د. عبده البحش
تفاقمت حدة الخلاف بين المؤتمر الشعبي العام جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح والحوثيين حلفاءه ومنافسيه في نفس الوقت، حيث تصاعدت حدة الخلافات بين الطرفين على خلفية اعلان صالح إقامة مهرجانا جماهيريا حاشدا في ميدان السبعين بمناسبة الذكرى 35 لتأسيس المؤتمر الشعبي العام، لكن الحوثيين نظروا الى ذلك الاحتشاد بعين الريبة والتوجس معتبرين ذلك غدرا وطعنا في الظهر من حليفهم الذي اشتهر بالتحالف مع خصومه واستخدامهم لفترة وجيزة ومن ثم التخلص منهم، كما حدث مع الحزب الاشتراكي اليمني، وحزب التجمع اليمني للإصلاح وغيرهم من القوى السياسية اليمنية الأخرى.
الحوثيين يعرفون حليفهم جيدا ويعرفون تاريخه السياسي وصفقاته المميتة مع من سبقوهم من القوى السياسية اليمنية، ولذلك يخشى الحوثيين من غدر صالح والاطاحة بهم كما أطاح بمن كانوا قبلهم سواء عن طريق الحرب او عن طريق الازاحة السياسية الناعمة، وهذه المخاوف هي التي دفعت الحوثيين الى ارسال رسائل تحذيرية لصالح وتهديده بالتصفية الجسدية ان حاول المساس بسلطة الجماعة الحوثية التي استولت على البلاد بصفقة بخسة مع صالح عقدها معهم في حالة من اللا وعي سيطرة عليه بسبب رغبته الجامحة في الانتقام من أبناء الأحمر واللواء علي محسن صالح وحزب الإصلاح.
المؤتمر الشعبي العام وقياداته وكوادره عانوا الامرين من سلطة الحوثيين الكهنوتية والسلالية الاقصائية مثلهم مثل بقية المكونات السياسية اليمنية الأخرى وقد عبروا بذلك صراحة من خلال سيل من الشكاوى الى زعيمهم صالح الواقع بين سندان الحوثي ومطرقة التحالف، ومع مرور الأيام اتضح ان سلطة الحوثيين تترسخ على حساب المؤتمر الشعبي العام وليس على حساب الإصلاح فقط، وهذا ما افزع المؤتمر وزعيمه صالح فقرروا إعادة تنظيم صفوف الحزب وتدارك الامر، لكن الحوثي كان يرصد تلك التحركات ويتابعها أولا بأول من خلال عناصره المدسوسة داخل منظومة المؤتمر الشعبي العام، بل في الدائرة الضيقة المحيطة بالزعيم صالح.
تلك التحركات اثارة سخط الحوثيين واستفزت زعيمهم اللاهوتي عبد الملك الحوثي، الذي اعطى الضوء الأخضر لعناصره بمهاجمة المؤتمر وزعيمه صالح بطريقة فجة تجاوزت الأعراف السياسية الى التهديد بالتصفية الجسدية وإطلاق تهم الخيانة العظمى على صالح وحزبه والتهديد بفتح ملفات الفساد ومحاكمة قيادات المؤتمر الشعبي العام واعدامهم بتهم الفساد وخيانة الوطن وغيرها من التهم الأخرى، وهو ما دفع قيادات في المؤتمر الشعبي العام الى اتهام الحوثيين بسرقة المال العام وسرقة مرتبات الموظفين، فضلا عن التهديد بطرد الحوثيين من صنعاء كما تم طرد داعش من البصرة.
السجال الحاد بين الجانبين كشف ان الحوثيين كانوا أكثر جرأة في التهديد وتوجيه الرسائل التحذيرية المباشرة الى صالح وحزبه والتي لم تكن تخلوا من نبرة استعلائية ونظرة دونية الى صالح وانصاره، كما أظهرت المساجلة بين الفريقين ان الحوثيين اكثر استعدادا للمواجهة العسكرية واكثر جاهزية لتفجير الموقف في اية لحظة، فيما كان صالح وانصاره يميلون الى التهدئة وعدم الرد على تهديدات الحوثيين، ويبدوا ان صفقة سرية لا احد يعرف تفاصيلها قد ابرمها صالح مع الحوثيين في اللحظات الاخيرة سمحت للمؤتمر بإقامة المهرجان في اطار شروط مجحفة الزمت صالح بالتقيد بها وابرز تلك الشروط هي ان يتم توجيه المناسبة لتمجيد الحرب ومواجهة العدوان ورفد الجبهات ورفض أي فرصة للسلام والمصالحة الوطنية.
