ثمة مواقف تعلق في ذاكرة الإنسان بحيث تبقى فيها غير قابلة للنسيان قياساً بغيرها من المواقف ؛ سواء كانت إيجابية أو سلبية، و هي من تحدد قيمة صانعيها في هذه الذاكرة، و بالتالي تكون ردود الأفعال تجاهها، وفق ذلك، تتناسب طردياً مع ايجابياتها و سلبياتها في آن.
و في اعتقاد كثيرين تبقى المواقف الإنسانية السلبية تختزن في الذاكرة فترة أطول و أكثر من تلك المواقف الإنسانية الإيجابية، خصوصاً عندما تكون نابعة ممن يُعتقد فيهم صنع مواقف إنسانية إيجابية فإذا بهم يفعلون خلاف ما هو متوقع منهم، قد تصل تداعياتها في بعض الأحيان إلى حد الصدمة.
على الرغم من ذلك، تبقى مثل هذه الأمور نسبية، لا حقائق مطلقة. و الناس بطبيعة الحال، مختلفون، ليس في أجناسهم و ألوانهم و دياناتهم و حسب، بل و في مشاعرهم و أحاسيسهم أيضاً.
لكن ليس هناك أسوأ من إنسان يقول شيئاً و يفعل خلافه و يعتقد أنه يخدع الجميع!. فمثل هذه السلوكيات لا تستمر إلى ما لا نهاية؛ فضلاً عن كونها تبقى في الذاكرة فترة طويلة لأنها تترك أثراً سلبياً هو خليط من مشاعر ليس أقلها الوجع و الكره و الألم، و تصل تداعياتها ، كما أسلفتُ، إلى حد الصدمة في بعض الأحيان.
في الفترة القليلة الماضية خضتُ تجربة في غاية الأهمية من حيث المواقف الإنسانية التي تم اختزانها في الذاكرة، بفعل سلوكيات كثيرين، قابلتها إثر تكريمي الآسيوي في الثالث والعشرين من سبتمبر 2016 في العاصمة التركمانستانية عشق اباد بوسام التقدير في حفل رسمي ضخم بثته مباشرة على الهواء معظم قنوات القارة الآسيوية و تم برعاية رئيس جمهورية تركمانستان و حضور نائب رئيس جمهورية تركمانستان شخصياً الذي قلّدني الوسام بمعية رئيس الاتحاد الآسيوي للصحافة الرياضية و بحضور كل من رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية و رئيس الاتحاد الأفريقي للصحافة الرياضية، و هو الحدث الذي يحدث لأول مرة على مستوى قارة آسيا ضمن كبار إعلاميي القارة و بالتالي هو الحدث الأول من نوعه على مستوى اليمن، بالضرورة.
كانت هذه التجربة حافلة بما يكفي لاختزان الكثير من المواقف الإنسانية، الإيجابية و السلبية في آن. و بقدر ما صدمتني بعض المواقف التي بدت و كأنها كمن يحاول تغطية الشمس بمنخل، أدهشتني تلك المواقف الإنسانية الرائعة كبيرة العدد التي احتفت بالحدث في مواقع التواصل الإجتماعي، و في معظم وسائل الإعلام المحلية التي فعلت ما ينبغي عليها فعله في سياق مهني صرف، يستحق التقدير و الامتنان.
بدا كم المواقف الإنسانية الإيجابية التي اختزنتها الذاكرة أكبر بكثير من تلك المواقف السلبية على الرغم من كون الأخيرة كانت صادمة و تسلط الضوء على حقيقة كون عدد منهم لا علاقة لهم بمفهوم الإنسان في أنصع صوره ، ذلك الإنسان الذي يقدّر نجاحات الغير التي تُعلي من قيم التفرد و التميز و الإبداع، و تُعلي إثر ذلك من قيمة الوطن؛ إذ يتصرفون و كأن شيئاً ما مهم لم يحدث، و بالتالي، وفق عقلياتهم تلك، يتم التجاهل، بل و تجدهم في خضم ذلك يكيلون بمكيالين في أحداث مشابهة تحدث بعد التكريم الآسيوي بأكثر من شهرين ونصف، بالرغم من كونها ليست على مستوى قاري، و بسرعة البرق، و على نحو فاضح يناقض مواقفهم التي تجاهلت من قبل قيم التفرد و التميز و الإبداع في مثال لم يرق لهم صاحبه و لم يأتِ وفق هواهم..! (( وصل بهم الأمر إلى تضليل رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد عبيد بن دغر بمعلومات غير صحيحة وجعلهم اياه يكيل بمكيالين من حيث لا يدري بحيث يُهنئ صحفياً واحداً فقط بشكل رسمي عبر وكالة الأنباء اليمنية سبأ بكونه حصل لوحده على جائزة دولية، في حين الحقيقة أن الجائزة ليست كذلك ؛ تُمنح الجائزة سنوياً لعدد من مراسلي وسائل الإعلام المدعومة من الحكومة الأمريكية تبعاً لبيئة العمل المحيطة والمخاطر الشخصية التي تعرضوا لها خلال عام كامل من العمل لمصلحة وسائل الإعلام التي تدعمها الحكومة الأمريكية. و لذلك يقول نص الخبر الصحيح غير المضلل: اختارت الوكالة الفدرالية الأمريكية المشرفة على وسائل إعلام الدولة المدنية التي تدعمها الحكومة الأمريكية في أكثر من 100 بلد حول العالم لدعم الحرية والديمقراطية، الصحفيين اليمنيين عرفات مدابش مراسل راديو "سوا" وعبد الكريم الشيباني ومختار الشرفي مراسلا قناة الحرة ضمن مجموعة صحفيين من كل من شبه جزيرة القرم وكمبوديا وكوبا وأفغانستان لنيل جائزة "ديفيد بورك". ))
على النقيض من ذلك تشعرك مواقف إنسانية إيجابية من خارج محيط وطنك بارتياح رائع قلما يكون أو نجد له مثيلاً لا سيما حين يعبّرون أصحابها على نحو واضح و أكيد أن تكريمك هو تكريم لهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بل و محل فخر و اعتزاز لهم كموقف السعودي طلال الشيخ أو موقف البحريني محمد قاسم، على سبيل المثال لا الحصر.
و لأن التجربة كانت مهمة، سواء بنتائجها الإيجابية أو السلبية، فإن هذا الكم الكبير من عامة الناس الذين احتفوا بتكريمي الآسيوي كأنه تكريم لهم إلى جانب العديد من الزملاء و الأصدقاء في عموم اليمن، إنما يؤكد أن اختزان المواقف الإنسانية الإيجابية في نهاية المطاف تكون مساحتها في الذاكرة أكبر و أطول عمراً لأنها تأتي من تلقاء نفسها، و تكون صادقة و عفوية، و تأثيرها يبقى خالداً أبد الدهر لأنها نابعة من القلوب و إلى القلوب مرساها.