عبدالوهاب العمراني
غداة الربيع العربي وبداية ظهور الحوثيين للعلن كرّست إيران ميزانية ضخمة لمشروع أسمتهُ )يمن خوش حال( ، ويعني اليمن السعيد ، وغدا اليمن منذ نحو عقدين أكثر تعاسة وبؤس وعانى اليمنيون سلسلة من الحروب في هذه الفترة القصيرة ، بدأ من حرب 1994 مرورا بستة حروب مع الحوثيين ونحو أربعة أعوام من تأكل الدولة الهشة والضعيفة أصلاً ، وانتهاء بما سُمى (عاصفة الحزم) وهي في حقيقة الأمر عاصفة العجز وبداهة فأن أسباب هذه الحرب ليست خارجية بقدر ماهي تحصيل حاصل لتناقضات متراكمة وصراعات على السلطة بين النُخب السياسية اليمنية ، صحيح كان التدخل الإيراني في اليمن منذ نهاية عقد الثمانينات منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية وكان في البداية نكاية لمواقف الرئيس السابق المؤيدة لصدام حسين خلال تلك الحرب ، ومن ثم استغلت الأجواء السياسية في التسعينيات غداة إعلان الوحدة التي من أهم مبادئها التعددية السياسية فتشكلت أحزاب في اليمن وكان يفترض أن تكون على أساس وطني وليس عقائدي أو جهوي ، حتى الإصلاح رغم أيدلوجيته العقائدية لكنه للأمانة لا من حيث الاسم ولا من حيث أدبياته ليس هناك ما يشير إلى خلفية مذهبية أو جهوية وكانت ولا زالت كوادره على مساحة كل اليمن ويجمع كل الطوائف في المقابل أعلنت وأشهرت نفسها عدد من الحركات الإسلامية ذات الطائع الطائفي منها حزب (الحق) و(الشباب المؤمن) والتي هي النواة الأساسية لما يسمى اليوم بحركة أنصار الله المعروفين في اليمن وسواها بالحوثيين ، كانت إيران تتابع كل المشهد السياسي في اليمن باهتمام وترقب كاملين وأنشئت خلية سياسية متزامناً مع نشاط مذهبي لترويج أفكارها العقائدية والسياسية ،وبعد زيارة بدر الدين الحوثية (والد عبدالملك الحوثي) لإيران والإقامة فيها وآنذاك بدأ الغزل بين طهران ومرجعية (صعدة)وحشرتّ إيران نفسها تدريجياً في الشأن اليمني فتلاقت أهدافها مع من يسمون اليوم بالحوثيين لتعمل منهم نواة صلبة على غرار حزب الله في لبنان رغم ان الحوثيين في اليمن هم أقلية بالنسبة للمناطق التي تصنف مذهبياً بالزييديين والذين يعتبرون ربع سكان اليمن مقارنة بالأغلبية الشافعية (السنية) ومن هنا يمكن القول بأنهم أقلية داخل أقلية ومع ذلك فقد تلاقت أهدافهم واستراتيجيهم مع هوس الرئيس السابق علي عبدالله صالح كي ينكل بخصومه السياسيين ، ورغم أن السعودية هي من أتت بالرئيس السابق ودعمته لعقود وكذلك كان يعتبر رجل أمريكا في المنطقة فهو الذي ابتدع طائرة بدون طيار واخترقت السيادة اليمنية منذ أكثر من عشر سنوات أي قبل هذه الحرب وقبل ثورة فبراير 2011 ببضع سنوات.
تجاهلت السعودية اليمن واعتمدت على بعض رموزها من رجالات الدولية والمشايخ فقط وأغدقت عليها بالعطايا والمزايا ، وفي الوقت الذي كانت إيران تنشط وتتربص باليمن انصرفت السعودية في السنوات الأخيرة بالاهتمام بقضايا يُفترض بأنها ليست أساسية في إستراتيجيتها فأجزلت العطاء لنظام (السيسي) بمليارات مكافئة لإطاحته بالرئيس الشرعي المنتخب على دفُع متعاقبة كأن آخرها لقاء وقوفه إلى جانبها في حربها ضد الانقلابيين في اليمن ، متزامناً مع صمت خليجي وعربي ودولي بإعطاء ضوء اخضر لتحرك الحوثيين وإسقاط المدن تباعاً كان ذلك يرتكز على تواطئ ومحاولة إنتاج النظام القديم من خلال الدولة العميقة التي شكلها الرئيس السابق فأثمرت كل هذا التناقضات التي أدت لهذه الحرب هذه الزمرة التي حكمت لأكثر من عقدين من ضمنها الرئيس هادي نفسه وعلي محسن الأحمر وبعض المشائخ والتكنوقراط (الكمبارس) فالفساد مِلة واحدة اختلفوا فقط في توزيع المغانم والمكاسب السياسية التي تدور في فلك صالح وكان هادي والذي كان يعتبر ضمُن منظومة الفساد ، لكنه بالفعل كما وصفه الرئيس السابق باليد ألأمينة لسلفه المتواري شكلياً على الحكم ، ظل هادي يمارس دوره كرئيس توافقي وكأنه لازال نائباً لصالح رغم الحصانة التي منحت للأخير وهذا يدل على ضعف المبادرة الخليجية السيئة الصيت.
