بدت الأزمة اليمنية في بداية ذروتها، بالغة في التعقيد وشائكة إلى حد حجبها لأي بقعة ضوء قادمة من بعيد تبشر بانفراجة قريبة، لتفاقم الحرب اللعينة من حدة البؤس لدى اليمنيين، تجرّهم إلى مستنقع اللا عودة بتزامنها مع الاضطراب المستمر في منطقة الشرق الأوسط، قبل أن يحول لطف الله دون ذلك، ليبدأ اليمنيين رحلتهم مع الفرج القادم من عدن بعزيمة القيادة السياسية ومن خلفهم الأشقاء المساندين.
يقول الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي، في أحد مقالاته بصحيفة نيويورك تايمز, إن دول التحالف العربي متيقنون مما رأوه، "هم ﻳﺮﻭﻥ ﻣﻨﺰﻻٌ ﻭﺍﺣﺪﺍٌ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻲ ﻳﺤﺘﺮﻕ، ﻣﻤﺎ ﺃﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﺣﺘﻮﺍﺀ ﺍﻟﺤﺮﻳﻖ ﻭ إطفاءه ﻗﺒﻞ أن ﻳﺴﺘﺸﺮﻱ ﻭﻳﺤﻮﻝ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺭﻣﺎﺩ". يبدو ذلك التشبيه بليغا، فالمنزل اليمني كانت النيران قد أضرمت فيه فعلا، بفعل سيئي الصيت "المخلوع والحوثي"، الباحثين عن خرافة والساعيين إلى تحقيقها وإن دفع ثمن ذلك جميع اليمنيين فردا فردا.
أدرك الرئيس الشرعي الورطة التي يوشك اليمن على الوقوع فيها، فاستغاث بالمملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي الإسلامي لينقذوا اليمنيين من فداحة الكارثتين، صالح والحوثي، وبينهما الجيش العائلي، فلبوا النداء بكل مسؤولية.. وبقية القصة يعلمها الجميع.
لا شك أن تطورات الملف النووي الإيراني وتوقيع اتفاقه مع الدول الكبرى، أفضى إلى واقع مرير للحوثيين وصالح المراهنين على تحالفهما معها، فتطورات عدن وانطلاقة حملة تحريرها تزامنت مع هذا الاتفاق الشهير الذي يضع حدا للعقوبات الاقتصادية الممتدة لأكثر من 12 عاما بالنسبة للإيرانيين، تجلى رهان الانقلابيين المتروكين من قبل حليفهما وباتت الأمور في طريقها إلى الحسم.
ويمكن لأي مواطن بسيط تمييز الخبيث من الطيب بما يتعلق بموقفي طهران والرياض من معضلة اليمن، فالأولى لم تقدم في تدخلها بالشأن اليمني سوى الموت والدمار، و"جيهانتين" بغيضتين طافحتين بالمتفجرات والأسلحة، قبل أن يلفظهما البحر وتضبط السلطات هاتين الطهرانيتين.
في المقابل كان الدور السعودي يعاكس ذلك تماما من خلال قوات التحالف الجوية وما تخلل جولات الصراع من دعم لوجستي وإغاثي وعسكري لانتشال رائحة البغيضين ومن خلفهما طهران من شوارع مختلف المناطق اليمنية.
يراهن الكثير على فشل الرئيس الشرعي في إخراج البلد من غمته، وبدأ الآخرون بحملات التشكيك في نواياه، وكأن هادي يدافع عن وطنه الخاصة به، بينما ظل الرئيس يواصل بحنكة، قيادة العمليات العسكرية لطيران التحالف ولم يكن بحاجة ليثبت لخصومه حجم مرارته لمال آلت إليه بلده ومدى سعيه المتفاني لاخراجه بؤس الحرب، دون أن يعجز لعدم توافر الأدوات اليمنية حينها لمواجهة الأوغاد.
يعلم الجميع مدى نجاح الأشقاء في دول التحالف العربي المشترك وثماره التي بدأ العدنيون قطفها، بتدارس حكيم واستراتيجي شمل عاصفة الحزم وإعادة الأمل والمقبل لإعادة البناء، على الرغم من دخولها خط النار في وقت مفاجئ بالنسبة للاستغاثة وانطلاق العمليات العسكرية.
لكن ما لم يعمله الانقلابيون، هو ضرورة عودة الشرعية لضمان استعادة التوازن وطيّ صفحة أعداء أنفسهم واليمنيين، والبغيض الأكبر المخلوع صالح، اللذان يحاولان الآن التشبث بوهم قوتهما العسكريتين مع أنهما يعلمان أنها شلت تماما، وتسببا أيضا بشلّ قدرة معظم البنى التحتية للبلد، والدليل سعيهما الخائب إلى تحقيق انتصارات وهمية من خلال محاولات العودة إلى أسوار عدن التي استبسل أهلها في الدفاع عنها حتى تمكنوا تخليصها من براثن الأوغاد ودنسهم القبيح بغير رجعة.
بطرد خفافيش الظلام من عدن، تبددت جميع أحلامهم البائسة، خصوصا وأنها العاصمة المؤقتة للبلاد، وتحظى بأهمية بالغة في صراع الانقلابيين مع الشرعية، ولم يعد الآن بإمكان هؤلاء إلا محاولات الغرور والكبرياء التي جرتهم من طاولات الحوار إلى ساحات الحرب، يحاولون بها لفظ أنفاسهم الأخيرة والانتقام من بقية محافظات البلاد، لتطفح حقيقة مشروعهم الانتقامي واضحة أمام اليمنيين دون ستار أو حجاب.