تناحر المكونات الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع اليمني نتيجة طبيعية للعلاقة المضطربة بين الحاكم والمحكوم ، اضطراب أوجد علاقة غير سوية ؛ أبرز سماتها العداء على على المستوى الداخلي ، والازدراء والتبعية على المستوى الخارجي .
عجزت الدولة اليمنية قبل الوحدة وبعدها على إقامة علاقة سوية بين الحاكم والمحكوم ، ولو في حدها الأدنى ، أسوة بمحيطها العربي والإقليمي ، لأن رفع سقف المقارنة بدول العالم المتمدن ضرب من الجنون ؛ لعدم توفر الظروف الملائمة لمحاكاة دول العالم المتقدم في أساليب حكمها ، وطريقة تفكيرها ، وأساليب حياتها.
فتحت هذه العلاقة الغير سوية باب الشر على مصراعيه ، فولجت منه كل الكوارث والموبقات التي عصفت بحاضر الإنسان ومستقبلة ، وخلقت حالة من العداء بين الشعب والسلطة ، عداء يتوارى في أحيان كثيرة تحت كثبان القمع والقهر ، وأحيانا ينفض عن نفسه غبار القهر في صورة أعاصير أو زلازل يصعب التحكم بها ، أو التنبؤ بنتائجها ، مما يجعل النتيجة واحدة في حالتي السكون و الثورة ، فمرحلة عنفوان قبضة الحكام تنتج لنا نخب منافقة عاجزة عن صياغة رؤية وطنية ؛ مكتفية بالفتات الساقط من مائدة الحاكم ، وهو بدوره يتركها ترتع على فتات مائدته مقابل التسبيح بحمده ، وشكر الآه ونعمة ،أما السواد الأعظم من الناس فقد أخذتهم أمواج الجهل والفقر حتى أنزلتهم في مرافئ بعيدة عن صخب الحكم ، وسياسة الدولة ، فالكل مشغول بما حل به من ويلات ومآس ، وهذه ثمرة طبيعية لسياسة لئيمة غرضها شغل الناس بأنفسهم .
ومرحلة عنفوان الثورة تنتج لنا دائما نخبا لاتحسن سوى الرفض ، ولاتجيد التعامل مع الواقع ؛ ربما بسبب الكبت السياسي الذي كانت تعانيه ، فتتحول هي نفسها كالمرض المزمن الذي يظهر فجأة في بيئة متخلفة تعجز عن تشخيصه بدقة ، فتلجأ لعلاجه بما لدية من طرق بدائية ، فيكون المريض ضحية للعلاج الخطأ قبل أن يكون ضحية للمرض ، فتأخير توصيف المشكلات السياسية بدقة نتيجة حالة التيه والتخبط السياسي لدى المجتمع ، وعدم القدرة على تنظيم صفوفة ، وعجزه عن صياغة مشروع وطني جامع يضمن مصالح الجميع ؛ يساعد الأنظمة المستبدة على اعادة إنتاج نفسها ، للعودة للحكم مرة أخرى في ثوب جديد ، ولك في الملكيين الذين لفظتهم ثورة أيلول العظيم مثلا ، والاشتراكيين الذين كانوا نتاجا غير طبيعي لتشرين العظيم عبرة ، تفرس وجوههم ، وأسماءهم ، ومناطقهم ، ومذاهبهم ستجدها نفس الوجوه ، ونفس الأسماء ، ونفس المناطق ، ونفس المذاهب ، ونفس التيارات الايدلوجية ، هي هي لم تتغير في كل مرة .
كانت العودة المفاجئة والغير متوقعة للنخب القديمة للحكم مرة أخرى ، سببا في نسج علاقات غير متكافئة مع الخارج ، علاقة أشبه بعلاقة اللص مع من راه متلبسا؛ فوعده بكتمان سره مقابل مصلحة معينه ، علاقة تتنافى مع القوانين والأعراف والقيم الوطنية و الإنسانية ،ولكن التوافق النفسي بين طرفيها كان أرضية ملائمة لقيامها ، وإن لم يمنعها من الاهتزازا والابتزاز المستمر ، خلق هذا الابتزاز علاقة تقوم على الازدراء ، والاحتقار، والدونية ، والتبعية ، وهذه هي الأركان الأربعة التي قامت عليها علاقة اليمن مع الخارج.
حرصت الأنظمة المتعاقبة على حكم اليمن - شمالا وجنوبا- على إذكاء الصراعات، وافتعال الأزمات ، بصورة مستمرة ؛ ليسهل لها تصفيه خصومها ، وخلق حالة من الفرز في أوساط المجتمع ، فرز يتخذ من المذهب ، أو المنطقة ، أو القبيلة أداة للاستقواء وضرب الخصوم السياسيين ؛ بعد أن يقنع الزعيم ، أو القائد الاتباع من بني مذهبه ، أو منطقته ، أو قبيلته أن مصالحهم مهددة ، لا أدري هل قرأ هؤلاء الجهلة مقولة ميكا فللي : (إذا اردت أن يلتف الأتباع حولك فأشعرهم أن مصالحهم مهددة ) أم أنها سنة متبعة عند كل الطغاة على اختلاف مللهم ونحلهم ، وإذا اردت التأكد من هذا فانظر في أسباب الصراعات التي شهدها اليمن شماله وجنوبه ، وانظر إلى سوق الحرب التي أوقد نارها مسعرو الحروب ، فأن لم تكن ممن شهدها فسأل من شارك فيها لماذا أكلت سبتمبر أبناءها الأخيار ؟ ولماذا تنكرت أكتوبر لثوارها الأبرار ؟ وكيف امتطى سراق النضال سنام الثورة ؟ وكيف همشت الأقلية الأغلبية في الشمال ؟ وكيف حولت الأقلية الأكثرية في الجنوب إلى مواطنين من الدرجة الرابعة ؟
سعيد النخعي
عدن 16 / أغسطس / 2017م