المناسبة كشفت ان صالح قد اذعن للحوثيين والتزم حرفيا بما تم الاتفاق عليه، حيث غير من مسار المهرجان الذي كان يفترض ان يكون مهرجانا تصالحيا ودعوة للسلام والتعايش وفق ما كان قد اعد سلفا من شعارات وملصقات ويافطات، لكن شروط اتفاقية اللحظة الأخيرة أجبرت صالح على تغيير كل ذلك وهو السبب الذي جعل الحشد مرتبكا وغير منظما وبلا شعارات ويافطات وصور وغيرها من مستلزمات المهرجانات الجماهيرية، فضلا عن ان نفسية الجمهور بدت منكسرة بعد ان خيب صالح امالهم بكلمته الركيكة والعشوائية ومما زاد الطين بله وعكر صفو الاحتشاد هو اطلاق النار الذي حصل بالقرب من ميدان السبعين والذي سبب ذعرا كبيرا في أوساط الجماهير.
الحوثيين من جانبهم لم يكتفوا باستسلام صالح وانصاره لشروطهم ومطالبهم التي هي في أساسها تعسفية وانما قاموا بتنفيذ استعراضا عسكريا في ميدان السبعين، وهو تحد امامي واضح لما تبقى من رموز ومعالم الجمهورية التي باعها صالح بيعا رخيصا لأحفاد الامامة السلالية الكهنوتية، حيث أصر الحوثيين ان يرسلوا رسالة إضافية لصالح وانصاره ومن داخل ما كان يعتقد انه عرين صالح وميدانه التاريخي المحرم على خصومه ان يطأوه، وتلك رسالة بالغة المعاني والدلالات، حيث كانت صدمة نفسية ومعنوية لصالح وانصاره افقدتهم فرحة المناسبة وعكرت صفوهم وأثارت الرعب والفزع في نفوسهم، وخاصة عندما شاهدوا تلك الاطقم والعربات الحوثية المسلحة تقتحم ميدان السبعين الذي لم يستطع احد الوصول اليه حتى الرئيس عبد ربه منصور هادي، الا ان الحوثي اقتحمه بأريحية بالغة ودون اية مقاومة من صالح وانصاره الذي بدا عاجزا عن فعل أي شيء.
وعلى اية حال فالمسرحية الهزلية الخطيرة لم تكتمل بعد والأيام القادمة ستنبئ بالكثير من الاحداث والمفاجئات خصوصا في ظل الضبابية المخيمة على توازن القوى بين صالح وأنصاره من جهة والحوثيين من جهة أخرى، صحيح ان المؤتمر لديه من الشعبية والجماهيرية والقوى العسكرية المدربة ما يفوق الحوثيين اضعافا مضاعفة، لكن الحوثيين قوة منظمة شديدة الولاء لقياداتها وهي قوة عقائدية مستميتة ومتحمسة للمواجهة وغير مستعدة على التفريط بالمكاسب التي حصلت عليها بعد انقلاب 21 سبتمبر عام 2014م والحوثيون قوة مسيطرة على السلطة والموارد المالية وهذه نقطة مهمة ومصدر قوة للحوثيين في اية مواجهة محتملة.
المؤتمر الشعبي العام وزعيمه صالح استوعبوا الدرس جيدا هذه المرة وهو دراسا قاسيا ومريرا بكل تأكيد، فالحوثي تجاوز الخطوط الحمراء وسدد سيلا من الاهانات الى صالح وانصاره وهو امر لا يمكن السكوت عليه ولا يمكن تمريره من دون حساب، ولذا فانه من المحتمل ان يقوم صالح ورجاله بأعاده تنظيم صفوفهم او ربما بإعادة تقييم خارطة التحالفات الداخلية والخارجية بما يمكن صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام من الوقوف على قديمة وتأديب الحوثي تأديبا يستحقه على كل التجاوزات والتصرفات الغير محسوبة والتي سببت اهانات بالغة لقيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام، وعليه فان الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على كل الاحتمالات والتوقعات.