محمد جميح
خلال الشهور الماضية دأب الحوثيون على تخزين مبالغ مالية ضخمة في محافظ خارج النظام المصرفي الرسمي. هذا ليس اتهاماً من طرف خصومهم في الشرعية، هذا تصريح لمحافظ البنك السابق ابن همام المعروف بحياده.
ما معنى هذا؟
معناه أن الحوثيين هربوا مليارات الريالات إلى مخازن تتبع الجماعة في صعدة وغيرها من المناطق الخاضعة لهم. وقد تحدث أكثر من مسؤول يمني عن تخزين مبالغ ضخمة في بيوت قيادات حوثية، بعيداً عن سلطة البنك المركزي اليمني.
واليوم موظفو الدوائر الحكومية يطالبون بمرتباتهم، والحوثيون يقولون إن المطالبة بالراتب "خيانة وطنية".
هؤلاء الذين لا يعرفون إلا معنى "الالتزام الطائفي"، لا يعرفون – بالطبع - معنى الالتزام الوطني، ولم يعرفوه طيلة تاريخهم، لأن الوطن لم يكن يوماً ضمن شعاراتهم التي استمدوها من خارج سياقات الثقافة اليمنية، كما هو معروف.
يحدثك الحوثي أنه "ويل لمسلم يَهُمُّ (بطنه)، ولا يَهُمُّ (وطنه). هذا كلام أجوف لا معنى له، لأن الوطن الذي يتحدث عنه الحوثيون يعني بالنسبة لآلاف الموظفين مجرد جيب كبير في "جاكيت" عبدالملك الحوثي. هذا وطن لا يهم آلاف الجياع من الموظفين وغيرهم، هذا وطن الحوثيين وحدهم، وطن ملئ بمسروقات غرف النوم، والمحافظ البنكية، والطلاسم والملازم والشعوذات.
ليس من حق سلطة الانقلاب الحوثي أن تطلب من حكومة ابن دغر صرف مرتبات الموظفين، لأنها تعلم أن نقل البنك فارغاً لا يعني شيئاً، أولاً، وثانياً لأنها قالت إنها جمعت مليارات الريالات لدعم البنك المركزي اليمني، لدفع المرتبات، فإما أن تصرف المرتبات أو تعيد المليارات.
ثم إن نقل البنك مع بقاء النظام المصرفي، و"سيرفرات الخدمة المدنية"، تحت سلطتهم يحملهم مسؤولية المرتبات.
تتحمل حكومة ابن دغر المسؤولية لو أن الحوثي انسحب من العاصمة على الأقل، أما وهو يسيطر على مركز البلاد المالي والإداري، فإن كل واجبات الدولة تقع عليه، بحكم الأمر الواقع.
يتبجح الانقلابيون بقولهم إنهم تمكنوا من صرف مرتبات الموظفين لعام ونصف. هذا كذب لأنهم قطعوا مرتبات آلاف الموظفين، في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية منذ شهور طويلة، ولأن إيرادات هذه المناطق منذ شهور طويلة تذهب إلى صنعاء، وتقدر بمليارات الريالات اليمنية، من ضرائب وغيرها.
ثم إن الحوثيين سطوا على استقطاعات مهولة من مرتبات الموظفين في كل البلاد، تحت ذريعة دعم "المجهود الحربي"، ونحن نعرف كيف تصب في جيب كبار قادة الحوثي، عن طريق يدهم "الطويلة" عبدالكريم الحوثي في صنعاء.
وفوق هذا فإن الحوثيين قضوا على احتياطي البلاد من العملة الصعبة، وهي أكثر من 5 مليار دولار أمريكي، وفوق هذا، فإن يد عبدالكريم الحوثي، وجماعته امتدت إلى "معاشات التقاعد" لموظفي الدولة، وهذه تمثل صندوقاً سيادياً لا يجرؤ أحد على مد اليد عليه.
دعونا لا نتحدث عن السوق السوداء، والصفقات المشبوهة لتوريد النفط، وابتزاز التجار، وعمولات التخليص الجمركي، وعمولات عقود الاستيراد والتصدير، والرُّشا التي يضطر التجار لدفعها لقادة الحوثي لتأمين تجارتهم، وفساد "لجنة الرقابة" الحوثية، وغير ذلك كثير.
دعونا لا نتحد عن أسر منتمية للحوثين في صنعاء، كانت تدفع إيجار المنزل الذي تعيش فيه بصعوبة، وهي اليوم تمتلك القصور في العاصمة، وأسست شركات استيراد وتصدير، ودخلت في المضاربة بالعملة، وأصبحت تفاخر بثروة كونتها خلال شهور معدودة، هل نواصل السرد، أم أن ذلك يكفي؟
على كلٍ: يحدثك الحوثي أن "الراتب لمن يقوم بالواجب"، والواجب هو التوجه لجبهات القتال، بمعنى أن "سلطات الكهنوت الفاسد" تساوم الموظفين المدنيين على أرواحهم: أي الموت جوعاً بلا راتب، أو الموت في جبهات حروب الحوثي، التي لا تعنينا في شيء.
لا تعنينا لأنها لم تحم الوطن، لا تعنينا لأنها جلبت الخراب على البلاد، ولا تعنينا لأنها تخدم طرفاً إقليمياً يمثل عدواً تاريخياً لشعبنا وأمتنا.
أخيراً: اصرفوا مرتبات الناس.
المال لديكم. فقط تحسسوا "بدرومات" القصور التي تملكتموها وملأتموها بمنهوباتكم من الدوائر المالية العامة والخاصة، أو تفقدوا الشاصات التي عندما لم تعد تنقل المقاتلين إلى جبهاتكم الخاسرة، أصبحت تنقل كميات ضخمة من العملة إلى حيث يختبئ "عبدالملك ظلام الدين" في صعدة.
المرتبات موجود، اصرفوا حق الناس.
اصرفوا حق الناس...
اصرفوا أو انصرفوا.
لا رعاكم الله، ولا سقى أيامكم التي اندس فيها الجراد والقحط في آن.