حرص الرئيس السابق على اختيار شخصية ضعيفة قذفت بها الأقدار لسدة الحكم في أصعب ليمارس سلطته بصورة شكلية وسلم له العلم في حفل كرنفالي دعائي مع انه لم يسلم سوى خرقة ثلاثية الألوان ، الرأي العام كان يدرك ان الدولة الهشة كانت تُدار برأسين وغدا حزب المؤتمر ينافس الدولة بل أصبح أهم من الدولة نفسها بل والزعيم أهم من المؤتمر نفسه وسخرت أموال الدولة لتمويل الآلة الإعلامية والى اليوم ومنح لقب زعيم لم يكن ذلك اللقب سائداً خلال فترة حكمه ، وذلك إيحاء بأهمية عودة القائد الضرورة كما هو سائداً في الأنظمة الكلية الشمولية ، أو من خلال من ينوبه من أسرته لرئيس من بعدي أسمه أحمد ،لانه وبموجب بالمبادرة الخليجية لايمكن بأي حال من الأحوال إعادته للسلطة ، فتحالف الحوثيين مع خصمهم اللدود ولان السياسة لا تعرف عدو دائم ولا صديق دائم ولكنها في اليمن انتهازية مفضوحة بطريقة فجة مذلة ورخيصة ، أنذاك تداخلت اعتبارات الصراع الداخلي على السلطة مع تربص اقليمي السعودية وإيران التي لن تنسى بداية مواقف الرئيس السابق لتأييده لصدام حسين خلال حربها مع العراق لثمان سنوات عندما كانت طائرات أسبوعية تذهب بالمؤن العسكرية وتجييش آلاف اليمنيين على خلال سنوات الحرب ومع ذلك تجاهلت إيران مواقف صالح خلال حرب الثمان سنوات مع العراق ، كما أن الخليجيين انفهسم وبعد وقوف صالح مع صدام حسين في غزو الكويت تراجعت العلاقات مع جيرانه وطرد مايقارب المليون من المهاجرين في السعودية ، أما العلاقات مع الكويت فمنذ ربع قرن شبه متوقفة وبهذا خسر اليمن علاقاته مع الخليج وإيران وكسب فقط بقاء الزعيم المتقلب الاهواء والبوصلة ، وفي نفس الوقت تناسى علي عبد الله صالح خصومه الحوثيين الذين شن ضدهم ستة حروب عبثية وتفسير عجزه لحسم تلك المعارك لم يتضح إلا مؤخراً حيث كان كما ذكرنا صراع على أجنحة السلطة بعد أن شب نجله احمد وبدأت الأفكار تدغدغ الرئيس السابق لتوريث الحكم على حساب رفيق دربه علي محسن وكانت ثورة فبراير التي أطاحت بالرئيس صالح سبباً لانكشاف ذلك الصراع وظهوره على الملا ، وفي المقابل تناسى أيضاً الحوثيين عدوهم الأساسي الذي نكل بهم في سلسلة حروب وتسبب في مقتل آلاف من عناصرهم وكذا من الجيش اليمني بل وقتل سيدهم حسين في أول تلك الحروب ،فكانت حروبه تلك بمثابة ابتزاز للخارج الإقليمي ودول الخليج تحديداً ، بينما كانت القاعدة فزّاعة يشهرها صالح أمام الإدارة الأمريكية المتعاقبة ، تناسى الحوثيين كل ذلك ، وتركوا عقيدتهم جانباً وفضلوا المصلحة السياسية مستغلين الفراغ السياسي لقيادة ضعيفة و هكذا بداهة لم يكن لهم ذلك (أي الحوثيين ) لولا تواطئ من يفترض ان الثورة قامت ضده ، هذه هي خلاصة الصراع خلال خمس سنوات مضت ، لقد تجنب اليمنيون الحرب الأهلية بمنحه حصانة وكانت هذه نتيجة الحصانة واليوم شعبية صالح أكثر مئة مرة منذ مغادرته السلطة لان مفردة العدوان أعطته طوق نجاه مؤقت وفي مناطق محدودة ، ومن هنا فلو افترضنا وقفت هذه الحرب بصورة أو أخرى على أساس تسوية وتراجعت السعودية في حربها آنذاك بحكم المؤكد أن الحرب الأهلية ستندلع وقد تستمر سنوات طويلة ، فالخلاف في اليمن ليس سياسياً حتى يسوى بمباحثات سياسية ، لان سلطة الأمر الواقع ليست فقط انقلابية على الإجماع فمفردة انقلاب لا تنطبق عليها ففي علم الثورات أن الانقلاب يأتي من صلب النظام وينشق مجموعة ضباط عن السلطة الرسمية ، بينما إسقاط صنعاء هو اغتصاب للسلطة من ميليشيا وليست بجيش في الدولة اليمنية وعليه فالحل لليمن هو بتواري سلطة الأمر الواقع سلماً أو حرباً ، مع أن طرفي الصراع الإقليميين ووكلائهم في الداخل مصرون بأن يقضي ويقصي كل طرف على الأخر بقوة السلاح ، ومن هنا يتوقع بأن الحل في اليمن لن يكون إلا عبر فوهة البندقية فهذا قدر اليمن رغم أن خيار الحرب ليس مستساغاً لكن واقع الحال غير التمنيات ، كما ان استعادة صنعاء قد لا يكون سلمياً فكل أطراف الصراع لا يعيرون اهتماماً بالجانب الإنساني ، فإذا ظل طرف الانقلاب خلال عشرة أشهر يماطل ويساوم بقضايا إنسانية من اجل تحقيق مكاسب سياسية فعلى الراصد لمألآت الأحداث في اليمن أن يتوقع كل شئ !