لا شك أن قضية الجنوب قد أحرزت قفزات عديدة طوال مراحل النضال الشعبي السلمي في تثبيت القضية واظهار عدالتها. وفي كل مرحلة كانت تكتسب المزيد من التأييد الشعبي وتصل الى فئات ومساحات لم تكن قد وصلتها في مراحل سابقة.
كانت البداية الأقوى مع انطلاق مسيرة الحراك الجنوبي في 2007 والذي أظهر القضية بصورة واضحة حيث تسابق أبناء الجنوب لتقديم التضحيات العظيمة وأوصلوا صوتهم وقضيتهم لأبعد مدى.
ثم جاء عام 2011 ليشكل نقلة نوعية في مسيرة القضية الجنوبية ويعود النضال السلمي الى مدينة عدن التي منع الحراك الجنوبي من اقامة أي فعاليات فيها من قبل النظام الحاكم. وانضم لمسيرة الحراك في تلك الفترة قطاع واسع من أبناء مدينة عدن وامتد الحراك الشعبي الى محافظات أخرى لم يكن له فيها وجود كبير من قبل.
والآن في عام 2015م، ومع هذه الحرب الظالمة والعدوان السافر على مدن الجنوب والتي زادت من تجذر القضية الجنوبية وتوسع المطلب الشعبي حيالها وانضمام فئات لم يسبق أن كان لها رأي معلن وواضح حيالها فإنه لم يعد هناك من مناص لحل القضية الجنوبية وفق تطلعات أبناء الشعب واختيارهم الحر والعادل.
ولكن قبل الحديث عن الحل يجدر بنا التوقف والتأمل في مسيرة الحراك الشعبي الجنوبي الذي امتد طوال 8 سنوات احرز فيها نجاحات في ترسيخ القضية ووصولها لجميع فئات الشعب لكنه بمواكبة ذلك فشل بشكل واضح في ايجاد مشروع سياسي وشكل قيادي يمكنه ترجمة هذا العمل الشعبي والنجاح الباهر الى نتائج ملموسة !.
بقينا نتردد في قول هذا الكلام والتصريح بهذه الحقيقة المؤلمة حتى جاءتنا هذه المصيبة والبلاء وحصل الاجتياح الظالم الآثم مجددا فوجدنا ان الشعب الجنوبي يتلفت يمنة ويسرة ويبحث عن قيادة أو أي شكل مؤسسي يتولى الأمور ويقود النضال لدحر المعتدين ويوجد آلية لرص الصفوف الا أننا أصبنا بخيبة أمل كبيرة وخذلان عظيم من مختلف القيادات السياسية الحراكية التي لم تكن بمستوى الحدث وحجم المسئولية، فقد اختفت تلك القيادات عن المشهد، وذهب بعضها ليفتح علاقات واتصالات مشبوهة مع المعتدي، وتركت _بضم التاء_ مدينة عدن لتواجه مصيرها بنفسها أمام جحافل العدوان فكانت بشبابها ورجالها وشيوخها من مختلف التوجهات على موعد مع البطولة والفداء والتضحية وبرز قادة مخلصون من كل مكان في الجنوب ومن كل توجه واتحدوا كلهم على كلمة سواء وهي دحر هذا العدوان والاجرام ثم الخروج بالجنوب الى مخرج آمن يحفظ له تضحياته وبذله ويؤمن مستقبل أبنائه ويحافظ على علاقاته وروابطه بالجميع محليا واقليميا ودوليا.
ان من يظن أو يتوهم أن حل قضية الجنوب في أيامنا هذه سيكون بنفس الأدوات والمصطلحات والشعارات التي تم استهلاكها طوال 8 سنوات فإنما هو يبيع الوهم للشعب مجددا ليصطدموا في النهاية وكالعادة بواقع يناقض تطلعاتهم كما حصل أخيرا في 30 نوفمبر 2014م.
لو أمعنا النظر في شعار التحرير بقوة السلاح وفرض واقع جديد ومدى جدواها واقعيا لوجدنا أننا من خلال التجربة الحالية التي نعيشها في أرض المعركة لن نستطيع انجاح هذا الخيار دون دعم ورضى الاقليم والعالم، وهذه حقيقة واضحة مثل الشمس في وضح النهار ولا ينكرها الا مكابر أو مترف يعشق التنظير من خلف الشاشات وهو بعيد عن ميدان المعركة.
كذلك الحلول السياسية التي تسير في فلك يتعارض مع رؤية الاقليم ومصالح العالم فإنها لن تجد لها حظا من القبول والتحقق ولنا في التجربة السورية والليبية خير شاهد، فرغم التضحيات الكبيرة التي قدمت فلا تزال الأمور معلقة بحصول التوافق الاقليمي والدولي.
الاقليم لحد الآن لم يظهر منه أي تفهم لقضية الجنوب سوى بالشكل الذي خرج به مؤتمر الرياض وهو أعلى سقف وصلت اليه دول الاقليم.
أما العالم الخارجي فإضافة الى تبنيه لمخرجات مؤتمر حوار صنعاء فيما يخص الجنوب فإن مواقفه الحالية تميل بشكل واضح نحو ابقاء الأمور كما هي بل ربما مع الميل نحو القوى الانقلابية!
اذا الحل المنطقي بحسب الظرف الذي نعيشه في اليمن هو مزيد من مد الجسور مع دول الاقليم العربي وايصال قضيتنا لأبعد مدى ممكن عند صناع القرار هناك، والتعامل مع كل المكاسب التي تحصل عليها الجنوب بجدية واغتنام كل القرارات التي صدرت حيالها كمستندات شرعية قانونية تؤكد أحقية الجنوب في تقرير مصيره واختيار ما يناسبه.
و لا يعني هذا بتاتا أن تلغى السقوف المرتفعة لدى قوى الحراك المختلفة بل بقاء الزخم الثوري العالي هو ما يوصل للحلول الممكنة وان طال أمدها.
قلت ما قلت بكل صدق وبدون مواربة او مداهنة كوننا نعيش في ظروف حرب لا ندري من يبقى ومن يموت ومن يسلم ليواصل المشوار..
سجلوها للتاريخ عسى ان تلاقي آذانا صاغية بعيدة عن المزايدات والشعارات التي لم تحمل مشروعا ولم تقدم شيئا ملموسا يمكن أن يحقق للانسان الجنوبي غايته الكبرى وهي العيش بكرامة وحرية وأمن واستقرار.
*الناطق الرسمي باسم مجلس المقاومة في عدن
الأمين العام المساعد لحركة النهضة.
عدن 14 يوليو 2015م