أزمة اقتصادية أم أزمة إدارة اقتصادية؟

2014/08/08 الساعة 08:40 مساءً

لا يراودني شك في صحة الأرقام التي أوردها رئيس الجمهورية في حديثه إلى الوزراء والمستشارين واللجنة الأمنية أثناء لقائه بهم (الأربعاء 6/8/2014م) ولربما كانت هناك أرقام أخرى مما يثير القلق بشأن الأزمة الاقتصادية لم يود الرئيس الحديث عنها، لكن السؤال هو ما هي أسباب هذه الأزمة وكيف ومتى نشأت ولماذا بلغت هذا المستوى المهول دون أن يلتفت إليها أحد، والأهم من هذا: هل رفع الدعم عن المشتقات النفطية هو الحل الوحيد لهذه الأزمة؟ وماذا لو دارت الأيام واكتشفنا أن الأزمة ما تزال قائمة ولم يعد لدينا ما نرفع سعره على المواطن؟ ماذا ستفعل الحكومة لترقيع خروق الأزمة الاقتصادية المنذرة بالاستفحال والتصاعد؟

لست خبيرا اقتصاديا ولا يمكنني الادعاء بالمعرفة العميقة لثنايا السياسات الاقتصادية التي تدار بها البلدان المشابهة لوضعنا الاقتصادي لكن ما أعرفه أن النقطة الرئيسية لأي اقتصاد هي الاستخدام الرشيد للموارد المتوفرة لتحقيق هدفين رئيسيين الأول: رفع مستوى رفاهية الشعب وتحسين مستوى الخدمات التي يتحصل عليها، والثاني: تسخير جزء من الموارد لتحقيق تراكم اقتصادي يسمح بتحقيق معدل نمو يساعد على النهوض والتقدم الاقتصادي للعقود اللاحقة، وهذا يتطلب تعزيز الفوارق بين الإيرادات والمصاريف في الموازنة الحكومية لصالح الإيرادات وتقليل النفقات، ولن يتأتى هذا إلا من خلال تحسين مصادر الإيراد ومحاصرة مجالات الإنفاق، ومما أعرفه أن أهم مؤشر لنمو الحياة الاقتصادية هو مستوى دخل الفرد ونصيبه من الناتج الاجتماعي الإجمالي، وهذان المؤشران يضعان بلادنا في أسوأ مستوياتهما بين مختلف دول العالم.

وفي اليمن حيث مصادر الإيراد تتعدد  وتتنوع وتتسع، من إيرادات الثورة السمكية والزراعية إلى موارد الضرائب والجمارك إلى عائدات الاستثمارات الرأسمالية، والسياحة ناهيك عن إيرادات الثروة النفطية والمعدنية وما يمكن أن يحققه الانفتاح الاستثماري في توفير فرص العمل وامتصاص البطالة وخلق القيمة المضافة وتوفير الكثير من السلع الاستهلاكية للاستهلاك المحلي أو التصدير وتحقيق عائد معقول من العملة الصعبة، فإن مصادر الإيراد الراهنة تقتصر على عائدات الاستثمارات النفطية وقليل من عائدات الجمارك والضرائب وما يفرض على المواطنين من إتاوات أوشكت أن تقسم ظهر المواطن (محدود أو منعدم الدخل) بينما أغلقت الموارد الأخرى أو تكاد في حين يتهرب المئات من كبار الأثرياء من دفع الضرائب والجمارك المستحقة باستخدام العديد من الوسائل منها الإرشاء حينا وتقديم بيانات مزيفة في غالب الأحيان فضلا عن تجارة التهريب التي تبلغ مئات المليارات، أما الثروة السمكية فقد تم العبث بها وتحويلها إلى مادة للنهب والسلب والاستحواذ،(مثلها مثل الحيوانية والزراعية وقطاعات الاستثمار النفطي) ويعلم الكثير من المتخصصين أن سواحل البلاد  قد تم توزيعها بين عدد من المشايخ والنافذين والمسئولين والقادة العسكريين الذين يمنعون حتى الصيادين الفرديين من الاقتراب من (مناطق نفوذهم)، ويتم تأجيرها على شركات أجنبية للاصطياد العشوائي الذي أدى إلى إبادة سلالات سمكية بحالها واندثار أنواع نادرة من الأسماك بسبب الجرف الجائر والعشوائي من قبل الشركات المستأجرة.

