لا يزال الوضع اليمني خانق وملتهب ، ولا تزال بعض القوى الظلامية تنخر على جسد الوطن وتزعزع امنه واستقراره ، ولا يزال صمت القيادة السياسية سيد الموقف إزاء ما يحدث اليوم على أرض الواقع .
أصبحت البلاد تعيش حالة فوضى عارمة تهيب الحذر والإنحياط . تعيش حالة من التوتر والاحتقان ما بين غموض لما يحدث في العاصمة وعلى طاولة الحوار واجتماعات الحكومة من دراسات وتطورات وحوارات سياسية بالنسبة لمستقبل اليمن وما بين اغتيالات لبعض القادة وهجمات تطال رجال القوات المسلحة والامن في معظم المناطق .
يحدث على جدران الوطن صراع بمختلف الجوانب لا سيما الصراع المذهبي الذي استنزف امكانيات وحلول الدولة وامتص برهان الواقع حتى حول بعض المحافظات الى ثكنات عسكرية طائفية وبؤرة حرب شرسة طويلة المدى .
ان اليمن تمر اليوم بعواصف قارصة من كل المداخل. تتمركز على جدران الوطن . وتتسلق الى خيوط الدولة لنزع النظام الجمهوري الملفوف حول سيادتنا وحرياتنا وإشراكنا في ادارة الدولة وصنع القرار وإعادة الحكم الأمامي المتسلط من خلال اعمال درامية دموية تتربص على القتل والتعصب والهدم والتخريب .
لا نعلم الى أين وصلت بنا سفينة الحوار التي كانت تقودنا نحو شاطئ الانقاذ وتأملنا بالعودة الى حلم يمن جديد .. لكننا ايقنا مؤخراً ان تلك السفينة انما زادتنا غرقا نحو اعماق الصراع .
أصبح رجال الامن هم من يدفعون ثمن الساسة ونزاعاتهم وإخفاقاتهم البحتة في إدارة البلد بشكل غير منطقي ولا يعطي قدراً ونظرة ثاقبة للوضع الراهن الذي اصبح اشبه بحرب طائفية متعددة المذاهب . ليس لها برنامج سياسي او اجتماعي هادف وحزب يضع على أسس منهجية وأعمدة متوازنة . انما خُلقت لأجل غير مسمى وخوذ صراعات وحروب لإستفزاز الدولة في اعمالها الاجرامية المتطرفة .
ومن المؤسف ان نجد هذه الأيام ومع توتر وتقزم الوضع الراهن في بعض المحافظات وخصوصا الجنوبية .. هجمات إرهابية "بالجملة" يسقط خلالها عدد كبير من رجال الامن .
هجمات وقعت على الساحة الجنوبية ضد ابناء القوات المسلحة والأمن ، احدها قبل اسابيع في حضرموت والذي راح ضحيتها اكثر من عشرين جندي . والآخرى في عدن قبل أيام والذي ادت الى سقوط عدد من رجال الأمن ، آخرها امس الاول في حضرموت والذي ادى الى سقوط سبعة قتلى من رجال الامن بينهم قائد عسكري وربما لا يزال هناك العديد من الهجمات ان طال صمت القيادة السياسية اكثر من ذلك.
ليس بالأمر السهل ان نغض النظر امام تلك الاحداث والهجمات الاجرامية المماثلة والمتكررة بين فترة وآخرى . وهذا يدل بأن الدولة فقدت سيطرتها في تسير الأمور وإعادة المياه لمجراها . ولا بد لوضع حد لتلك الانتهاكات التي تتطاول المواطنين الأبرياء ورجال الأمن على وجه الخصوص .
لقد استطاعت تلك القوى المتبنية للهجمات الإجرامية ان تفرض نفسها وتثبت وجودها في ساحة الصراع كقوة لا يستهان بها ونجحت في تنفيذ مخططاتها دون أي عوائق او ثغرات او إشكاليات في التنفيذ . وفي ضل غياب الدولة والأمن للوقوف امام سيرهم وفشل عملياتهم الظلامية .
لقد استغل منفذو تلك الهجمات غياب الدولة عن الواقع وعدم فرض سيطرتها في معظم المدن وخاصة الجنوبية وتخاذلها في ضبط الأمن وعدم النظر الى الكارثة التي قد تجر باليمن الى حافة الانهيار . وايضاً وما هو وارد وبشكل غير مقبول في ضل الأوضاع المستعصية والتشبط وزعزعة الأمن والاستقرار من قبل الاخوة في الجنوب ما بين مطالب وهمية لا أساس لها على الاطلاق ولا داعي لوضع حالة التعصب والغضب بين ابناء الجنوب والشمال. والهدف من ذلك الاستقلال الكامل وخرق عملية الوحدة والسعي جاهداً لإعاقة مسيرة التغيير الديمقراطي .
ولا شك بأن وراء ذلك الاحتقان قوى وشخصيات كانت سابقا وما قبل الوحدة وبعضها حتى ثورة فبراير الشبابية السلمية تحضا بسلطة ومنصب ومكانة كبيرة وتعمل الآن لإفشال المرحلة الانتقالية وكسر حاجز التقدم والنهوض .
ان سيناريو الهجمات الإرهابية المتطرفة يواصل مسيرته القمعية والدموية. ومسلسل الاخفاقات السياسية تتعدى صفحات رواية الوضع الراهن . تدون تلك الصفحات على حبر من دماء ضحايا الهجمات الارهابية. ويغلفونها بمداد من غضب واحتقان ، ولا أرى بأن الوضع سوف يقف عند ذلك الحدث ان استمر صمت الدولة أكثر من ذلك امام تلك الاحداث التي تقف عائقاً امام التسوية السياسية والحلول المطروحة والدعم الدولي للخروج باليمن من عنق الزجاجة واللجوء به نحو بر الامان والأستقرار !
بقلم/ راكان عبدالباسط الجُــبيحي
كاتب صحفي- يمني