محمد جميح
بعض المدن تختارها أقدارها لكي تكون معالم جغرافية وتأريخية فاصلة في آن؟
مأرب إحدى هذه المدن التي تجود بها الأقدار لرسم حدود الأسطورة...
مأرب مدينة تتلو سفر التاريخ، وتحتضن كتاب الجغرافيا.
علمتها الجغرافيا كيف تكون قوية، تتحمل الجوع والعطش والحرب، ودس التاريخ في قلبها حكمته الخالدة.
في مثل هذا اليوم من العام الماضي انكسرت موجة الإمامة...
فر الحوثيون يلاحقهم أبناء علي ناصر القردعي وعلي عبدالمغني في السهوب والشعاب...
أبناء القردعي وعبدالمغني جاؤوا من كل مكان، من كل قبيلة في اليمن ، لأن الأبوة في عرف مأرب هي "أبوة ثورية"، لا أبوة سلالية يتشبث بها الحوثيون.
جاء إلى مأرب المظلومون، وفتحت مأرب قلبها لهم، وهم اتخذوا القردعي وعبدالمغني آباءً، قبل أن يقاتلوا مع مأرب التي انتقمت لهم ولليمن كله من الظالمين الآخِرين، ورثة الظالمين الأولين.
ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه الحوثيين بالأئمة الغابرين.
نزلت أسراب الجراد الحوثية تبحث عن حقول مأرب، وتريد الذهاب إلى حضرموت...
الجراد مخلوقات تحب الحقول، ومأرب ابنة الصحراء تحب أكل الجراد.
وقفت مأرب بكل جسارة للمغول القادمين من الكهوف، قبل أن يأتيها المدد والدعم...
كانت مأرب تتكئ على كتف تلة عالية عندما هاجمها جماعة جنكيزخان...
وعندما اقترب المغول من السد العظيم، احتزمت مأرب...
وضعت تاج بلقيس على رأسها...
وقررت لقاء الحوثي...
قال لها الحوثي: أنا ابن نبي، من وقف في طريق مني بالهزيمة...
قالت له مأرب: وأنا ملكة متوجة من قبل أن يأتي يحيى بن الحسين.
قال لها: آتيك بـ"أنصار الله"...
قالت: أتيتك بـ"أولو قوة وأولو بأس شديد"...
صدقت مأرب، وصدق الله، وكذب سدنة الكهنوت...
وفي ليلة ليلاء هرب الحوثي تحت جنح الظلام إلى أعالي الجبال...
انتصرت مأرب...
سيدة الرمال...
وعندما انتصرت انتصرت انتصار الشرفاء...
حمت ديار المتحوثين، وعاملت الأسرى معاملة الكرام، على عكس الصورة النمطية عنها...
طالما أعاد النظام السابق إنتاج صورة أهل مأرب بشكل همجي...
كان يحاول أن يصورهم قطاعاً للطرق، ومخربين، وأعراباً بدائيين، وجاء الحوثي على أساس هذه الدعاية...
خدعه حليفه الجديد الذي صور له "غزو مأرب" على شكل نزهة لتأديب "الأعراب"...
وعندما نزل الحوثي مأرب، احتزمت بلقيس، ولقي الحوثي الملكة متوجة، وعندها أسقط في يديه...
قال الحوثي ذات مرة: سنذهب إلى مأرب لقتال الدواعش، وتأمين حقول النفط...
قال إنه ذاهب إلى حضرموت للغرض نفسه.
مأرب اعترضته في الطريق إلى حضرموت، كما اعترضت تعز طريقه إلى عدن.
مأرب أخت حضرموت، وعدن شقيقة تعز، رغم كيد الكائدين...
قالت مأرب للحوثي: إلى أين أيها "الأحمق المطاع"؟
هذه أرض السبئيين...!
هذه الأرض التي التهمت حملات المستعمرين القديمة...!
قال لها الحوثي: أيش؟
قالت: كلام الملوك لا يعاد...
اللقاء غداً...!
ولقيته مأرب...!
لا أريد أن أشرح كيف كان اللقاء..دعوها للتاريخ، الذي يقول إن 3000 شهيد من أبناء مأرب يرقدون بسلام، وهم اليوم يرون الكهنوتيين تتهاوى أحلامهم على صخور الجبال، كما تهاوت على كثبان رمال مأرب، وسواحل عدن...
سلام على مأرب أرض الجنتين...
سلام عليها إلى يوم الدين...