حديث الثورة والجرعة

2014/08/04 الساعة 03:19 صباحاً

المتتبع للأحداث المتتالية منذ اندلاع الثورة الشبابية السلمية وتمايز الصفوف وانزعاج دول اقليمية ودولية تجاه موجة الاحتجاجات التي اجتاحت بعض البلدان العربية ومحاولات التركيع لهذه الشعوب بدعم ثورات مضادة ونشأة وتحريك مليشيات مسلحة وتمزيق التحالفات السياسية لتأجيج المختلف وتفريق المؤتلف وانقلابات بعضها بائن والاخر ناعم وحجم الانهيارات الاقتصادية المترتبة من عدم استقرار الاوضاع .. عند المعاينة والتمعن في حجم الضربات التي تلقتها موجات الحرية في كل مكان يكتشف كل من له قلب انها اجبار لهذه الشعوب على لعن الثورات السلمية وشتمها وتحميلها المسئولية عن تردي الاوضاع بالرغم من تلك الاهداف النبيلة التي حملتها تلك الثورات في طيات فصولها وتضحياتها وكأننا نساق الى تلك المقولة التي واجه بها قوم موسى نبيهم المنتظر بالرغم انه اتى برسالة الحرية وواجه بها الطاغية فقالوا له (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).
وشعوب اليوم لسان حالها ان المعاناة والازمات لا تزال تتوالى قبل وبعد الثورة بل ازدادت ازمة الكهرباء والنفط والميليشيا المسلحة ذات الطابع الديني والطائفي والمناطقي والتدهور الاقتصادي فاين ذهبت اهداف الثورة من ما يجري الان ؟؟ فبراءة الثورة وطهر اهدافها عندما واجهت الاحتكاك الفعلي لتطبيقها كشف الكثير من المشاكل والمعوقات منها ما كان متوقعا والبعض من جنس ما لا يمكن توقعه ليقودنا الى ان التطبيق الآلي والفوري لتلك الاهداف النبيلة عبر عصاة موسى ضرب من المستحيل بدون توفير المناخ السوي والتأييد الشعبي لتطبيق تلك اهداف عبر مخرجات الحوار التي ستهيئ لتحقيق اهداف الثورة كمرحلة اولى من الطريق نحو الدولة الجديدة والتغاضي عن هذه المخرجات سيؤدي الى الاضطراب في تحقيق تلك الاهداف وسيزيد من حجم السخط عند الكثيرين وهذا ما لمسناه عند اقرار الجرعة الاخيرة التي كان المتسبب بها هم شلة المعرقلين وتجار السوق السوداء ومليشيا الخراب المسلحة ومفجري انابيب النفط وبموافقة دولية اكتفت بالاشارة اليهم في بياناتها ليستثنى هؤلاء من البند السابع ويكون التطبيق الفعلي للبند على الشعب لانقاذ البلاد من انهيار حتمي للاقتصاد الذي وصل الى حد العجز عن دفع الرواتب وتوجيه الاعلام والانظار تجاه الثورة والقوى السياسية المؤيدة لها ليحملوها المسئولية وحشرها في زاوية ان خرجت منها ستدخل تحت رحمة البند السابع الذي لن يستخدم ضد المليشيات المسلحة والمتنفذين وانصار المخلوع .
ان المبالغة في تعقيد الاوضاع لا يعني التخلي عن مخرجات الحوار و اهداف الثورة وتعطيلها وانما مغالبة هذه الظروف وصناعة الشروط والمناخ الملائم من العدم مصطحبين معنا وعيا حقيقيا ننشره في اوساط المجتمع فانا اتحدث عن شعب غير الذي نراه في غزة يميز محاولات التركيع التي يتعرض لها ويضرب صنوفا من الاصطفاف ضد تلك المحاولات فلا زالت شعوبنا العربية بحاجة الى الاحتكاك معها وتأطيرها ثوريا وتوعيتها بأبعاد القيام بثورة تحمل هذه الاهداف التي ستجعل الجميع يصطف امامها مثلما هو حاصل في بلدان الربيع العربي فالثورة ليست خصم وموسى عليه السلام عندما حمله قومه المسئولية لم يكن خصمهم عند اشتداد الاذى بقومه بل كان مخلصهم ومحررهم ولم يكن بحاجه الا الى تاييدهم وثباتهم فالشعوب بحاجة الى معرفة الخصوم الحقيقين للحرية فالمرحلة الراهنة تستلزم تكثيف الجهود في سبيل التوعية بالواقع السياسي الذي تعيشه البلاد التي تعيش تحت رحمة البنك الدولي والمجتمع الدولي لكثرة مشاكله الاقتصادية فاستئناف الثورة ليس في الشوارع هذه المرة وانما في المؤسسات التي استشرى فيها الفساد واجبار الحكومة والرئاسة على اصدار قرارت موازية لهذه الجرعة الجافه تقضي باستثمار الدعم الذي تم رفعه في دعم البنية التحتية للبلاد واطلاق العلاوات للموظفين والغاء الوظائف الوهمية وتقنين مخصصات الوزارات من النفط ومشتقاته وخلق بيئة جادة للاستثمار في البلاد , الضغط الثوري يجب ان يكون داخل المؤسسات هذه المرة وعلى الموظفين مدنيين وعسكريين ان يمارسوا ادوارهم بايجابية فلا ينفع التباكي على جرعة من ظهر الشعب تاركين المتسببين الرئيسيين من الفاسدين بدون محاسبة او مطالبة باقالتهم نتيجة لاستنزافهم ارقام خيالية من ميزانية الدولة ستنعش الاقتصاد الوطني ان تم ترشيدها ناهيك عن الاموال المنهوبة في حسابات المخلوع ..
التصرف بعقلانية وحكمة بما يضمن المصلحة تجاه اهداف الثورة ويحول دون بوارها هو واجب الوقت فمهما حدث من تراخي او انحراف لازالت النفوس شغوفه لنداء الانجاز الذي لن يحصل ما دامت الثورة وانصارها محشورين في زاوية دون تحقيق حد ادنى من الترابط والتراص الوطني الذي يجب مواجهته بالحفاظ على التحالفات وتعزيزها والعمل على التوعية بان حماية الاهداف وتهيئة المناخ لتحقيقها مسئولية وطنية ليست حكرا على احد بل هي واجب الجميع وسيذكر التاريخ من وقف مساندا لهذه الاهداف ومن خذلها.