عندما نتحدث عن فرنسا لابد لنا ان نشير الى المخزون الثقافي والفكري لهذا الشعب العظيم الذي يقدس قيم الحرية والمساوة والتي إستمدها من تاريخ ثورته التي إندلعت قبل اكثر من قرنين وربع من الزمان حيث إنطلقت تلك الثورة الفرنسية في عام 1789 م والتي أثرت في وجدان المثقفين والثوار وشكلت الثورة نقطة تحول أساسية في التاريخ الفرنسي والأوربي وفي إقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان. لذا نستطيع أن نعتبر الثورة الفرنسية وليدة فكر الأنوار وقد حملت هذه الثورة مبادئ حقوق الانسان والمواطنة المتساوية في شعاراتها الثلاثة المتمثلة بالإخاء والعدالة والمساواة Liberté, égalité, fraternité واصبحت لفترات طويلة نموذج ثوري للشعوب ضد الانظمة الديكتاتورية و الاستبدادية.
اليوم تعتبر باريس ساحة سياسية وثقافية وإعلامية كبيرة ومحط أنظار العالم وقبلة للمثقفين والادباء والفنانيين من كل مكان وقلب إعلامي نابض يزخر بالمراكز الثقافية والمؤسسات البحثية والعلمية والمتحف والمسارح والقنوات ألاذاعية الاعلامية الشهيرة الموجهة العالم العربي مثل إذاعة مونتي كارلو وراديو فرنس الدولية وغيرها من عشرات الاذاعات العربية الموجهة للمغرب العربي والجالية المغاربية هناك وبالطبع الفرنسيين من أصول عربية والذي وصل تعدادهم تقريبا الى 3.8 مليون والذي يمثل حوالي 82% من عدد مسلمي فرنسا و هذه الأرقام ليست رسمية أو حكومية، فقانون الإعلام والحريات (Informatique et libertés) يمنع تعداد المواطنين حسب انتمائهم العرقي أو الديني أو الفلسفي. فطبيعة هذه الأرقام لا تتجاوز كونها استقراءات علماء الاجتماع واستطلاعات مختصّة للرأي ونحن نستخدمها فقط لللإستدلال على أهمية الاعلام العربي في هذا البلد الاوروبي المهم ومدى عمق علاقته بالشاطئ الاخر من المحيط الاطلسي والبحر الابيض المتوسط ومنه الى الامة العربية وصولا الى جنوب شبه الجزيرة العربية والتي لم يصل اليها المد الاستعماري الفرنسي كما حدث في الاقطار العربية الاخرى ولكن اليميين بحكم الجغرافيا والهجرات وجدوا انفسهم في تماس مع فرنسا من بوابة دجيبوتي التي هاجر اليها اليمانيون مبكرا وعملوا فيها وسفنها و موانيها ومنها إنتقلت العشرات من ألاسر اليمنية لتعمل في فرنسا وتسكن وتعيش هناك وهكذا كانت الجالية اليمنية او الفرنسيين من أصول يمنية والمتركزة في مينا دينكرك في شمال فرنسا وميناء مارسيليا في جنوب فرنسا.
الحديث عن فرنسا اليوم يجعلنا نتطرق الى تاريخ العلاقات اليمنية الفرنسية الذي يرجع الى أكثر من 300سنة، وتحديداً إلى العام 1709م، وهو العام الذي سجل فيه وصول أول سفينتين تجاريتين فرنسيتين إلى ميناء المخا وقد تمكن التجار الذين جاءوا على ظهر السفينتين خلال فترة تواجدهم باليمن من توقيع اتفاقية تجارية مع حاكم المخا حينها والتي بموجبها تم السماح للفرنسيين بالمتاجرة في الموانئ اليمنية ومنطقة البحر الأحمر اسوة بغيرهم من التجار الأوروبيين، وكذا الحصول على /البن/ الذي اشتهر اليمن بتصديره والذي عرف في العالم ب بن المخا (موكا بن), كما دون الفرنسيون زيارة عدد من علماء النبات والمناخ والأطباء الفرنسيين لليمن التي اخذوا نباتات منها إلى فرنس عام 1836م , و 1870م/ منحت السلطات العثمانية في الاستانة شركة /رابووبازن/ الفرنسية امتيازاً في منطقة الشيخ سعيد وهي منطقة تقع عند مضيق باب المندب وبالقرب من عدن, كما ان التاريخ يسجل أيضا قصة الشاعر الفرنسي رامبوا (جان آرثر رامبو ( 20 أكتوبر 1854 ـ 10 نوفمبر 1891) الذي زار عدن و تاجر وإستقر فيها في 1880م وغادرها طريح الفراش عام 1891م بعد أن اصيب بمرض السرطان وبترت ساقه ودفن في فرنسا في نفس العام رغم انه تمنى أن يدفن في عدن التي عشقها وتغنى بها في كتاباته.
