في ظل حالة من الغموض والتضليل المتعمد، يجد الآلاف من طلاب جامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء وفروعها الأخرى الخاضعة لسيطرة مليــشيا الحـوثي أنفسهم في مأزق أكاديمي وإنساني حقيقي، حيث يدرسون ويدفعون رسومًا سنوية باهظة مقابل شهادات لا يعترف بها أحد، لا محليًا ولا دوليًا، بينما تُستغل هذه المؤسسات لخدمة أجندة سياسية وطائفية.
وفي تحذير شديد اللهجة، جدّدت جامعة العلوم والتكنولوجيا في العاصمة المؤقتة عدن، الأسبوع الماضي، رفضها القاطع لما وصفته بـ"الأكاذيب والمزاعم" المتداولة بشأن إعادة الاعتراف بفروعها الخاضعة لسيطرة مليشيا الحـوثي، مؤكدة أن كل ما يُروّج في هذا السياق "عارٍ عن الصحة جملةً وتفصيلًا"، ولا يعدو كونه محاولة للتضليل والإرباك الأكاديمي للطلاب وأولياء الأمور.
وشددت الجامعة في بيان لها، على أن قرار مجلس الأمناء الصادر في سبتمبر 2020، وما تلاه من قرار وزارة التعليم العالي رقم (6) لسنة 2021، قد نصّا بوضوح على نقل المركز الرئيسي للجامعة من صنعاء إلى عدن، وإلغاء الاعتراف بمخرجات المركز السابق في صنعاء، إضافة إلى فروع الحديدة وإب وتعز (الحوبان)، بعد أن استولت عليها مليـشيا الحــوثي بالقوة.
وأوضح البيان أن المركز الرئيسي للجامعة بات منذ ذلك الحين رسميًا وقانونيًا في مدينة عدن، عقب استيلاء الجماعة الحــوثية على المباني والممتلكات وتحويلها إلى أداة بيد الحارس القضائي، الذراع المالي للمليـشيا، والمصنَّف على قوائم الإرهاب محليًا وأمريكيًا.
•لا صلة قانونية أو أكاديمية بفروع الحــوثيين
وأكدت إدارة الجامعة أنها لا تعترف بأي من مخرجات الفروع الخاضعة للحــوثيين، وأنها تُخلي مسؤوليتها الأكاديمية والقانونية من أي تعاملات أو شهادات صادرة عنها بعد تاريخ نقل المركز الرئيسي.
وأضافت أن هذه الكيانات تعمل خارج إطار القانون، محذرة الطلاب من الانجرار وراء الشائعات التي تروّج لاعتراف مزعوم بتلك الفروع.
ولفتت الجامعة إلى أن الشهادات التي تصدر عن فروع صنعاء والحديدة وإب وتعز (الحوبان) غير معترف بها محليًا أو دوليًا، كونها تصدر من جهات تفتقر للشرعية ولا ترتبط بالمركز الرئيسي في عدن بأي صفة قانونية أو أكاديمية.
•جذور الأزمة
تعود الأزمة إلى سبتمبر 2020، حين أقدمت مليشيا الحـوثي على اعتقال رئيس الجامعة الدكتور حميد عقلان، وتعيين إدارة جديدة موالية لها بقوة السلاح، في انتهاك صريح لقوانين التعليم الأهلي وحقوق المساهمين.
إثر ذلك، أعلنت إدارة الجامعة نقل مقرها الرسمي إلى مدينة عدن، مؤكدة أن الجماعة المسلحة استولت على مقراتها في صنعاء، إضافة إلى المستشفى الجامعي، وسلمتها للحراسة القضائية التي تسيطر على أموال ومؤسسات تجارية وتعليمية واسعة لحساب الحـوثيين.
وتشير تقارير محلية إلى أن فروع الجامعة الواقعة تحت سيطرة الحــوثيين تعاني من أزمات متفاقمة على المستوى الإداري والأكاديمي، نتيجة التعيينات غير القانونية التي أجراها الحارس القضائي الحـــوثي، وتردي جودة التعليم، ناهيك عن العزلة الدولية وعدم الاعتراف بمخرجاتها.
وقد شهدت تلك الفروع خلال الأعوام الماضية احتجاجات طلابية متكررة، وسط محاولات حـــوثية لترويج مزاعم كاذبة حول "قرب الاعتراف الرسمي بها"، وهو ما تنفيه إدارة الجامعة في عدن بشكل متواصل.
•دعم رسمي لموقف الجامعة
وفي إطار الدعم المؤسسي، أصدرت وزارة التعليم العالي القرار الوزاري رقم (6) لسنة 2021 بتاريخ 11 فبراير، والذي نص صراحة على نقل المركز الرئيسي إلى عدن، وعدم الاعتراف بأي مخرجات صادرة من صنعاء أو الفروع الخاضعة للحــوثيين بعد العام الدراسي 2020–2021.
كما نص القرار على تعويض الطلاب والاعتراف بالشهادات الصادرة قبل العام الدراسي 2020-2021 فقط، على أن يتم اعتمادها من المركز الرئيسي الجديد بعدن.
بدورها، عمّمت وزارة الخارجية على جميع السفارات والبعثات القنصلية بعدم التعامل مع أية شهادات أو وثائق تعليمية صادرة عن فروع الجامعة في مناطق سيطرة الحــوثي، وقصر الاعتراف على المركز الرسمي في عدن.
•مستقبل الطلاب غامض
يُجمع خبراء التعليم في اليمن على أن الشهادات الصادرة عن الفروع الخاضعة للحـــوثي تفتقر لأي قيمة قانونية، ما يضع الطلاب أمام واقع صعب، يتمثل في ضياع سنوات من أعمارهم في تعليم لا يُعترف به، ولا يفتح لهم أبواب التوظيف أو الدراسات العليا أو الهجرة.
ويرى أكاديميون أن على الطلاب سرعة التحول إلى التعليم المعتمد في المناطق المحررة، أو الجامعات المعترف بها في الخارج، مشيرين إلى أن الاستمرار في تلك الفروع ليس إلا استثمارًا في الوهم، وتغذيةً مباشرةً لمشروع جماعة مســلحة تستخدم التعليم لشرعنة سيطرتها.
كما حذروا من تكرار سيناريو "الضياع الجماعي"، حيث يدفع الطلاب أموالهم ويجهدون لأربعة أعوام أو أكثر، مقابل "ورقة" لا تقود إلى شيء، فيما المستفيد الوحيد من هذه المعادلة هي جماعة لا تعترف بالقانون ولا بمستقبل الأجيال.
وفي ظل هذه الحقائق، يجد الآلاف من الطلاب المسجلين في فروع الجامعة تحت سيطرة الحـ, ـــوثيين أنفسهم في مأزق أكاديمي حقيقي، حيث يدفعون أموالًا طائلة وجهدًا دراسيًا لسنوات، مقابل "شهادات" لا تحمل أي قيمة قانونية أو علمية، بينما الجهة الوحيدة المستفيدة من هذا الوضع هي مليـشيا الحوثي، التي حولت التعليم إلى مصدر تمويل واستقطاب سياسي.
وتضع هذه المعطيات الطلاب وأسرهم أمام خيار مصيري، يستدعي مراجعة قراراتهم قبل تضييع أربع سنوات أو أكثر في تعليم لا يحظى بأي اعتراف رسمي، ولا يفتح أبواب المستقبل، بل يُبقيهم أسرى لمليشيا تسخّر المؤسسات الأكاديمية لأجندتها الطائــفية والمالية.