التحيزات الثقافية للمركزية

2014/05/15 الساعة 02:58 مساءً

ظلت الصين لآلاف السنين تسمي نفسها المملكة المتوسطة، فهي مركز الكون وما يقع خارج سور الصين العظيم ليسوا سوى برابرة يعيشون في الظلام الخارجي، بينما قسمت الحضارة الاغريقية القديمة البشر الى هيلينيين وبرابرة ..  ولآماد طويلة ساد اعتقاد من ان الأرض التي يسكنها الانسان لابد ان تكون مركز الكون فيما الشمس وبقية الكواكب تدور حولها، ورغم تقادم الزمن على دحض هكذا خرافة بإثباتات علمية جعلت الارض ليس فقط كوكب يدور كما سواه حول الشمس، بل وأثبتت أنها والمجموعة الشمسية برمتها في ركن قصي منزوي من مجرة ضمن مليارات أخرى، لا في مركز الكون وصدارته.. إلا ان هنالك من لا يزال يرى في قريته الصغيرة سقف العالم ومنتهى الكون.

المركزية عميقة الجذور في ثقافتنا كبشر، وان كانت اكثر حضورا في المجتمعات القبلية الريفية منها في تلك الأكثر تحضرا،

وهي نتاج لجغرافيا تخيُلية، تجعل من الأنا والرقعة الجغرافية التي تعيش عليها في مركز الكون، وتستطبن موقفا سلبيا من الآخر الذي لا يشاركها هذا الانتماء.. ما يستدعي احلال ثقافة اللامركزية، بوصفها في مقام وحيد ثقافة لا مجرد نمط إداري او سياسي لإدارة المجتمع، يستلزم تحقيقها واقعا إعادة موضعة الآخر لا باعتباره آخرا مغايرا انما مكملا للأنا ومرآة لها وشريكا في السلطة والثروة خاصة عندما يجمعنا به رقعة جغرافية مشتركة، ومجتمع يفرض الحال قيامه على التعايش والشراكة بين أبنائه وبينهم ومحيطهم الحيوي والبيئي.. عوضا عن النظرة الخرقاء له بوصفه نقيضا او عدوا.. وواحدة من اهم مسببات عدم تحقيق اللامركزية الادارية في اليمن مبتغاها، أن نظام الحكم الفردي حينها كان متشبعا حد الارتواء بحكم طبيعته الاجتماعية والثقافية بثقافة المركزية، ما يفسر استمرائه في ادارة الدولة بأسلوب القبيلة وما تحمله من تحيزات ثقافية تعمد الى مركزة ثقافة القبيلة وازدراء ما سواها من مكونات اجتماعية أخرى، وسعيه الحثيث لتركيز السلطة والثروة في النخبة القبلية العسكرية لنظام الحكم المركزي.. في حين لم تتعد نظرته للامركزية سوى في كونها أداة لاستدرار دعم الجهات المانحة، لتظل ديكورا مفرغا من محتواها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

. القائمة الممتدة لمتطلبات تطبيق اللامركزية سواء الادارية التي جرى اعتسافها في زمنها، أو السياسية / الفيدرالية التي يؤمل الانتقال اليها كأبرز مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، لا ينبغي ان تقتصر على اطر تشريعية وهياكل سلطوية وبنى مرفقية ومؤسسية ضرورية لها بلا مراء.. غير ان اهم مرتكز لها هو احلال ثقافة اللامركزية بديلا عن ثقافة المركزية، وهي ثقافة ربما استلزمت ردحا من الزمن لبثها في مجتمع لا يزال غالبية أفراده يرى في قبيلته ( كل الشعب و كل الرجال ) بيد ان مهمة انجاز التحولات بسرعة وكفاءة دائما ما كانت رهينة توافر نخبة سياسية تؤمن بثقافة اللامركزية والتعايش والشراكة بين أبناء المجتمع.