ويمتد الحديث عن علاقة اليمن بفرنسا السياسية و الدبلوماسية الحديثة ليصل الى دولتي شطري اليمن قبل الوحدة وكانت أحد أهم محطات العلاقات السياسية الفرنسية مع اليمن هي زيارت الرئيس ابراهيم الحمدي رئيس الشطر الشمالي من الوطن الى فرنسا في يوليو/ تموز 1977 والتي استقبل فيها الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان ضيفه في مطار اورلي وليس في قصر الاليزية كما يقتضي البروتوكول الفرنسي ، ونجاح الزيارة وأهميتها تمثل في صفقة الأسلحة الفرنسية المشتراة والمدفوعة قيمتها نقداً وكذا العديد من الاتفاقيات في مجالي الاعلام والاتصالات.
إزدهرت العلاقات الثقافية و التجارية والسياحية اليمنية الفرنسية بشكل كبير في الثمانينات حيث قدمت فرنسا العشرات من المنح الدراسية لليمنيين من شمال الوطن وجنوبه الى فرنسا للدراسات الجامعية و العليا ليعودوا للعمل في جامعتي صنعاء وعدن وكذا المستشفيات والمؤسسات اليمنية المختلفة وليتمكن هولاء الخريجين الذين تم تأهيلهم بشكل عالي في فرنسا القيام بادوار هامة في مجالات عديدة وقد تمكن البعض منهم في الوصول الى مواقع هامة في الحكومة وبذى مثلت فرنسا شريكا سياسيا قويا لليمن وكذا هي ثقافيا و سياحيا وتجاريا حيث لا تمر مرحلة من مراحل اليمن الحديث إلا ويكون لفرنسا دور هام فيه رغم أن اليمنيين وبسبب الاستعمار البريطاني يصنفون انهم (انجلوساكسون) بسبب بريطاني العظمى ودولتها التي لا تغيب عنها الشمس والتي توارت قليلا لصالح الوجود الفرنسي النشط فكانت شركة توتال الفرنسية TOTAL من أنشط الشركات الاستثمارية للتنقيب عن النفط و كذا الاستثمار في قطاع الغاز حيث قادة «توتال» اكبر مشروع صناعي يمني لتصدير الغاز الطبيعي بكلفة 3.2مليارات دولار .
الجدير بالذكر هنا أنه وفي أكتوبر1993م ودعما للوحدة التي تحققت بارادة نظامي الشطرين حينها قام الرئيس الفرنسي فرانسو ميتران بزيارة إلى الجمهورية اليمنية هي الاولى لرئيس فرنسي لليمن ولم يكن يعرف ان أحد أطراف الوحدة المتمثل بعلي عبدالله صالح وحلفائه يومها ارادوا الانقضاض على شريك الوحدة بعد زيارته لليمن الموحد مباركا باقل من عام في حرب صيف 1994 الظالمة ضد الجنوب.
لا يمكن ان نتحدث عن مستوى العلاقات اليمنية الفرنسية اليوم دون ان ننطلق بحديثنا من ثورة الشباب الشبابية الشعبية في اليمن ضد نظام صالح في 11 فبراير 2011 حيث وقفت فرنسا حينها مع خيار الشعب اليمني الذي خرج باحثا عن الحرية وثائرا ضد الفساد المالي و الاداري ومشروع التوريث فتواجد الإعلام الفرنسي بشكل قوي بين صفوف الثوار ينقل همهم ووجعهم وتضحياتهم لحضة بلحضة و تلاها الموقف الرسمي الفرنسي المساند للتسوية السياسية التي وضعتها المبادرة الخليجية وصولا الى ألتصويت لاختيار الرئيس عبده ربه منصور هادي رئيسا توافقيا لليمن في المرحلة الانتقالية الى ان يتم الانتهاء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل وصياغة مخرجات الحوار الوطني وصياغة الدستور والاستفتاء عليه وقيام الانتخابات الرئاسية.