يتحدث اليمنيون عن عشرات القطاعات النفطية المنتجة التي جرى تقاسمها بين عدد محدود من النافذين (إبان حكم علي عبد الله صالح وما يزال الوضع قائما ويبدو أنه سيستمر طويلا) خصوصا في  تلك المناطق الجنوبية التي اكتشف النفط فيها بعد العام 1994م وجرى تقديم جزء كبير منها كمكافآت لهؤلاء النافذين جراء دعمهم للحرب، وهذه القطاعات تنتج مئات آلاف البراميل النفطية يوميا يتم استخراجها ونقلها وتصديرها وتسويقها خارجيا (عبر السوق السوداء) دون علم السلطات المعنية، وربما بعلمها لكن دون أن يعود من مبيعاتها فلسا واحدا إلى خزينة الدولة.

لن نخوض طويلا في موضوع الاستثمارات المحلية والأجنبية في اليمن فالحديث فيها يطول ويطول لكن ما تنبغي معرفته أن رؤوس الأموال تهاجر من اليمن لا إليها، وعندما تهاجر رؤوس الأموال فهذا يعني هجرة فرص العمل ، وهجرة القيمة الانتاجية ، وهجرة القيمة المضافة  وهجرة السلعة التي يصنعها الرأسمال وبالتالي اختلال الميزان لصالح الاستيراد الذي يبدد موارد العملة الصعبة القليلة الدخول إلى السوق المحلية، وبالتالي تنامي الأزمة الاقتصادية في البلد.

إن ما تعانيه البلد ليست فقط أزمة اقتصادية بل أزمة كفاءة إدارية وسوء إدارة للموارد اليمنية الوافرة التي تذهب إلى جيوب الفاسدين ويعبث بها العابثون بينما يتضور أصحابها الشرعيين ـ المواطنين اليمنيين ـ جوعا وحاجة ويعيشون على أقل من الحد الأدنى من شروط العيش، وعندما تعجز السلطات عن العثور على موارد تلجأ إليهم لتسرق منهم جزءا من هذا الحد الأدنى ليأتي يوم قد لن تجد فيه الحكومات المتلاحقة ما تسرقه منهم.

إن معالجة الأزمة الاقتصادية ينبغي أن تبدأ بمعالجة أزمة إدارة الموارد، من خلال إجراءات وسياسات متعددة ومتشعبة تبدأ بإرساء مبدأ الثواب والعقاب، ومحاربة الفساد محاربة جادة وتعريضهم للعقاب القانوني، ونشر أسمائهم في وسائل الإعلام وبسط نفوذ الدولة على موارد الثروة الوطنية واستعادتها من أيادي الغاصبين  وبسط الأمن والاستقرار في البلاد لتوفير بيئة استثمارية تجذب الاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية للقدوم إلى اليمن لا الهروب منها، حتى يمكن تحقيق قدر من النهوض أو على الأقل الاستقرار الاقتصادي المعقول، أما السياسات الترقيعية فهي وإن عملت فعل المسكن الذي يخفف الألم مؤقتا فإن فعلها إلى حين لكن الألم لن يلبث أن ينبعث من جديد لعدم معالجة سببه الرئيسي والمتمثل في غياب الإدارة الاقتصادية الرشيدة وسوء استخدام الموارد الوطنية وغياب خطة استثمارية لعقدين أو ثلاثة عقود من الزمن يمكن أن تخرج اليمن من دائرة الأزمات إلى آفاق الاستقرار والنمو.

لن تنهض الأوضاع الاقتصادية في اليمن ، بل لن تكف عن التدهور والانهيار طالما بقي اللصوص يتحكمون في موارد الثروة ويرسمون السياسات ويسيرون دفة الحياة الاقتصادية في البلد، وطالما لم نسمع عن محاسبة فاسد واحد ولو كنموذج لإعمال القانون والبدء بتطبيق مبدأ الثواب والعقاب المؤجل حتى إشعار آخر.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

برقيات:

*   تفيد بعض الأنباء عن بلوغ مديونية وزارة الأوقاف لصالح مكتب المياه والصرف الصحي مبلغ (890) مليون ريال، ، وهذا مثال واحد من مئات الحالات الدالة على سوء تحصيل موارد الدولة، ناهيك عن مديونية النافذين والمتسلطين ومن يرون أنفسهم فوق القانون.

  نفسا،  ويبتدي   منه   نفــــــسا