منتصف ديسمبر الفائت حازت المخرجة اليمنية خديجة السلامي جائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان المهر العربي بدبي عن فيلمها ( أنا نجود بنت العاشرة ومطلقة) حول طفلة تزوجت وتطلقت وهي لما تبلغ ربيعها العاشر.. وفي ذات الشهر تسلمت فتاة باكستانية اسمها ملالا جائزة نوبل للسلام.. وفيما آلاف الكيلومترات تفصل بين نجود وملالا إلا ان تماثل بيئتيهما الاجتماعية، أثمرت رباطا وثيقا وعلاقة سببية بين الحالتين.
الباكستانية ملالا لاتزال فتاة يانعة، فهي لم تتعد عامها الثالث عشر عندما تسلمت جائزة نوبل للسلام، وكانت أصغر من ذلك حينما اطلق عليها متشددو طالبان النار لمجرد خروجها لتحصيل العلم في بيئة اجتماعية لا تنفك تنظر لخروج الفتاة من بيتها جريمة لا تغتفر، وترى التعليم حكرا على الذكور دونما الإناث، إن لم يكن الحرمان نصيبهما معا في هكذا بيئة تعادي العلم والمعرفة.. وبعد نجاة ملالا بأعجوبة من موت محقق بفضل الله وبوساطة أطبائها، أخذت تناضل دفاعا عن حق بنات جلدتها في التعليم.. وضدا على تسرب الفتيات منه وافرازاته السلبية التي منها الزواج المبكر كما في حالة نجود اليمنية.. ففي أجزاء عدة من اليمن تتشابه البيئة الاجتماعية مع تلك السائدة في قبائل البشتون في الباكستان وافغانستان ليصبح زواج الصغيرات بديلا عن حقهن في التعلم، ما يسفر عن اضرار تتمظهر أسوأ تجلياتها في الوفاة اثناء الولادة لعدم اكتمال نضجها الجسدي، فيما التفكك الأسري والطلاق أو العنف اللامبرر تجاه المرأة وانعدام التوافق النفسي بين الزوجين هي التجليات الأقل حدة لهذه الظاهرة السيئة.
النظرة الدونية للمرأة ديدن المجتمعات كافة و قاسمها المشترك وربما الأوحد في مختلف العصور، ولا يمكن للمجتمعات التقدمية الادعاء في كونها أفضل خاصة مع تضاعف المؤشرات إلى ان العنف فيها ضد النساء أكثر من غيرها (المتخلفة) لتصل أبرز تمثيلات التحيز السلبي رعبا ضد المرأة في إحراق آلاف النساء في اوروبا العصور الوسطى بدعاوى ممارسة السحر والهرطقة.. والفاجعة إلى جانب كونها موثقة تاريخيا، فإنها تؤشر لتجاوز النظرة الدونية للمرأة الى أخرى عدمية تتعامى عن حقها في الحياة أساسا، قبل ان تكون ندا للرجل وربما تفوقه في تعدد أدوارها، خاصة المرأة الريفية التي تؤدي وظيفتها البيولوجية والاجتماعية النبيلة في انجاب وتربية الابناء إضافة الى مهامها الاقتصادية في الزراعة والرعي والأعمال الحرفية المتنوعة.
ملالا و نجود هما الاختزال الأشد إيلاما لمجتمعات لم تستطع الفكاك من إسار الجهل والخرافة، ما يستدعي تحديث المنظومة الثقافية والاجتماعية وإعادة موضعة دور المرأة ضمن سياقات تستلهم الغايات الحميدة للدين وتستوعب مقتضيات الحاضر، وبدونها فإن نظام (الكوتا) وحده أو تخصيص مناصب سياسية للنساء قد لا يجدي نفعا، والشاهد من باكستان ايضا: إذ ان حيازة النساء مناصب قيادية في المجالس المحلية هناك لم يجعل من كثير منهن سوى ديكورا زائفا. ليؤول الأمر للأب او الزوج وربما الابن، الذين ينوبون عن هؤلاء (القياديات) في اتخاذ القرارات وحتى في إلقاء الخطب الحماسية.. فيما الحال في اليمن يبدو أشد سوءا، فالمجتمع الذي لا يزال فيه الفرد يجد حرجا من ذكر اسم والدته، لا ينبغي أن نتوقع منه مرافقتها إلى عملها وإسنادها في مهامها..غير ذلك، لطالما اشتكت نسوة وصلن الى مجالس المحليات من انعقاد الاجتماعات في دواوين القات حيث يُحضر على النساء التواجد فيها.. ولأن اغلب القرارات هي مخرجات أصيلة لدواوين القات، فلا أمل في مشاركة فاعلة للمرأة في صنع القرار سيما تلك الهادفة الى ضمان حقها في التعليم إلا بإزالة آخر شجرة قات، أو إحداث طلاق بائن بين المجالس المحلية والنيابية وبين مجالس القات..!!