" يمكنكم دائما الاعتماد على فرنسا ودعمها لليمن" هذا ما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في ختام لقاء جمعه بالرئيس هادي في 3 / مايو 2015 أثناء لقاء جمعهما في الرياض أثناء زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة العربية السعودية والذي أكد فيه الرئيس الفرنسي دعم الحكومة الفرنسية للشرعية الدستورية في اليمن ممثلة بالرئيس عبده ربه منصور هادي والحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن واستكمال العملية السياسية الانتقالية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وأكد حرص الجمهورية الفرنسية على تطوير التعاون الثنائي بين البلدين الصديقين، خاصة التعاون الاقتصادي و حينها أعرب الرئيس عبده ربه هادي عن شكره للجهود التي بذلتها جمهورية فرنسا لدعم الشعب اليمني ومواقفها الداعمة لليمن، ودورها السياسي و الدبلوماسي ، ودعم جمهورية فرنسا لتحالف دعم الشرعية الدستورية في اليمن كما أكد الرئيس هادي ان المليشيات الحوثية ومتمردي صالح لم يتركوا للشعب اليمني من خيار غير اللجوء الى أشقائهم لنجدتهم وإنقاذهم أمام آلة القتل والإرهاب .. معربا عن شكره لدعم جمهورية فرنسا لتحالف دعم الشرعية الدستورية في اليمن .
في الاخير لقد وجدتها مناسبة و قد كنت عازما على كتابة مقال عن العلاقات اليمنية الفرنسية للمرور على ما نشرته إحدى المواقع الاخبارية الصفراء التي بالتاكيد ستجدوا أن خيوط الخبر تجركم الى ممولها والذي قال فيها "أن نجل شقيق صالح شوهد وهو يتجول بسيارة السفارة اليمنية في باريس" مؤكدا أيضا على ان هناك "تواطئ من قبل السفير اليمني الحالي رياض ياسين للتعاون مع شخصيات محسوبة على جماعة الحوثي وصالح والداعم الإقليمي لهما إيران ولأهداف غير معلومة".
كلام اقل ما يمكن ان تقول عنه أنها أكاذيب في وضح النهار وتلفيقات من مطابخ الحوافيش في باريس
و مما لا يعرفه البعض ان أعضاء كل موظفي السفارات يحصلون على ارقام سيارات هيئة دبلوماسية وهذا ما كان يملكه أعضاء سابقون للسفارة في باريس والذين اعلنوا ولائهم للجماعة الانقلابية فتم فصلهم كما هو الحال لاحدهم الذي كان يشغل منصب ملحق سياحي عين فيه من قبل يحي صالح نفسه عندما كان رئيس مجلس الترويج السياحي ولقد تم إتخاذ قرار فصله فعلا من قبل الاخ الدكتور محمد قباطي وزير السياحة وهو من يستخدم هذا الرقم وإستقبل يحي صالح في باريس بسيارة تحمل لوحة معدنية دبلوماسية ملغية حيث تم التاكيد لي أن السفارة فعلا قد ابلغت السلطات الفرنسية رسميا بإلغاء الرقم.
وللتذكير و للإنصاف أقول ان الاخ الدكتور رياض ياسين سفيرنا في باريس هو طبيب إستشاري محترم اعرفه جيدا واعرف أخلاقه العالية واحترامه لكل مهمة توكل له وتفانيه في العمل بها باتقان شديد فقد عملت مع في اللجنة التحضيرية التي شكلها بعد ان تم تعيينه وزيرا للصحة العامة والسكان في حكومة الكفآت وذلك لعقد مؤتمر دولي للتنمية الصحية في اليمن والذي كان متوقع ان يعقد في 21 مايو 2015 في مدينة عدن الحبيبة والذي اتى إجتياح الجماعات الامامية للعاصمة صنعاء وألاعلان الدستوري ومحاصرة حكومة الكفآت بدعم من جيش صالح للتتوقف الحياة ويجهض المؤتمر.
كما إن إسم الدكتور رياض ياسين سيدون باحرف من ذهب على صدر التاريخ لانه تحمل مسؤلية وزارة الخارجية بجانب وزارة الصحة عندما غاب وزير الخارجية المعين حينها عن المشهد ووقف مقاتل مع الشرعية مدافع عنها في كل المحافل العربية والدولية بكل صلابة وكفائه وإخلاص.
وهو أيضا من اختاره الرئيس عبدربه منصور هادي ووزير الخارجية الاستاذ عبدالملك المخلافي ليكون سفير لبلادنا في فرنسا عن قناعة كامله لأنه الشخص المناسب لتمثيل اليمن لدى جمهورية فرنسا بمكانتها الكبيرة ودورها الدولي الهام والنضال من موقعه هناك مع الشرعية وإستعادة الدولة المخطوفة وهو أحد ثورا فبراير 2011 وعضو مؤتمر الحوار الوطني عن الحراك الجنوبي السلمي الوحدوي الذي يتمسك بمشروع الدولة الاتحادية العادلة ومخرجات الحوار الوطني الشامل, كيف لهذا المناضل ان يتوطئ مع القتلة والمجرمين؟
أختتم بجملة أرسلها لي سعادة السفير الدكتور رياض ياسين واعجبتني تعليقا على ما نشر عنه من إفتراء "من عاش في العواصف لا يهاب صفير الرياح".