفظ على أدواره المتشعبة، خصوصاً في الملفات الأمنية والسيبرانية.

ما لا يعرفه كثيرون، أن طحنون كان حتى عام 2022 المرشح الأقوى لخلافة محمد بن زايد. فقد كان يملك دعماً واسعاً داخل مراكز القوة الأمنية والاقتصادية في الدولة، وكان يُنظر إليه بوصفه الأكثر خبرةً وقدرةً على إدارة شبكة المصالح المعقدة للإمارات، داخلياً وخارجياً.

لكن الصعود المفاجئ لخالد بن محمد بن زايد، نجل الرئيس، قلب المعادلة.

فطحنون تحمّل عبء ملفات شائكة، بعضها فخخ مستقبله السياسي. منها ملف التجسس والهاكرز المرتبط بمجموعة «دارك ماتر»، الذي أثار غضب واشنطن وأجهزتها الأمنية، وصولاً إلى أدواره في ليبيا واليمن والسودان، التي خلقت توترات مع المخابرات الأوروبية.

وحتى مجموعته المالية تعرضت لحصار غير معلن من شركات التكنولوجيا الأمريكية بسبب نشاطها في السوق السيبراني، ما جعل طحنون عبئاً دبلوماسياً يصعب ترويجه كوريث محتمل للحكم.

في تلك اللحظة الدقيقة، فرض محمد بن زايد ابنه خالد بوصفه الوريث «الأنظف» والأكثر قبولاً دولياً. شاب متعلم في بريطانيا، يحمل صورة تكنوقراط أمني حديث، ولا تحيط به الشبهات نفسها التي تحيط بطحنون.

لكن إقصاء طحنون لم يكن مهمة سهلة.

جرى تفكيك إمبراطوريته بهدوء شديد. سُحب الملف الأمني تدريجياً من بين يديه لصالح خالد. جُرِّدت بعض أدوات المراقبة من رجاله المقربين. وأُجبر على تقليص حضوره الخارجي في الملفات الأمنية، مُركِّزاً فقط على الاقتصاد.

ومع ذلك، لم يغادر طحنون الميدان. على العكس، خاض الرجل عملية إعادة تموضع بارعة، ليحافظ على بقائه كلاعب أساسي في النظام.

عاد طحنون إلى المشهد من بوابة الاقتصاد الرفيع المستوى، عبر صفقات ضخمة مثل شراكاته مع شركة G42 للذكاء الاصطناعي، التي أصبحت أداة نفوذ استراتيجية للإمارات في مجالات التكنولوجيا الفائقة والبيانات الضخمة.

كما بدأ زيارات صامتة إلى بكين وموسكو بعيداً عن أعين واشنطن، ساعياً لبناء تحالفات موازية. وفي الوقت نفسه، استعاد طحنون علاقات أمنية غير رسمية مع مصر والأردن ومالي وحتى نيامي، وهي علاقات توفر له شبكات نفوذ تتجاوز قنوات الدولة الرسمية.

لكن المفاجأة الأكبر تكمن في أن طحنون هو الوحيد داخل القصر الذي لم يسلّم حتى اللحظة بملف الوراثة لصالح خالد.

يدرك طحنون جيداً أن خالد، رغم دعمه الرسمي من والده، لا يملك بعد أدوات السيطرة بمفرده، ولا شبكة القرار الكامل، ولا العمق الأمني–العشائري الذي راكمه طحنون طوال أكثر من 15 سنة. فما يزال جزء من النخبة الأمنية والاقتصادية في الإمارات يكن الولاء لطحنون أو على الأقل يتحفظ على حصر السلطة في يد جناح خالد.

ولذلك، فإن الصراع لم يُحسم، بل دخل مرحلة «الكمون».

طحنون ليس من النوع الذي يتحرك بانفعال أو ردّة فعل. بل ينتظر اللحظة التي يخطئ فيها خصومه. وهو يعلم أن في القصور المغلقة، من يُظهر نفسه أولاً قد يكون هو من يسقط أولاً.

هناك من يصف ما يجري حالياً بأنه «حرب باردة» داخل العائلة الحاكمة، تدار بصمت، من دون إعلان صريح. يكتفي الطرفان بتحريك أدواتهما بهدوء، واستمالة رجال الدولة ورجال الأعمال، فيما يراقب الجميع مدى قدرة خالد على ملء الفراغ الذي سيتركه والده يوماً ما.

ولا يتعلق الصراع بمواقع رسمية فقط، بل بمن يتحكم فعلياً في الأجهزة الأمنية، ومفاصل المال السيادي، وشبكات النفوذ الخارجية. الإمارات اليوم ليست مجرد دولة نفطية، بل دولة استثمارات ضخمة، وأدوات تأثير ناعمة وخشنة في الإقليم والعالم. والسيطرة على هذه المنظومة هي التي تحدد من سيكون الرجل الأقوى غداً.

وفي الوقت الذي يسعى فيه خالد لإظهار صورة الرجل الحداثي المنفتح، يقف طحنون كرجل خبر كل دهاليز القصر وخفايا الإقليم، ويعرف أسراراً حساسة عن الجميع، ما يجعله رقماً صعباً في معادلة الحكم.

وقد يرى البعض أن طحنون خسر الكثير من نفوذه السابق، لكن حتى اللحظة، لا يمكن القول إنه خرج من المشهد. بالعكس، قد تكون قدرته على البقاء في الظل هي سر قوته الأكبر.

فالزمن في صراعات الحكم ليس مجرد أيام وأشهر، بل لحظات حاسمة يُحسم فيها كل شيء. وطحنون ينتظر تلك اللحظة.