في ظل تصاعد التوترات الأمنية بمحافظة المهرة شرقي اليمن، تلوح في الأفق مؤشرات متزايدة على تحركات تهدف لإعادة تشكيل المشهدين السياسي والعسكري في آخر المحافظات اليمنية التي بقيت بعيدة عن أتون الحرب. هذه التحركات، التي تتسم بطابع مريب، أثارت مخاوف واسعة من استنساخ سيناريوهات الفوضى في منطقة ظلت ترفع راية السيادة وترفض الوصاية.
الشرارة جاءت مع اعتقال الشيخ القبلي محمد الزايدي في منفذ صرفيت الحدودي، وهو ما فجّر موجة اضطرابات شملت اشتباكات مسلحة، حشوداً قبلية، وتعزيزات عسكرية دفعت بها أطراف داخلية وخارجية تحت ذرائع مختلفة، في مقدمتها "مكافحة التهريب" و"التهديد الحوثي".
لكن مراقبين يرون أن ما يحدث يتجاوز مجرد ذرائع أمنية، مشيرين إلى مساعٍ تقودها الإمارات والسعودية، عبر أدوات محلية أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي، لإعادة صياغة المعادلة الأمنية في المهرة، مستغلين التوتر الأخير لاختراق المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي والحساسية الجيوسياسية.
في خطوة وُصفت بالمفاجئة، أصدر المجلس الانتقالي في المهرة بيانًا الجمعة، شكر فيه سلطنة عمان على ما وصفه بـ"الدور الإيجابي" في معالجة التوتر الحاصل وتسهيل عمل منفذ صرفيت الحدودي. وهو تحول لافت في خطاب المجلس الذي طالما اتهم مسقط بدعم قوى مناوئة له داخل المهرة.
المجلس الانتقالي يمدّ غصن زيتون لعُمان
هذا الخطاب التصالحي تجاه عمان، اعتبره مراقبون محاولة للالتفاف السياسي بعد فشل التمدد العسكري والقبلي في المحافظة، ورغبة في إعادة فتح قنوات تواصل مع الفاعلين الإقليميين، في مقدمتهم سلطنة عمان التي تحظى بثقة واحترام في الأوساط المحلية.
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي محمد ضيف الله أن البيان "يعكس ارتباكاً واضحاً وتراجعاً في موقف المجلس عقب فشل محاولاته لعسكرة المحافظة بذريعة مواجهة الحوثيين".
وقال في تصريح لـ"المهرية نت" إن البيان محاولة مكشوفة لإعادة التموضع بعد اتساع رقعة الرفض المحلي، وفشل التحالف في فرض وقائع أمنية جديدة في المحافظة".
وأشار ضيف الله إلى أن "الانتقالي أدرك أن خطابه العدائي تجاه سلطنة عمان لم يحقق نتائج، بل ساهم في تعزيز مكانة مسقط لدى القبائل الرافضة لأي تدخل خارجي، مما دفعه للتقرب من السلطنة لتخفيف عزلته السياسية داخل المهرة".
وأكد أن المجلس "لا يملك قاعدة شعبية في المحافظة، ولا يستطيع فرض سيطرته على أرض الواقع، لذلك اختار لغة مهادنة مع عمان للحفاظ على خيوط تواصل مع طرف إقليمي فاعل لا يزال يحتفظ بعلاقات متينة مع أبناء المهرة".
وأضاف: "اللجوء إلى الإشادة بعُمان هو شكل من أشكال التراجع السياسي الناعم، لكنه لن يغيّر من واقع أن المجلس، حتى اللحظة، فشل في اختراق المشهد المهرّي، رغم الدعم الإماراتي الكبير".
ذريعة "التهريب الحوثي" تُستخدم لتقويض السيادة المحلية.
في السياق ذاته، نقلت "المهرية نت" عن مصادر محلية أن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والسعودية دفع بتعزيزات عسكرية جديدة إلى عدد من مديريات المهرة خلال الساعات الماضية.
المحلل السياسي جمال جميل أكد أن "ما تشهده المهرة هو امتداد لمسار تدخلات إقليمية بدأ منذ سنوات، يُستخدم فيه ملف التهريب كذريعة لإضفاء مشروعية على عسكرة المحافظة".
وقال في تصريح لـ"المهرية نت" إن "التحالف يُشيطن المهرة باستمرار بادعاءات تسلل حوثيين عبر الحدود مع عمان، لكن الهدف الحقيقي هو تثبيت النفوذ في محافظة تعتبر شريانًا اقتصاديًا وجغرافيًا يمتد من بحر العرب حتى صحراء الربع الخالي".
وأضاف جميل أن "استدعاء ورقة الحوثيين عند كل أزمة، أصبح غطاء مفضوحًا لتمرير أجندات السيطرة، في وقت لم تشهد فيه المهرة أي مواجهة حوثية فعلية منذ اندلاع الحرب، وهو ما يجعل من ذرائع التحالف أمرًا مرفوضًا شعبيًا".
وتابع: "وجود قوات موالية للإمارات والسعودية لا علاقة له بدعم الشرعية، بل يعكس مشروع هيمنة يتوسّع كلما تم تفكيك النسيج الاجتماعي في المهرة".
بدوره، وصف الإعلامي مصعب عفيف ما يحدث في المهرة بأنه "خطة مدروسة لتأليب الرأي العام ضد أبناء المحافظة، ووصمهم بتهم التهريب والتعاون مع الحوثيين"، معتبراً أن هذا التصعيد هدفه تمرير أجندات سياسية وأمنية لا علاقة لها بالاستقرار".
وقال عفيف لـ"المهرية نت": "التحركات العسكرية الجارية هي جزء من سيناريو إقليمي متكامل يرمي إلى كسر إرادة أبناء المهرة، وفرض واقع جديد عبر إدخال الجماعات المسلحة، وخلق حالة طوارئ مفتعلة تمهيدًا للسيطرة على القرار المحلي.
وأشار إلى أن "مزاعم التحالف حول وجود تسلل حوثي عبر المهرة لا تستند إلى أي دلائل ميدانية، لكنها تُستخدم كذريعة لتقويض الاستقرار الذي ميّز المحافظة عن بقية المناطق اليمنية".
وأضاف أن "الحل يكمن في تمكين أبناء المهرة من إدارة شؤونهم الأمنية، ووقف عسكرة المنافذ، واحترام السيادة المحلية، لا في فرض وصاية بحجة محاربة التهريب.
وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، تبدو المهرة على مفترق طرق حاسم, فمن جهة، هناك مشروع إقليمي يسعى لعسكرة المحافظة وفرض معادلات سياسية جديدة، ومن جهة أخرى، هناك موقف شعبي متمسّك بالسيادة ورافض للوصاية.
وبينما يحاول المجلس الانتقالي إعادة تموضعه السياسي بعد أن فشل في فرض نفوذه على الأرض، تبقى إرادة أبناء المهرة هي العامل الحاسم في رسم مستقبل محافظتهم. فثبات هذا الموقف الشعبي أمام محاولات الاختراق قد يُفشل مجددًا كل محاولات اختطاف القرار المحلي تحت أي غطاء كان.