في بادرة إيجابية نأمل أن تتكرر بأحزاب أخرى,توج الناصريون مؤتمرهم العام الحادي عشر بانتخاب أمين عام جديد هو المحامي عبدالله نعمان خلفاً لسلفه سلطان العتواني ضمن انتخابات التجديد للهيئات القيادية للحزب.
بغض النظر عن نسبة التغيير الذي طرأ على قيادات الحزب بمختلف هيئاته(لجنة مركزية وأمانة عامة),وأياً تكون حصة الشباب والمرأة,إلا أن ثمة مؤشراً إيجابياً يستحق التقدير يتمثل في عقد الحزب لمؤتمره العام سابقاً بذلك بقية الأحزاب سواءً شركائه في المشترك أو حزب المؤتمر والأحزاب التي تدور في فلكه.
لقد بعث مؤتمر الناصري الضوء في المشهد الحزبي بعد طول عتمة خيمت على الأحزاب السياسية وجعلتها أسيرة التمديد والتأجيل لعقد مؤتمراتها العامة بدلاً من الانتظام في عقدها كجزء من التزامها الديمقراطي في إطارها الداخلي قبل تصدرها للحديث عن إحداث التغيير في بنية النظام السياسي الذي تكون جزءاً منه أو معارضة له.
تقف عدة عوامل وراء عدم انتظام هذه الأحزاب في عقد مؤتمراتها العامة التي تمثل محطات انتخابية لتجديد قياداتها وإعادة تقويم مسارها ومواقفها بما يؤدي إلى رسم توجهات جديدة تنعكس إيجابا عليها وعلى الحياة السياسية بصفة عامة.
بعض هذه الأسباب موضوعية مثل الظرف العام الذي مرت به اليمن وأدى إلى اندلاع ثورة شعبية أسقطت نظاماً وما أنبثق عنه من نظام انتقالي غدت بعض هذه الأحزاب شريكة فيه خاصة التي كانت تنضوي في صف المعارضة ممثلة بتكتل اللقاء المشترك.
في المقابل هناك أسباب مرتبطة بالأحزاب نفسها نتيجة عدم تجذر الديمقراطية كفكرة وممارسة في أطرها ومؤسساتها وهو ما تجلى في عدم التزامها في تطبيق لوائحها الداخلية,ناهيك عن غياب أو ضعف تأثير القواعد على قياداتها ودفعها لإجراء تغيير ينتج تجديداً يجسد معنى التداول السلمي للقيادة.
لقد مثّلت ثورة 11 فبراير 2011م حدثاً فارقاً وفاصلاً بين زمنين في عهد اليمنيين,الأول عهد التمديد وغياب الديمقراطية مضموناً وحضورها شكلاً والثاني عهد التغيير ابتداءً من أعلى الهرم السياسي في الدولة وليس انتهاءً بأعلى هرم القيادة في الأحزاب.
لكن ورغم ذلك إلا أن فكرة التغيير حقيقة لم تتجذر بعد ليس لأنها تحتاج لوقت وهذا طبيعي أو لأنها لم تطوِ صفحة النظام السابق ككل وإنما لأنها ما تزال مفهوماً أقرب للوسيلة لتحقيق الهدف وقت الحاجة أكثر منها قناعة فكراً وسلوكاً عند الأفراد والأحزاب والدولة.
ونكتفي بالتدليل على صحة ما نذهب إليه في أن التغيير لم يصبح قناعة راسخة لدى اليمنيين بالنظر إلى تفضيلهم للتمديد وعدم وصول دورة التغيير إلى كافة الجهات أفرادا وجماعات ودولة ولذلك لا غرابة أن نجد مجلس النواب باقيا وفق شرعية التمديد – بغض النظر عن التوافق – لأنه فقد شرعيته قبل ذلك ومثله المجالس المحلية.
على مستوى الأحزاب ما يزال الوضع على حاله,لم يتم عقد المؤتمرات العامة رغم تجاوز الفترة القانونية المسموحة وحالة الضرورة وينطبق الحال على الأفراد ذلك أنك لا تجد نماذج في المجتمع تتخلى عن مواقعها طواعية ومن أجل ترسيخ تجربة تداول في شغل الموقع أيا كان مدير مدرسة أو عاقل الحارة.
التغيير لا يمكن أن يقتصر على جهة بعينها أو شخص محدد,ولا هو منهج صالح للدولة لإصلاح نظامها وتجديده عندما يصيبه الوهن والضعف فقط,ولا هو أيضاً فكرة ترفيه وموضة يمكن تقليدها وقت الموسم الرائج.
إن التغيير ضرورة كونية وبشرية لإصلاح الفرد والمجتمع والدولة,لتقويم المسار وتجديد خارطة الطريق لتحقيق الأفضل,لمعالجة كل خطأ وعطب أصاب واقعنا ولا سبيل للخروج منه وتجاوزه إلا بالتغيير المتدرج إن كان الخلل محدود وجزئي ينفع معه الإصلاح أو بالتغيير الجذري إن وصل لمرحلة الشيخوخة والعجز والفشل ولم يعد بالإمكان إلا استبداله بتغيير شامل يبعث فيه الحياة.
نأمل وندعو لأن تسارع بقية الأحزاب التي لم تعقد مؤتمراتها العامة بعد لعقدها وإحداث التغيير المنشود بما يوسع مشاركة الشباب والمرأة ويضع حدا لهيمنة القيادات التاريخية التي ظلت في مواقعها تحت مبررات الضرورة والمرحلة وغيرها من قائمة التبريرات,والأهم من هذا كله أن تراجع تجربتها وتعيد تفعيل دورها بما يمكنها من القيام بدورها في تنمية الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية.