د. عبده البحش
مما لا شك فيه ان الخطاب التاريخي الذي القاه فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي امام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك، بمناسبة انعقاد الدورة الثانية والسبعين، قد حظي باهتمام اعلامي دولي واقليمي ومحلي واسع، كما ان الحفاوة التي استقبل بها فخامة الرئيس هادي في أكبر محفل دولي يدل على عظمة الرئيس وعظمة القضية الوطنية العادلة التي يضطلع بها ويدافع عنها بكل ما اوتي من قوة.
لا أخفى انني دهشت وانا اتابع فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي وهو يقف شامخا في المنبر يخاطب زعماء العالم عن التطورات الدراماتيكية في الجمهورية اليمنية وعن المآسي والكوارث الإنسانية التي سببتها القوى الانقلابية العبثية ذات النزعة الكهنوتية والاستبدادية، التي تحالفت على الشر واضمرت الانتقام من كل ما جميل في ارض اليمن ومن كل ما هو نابض في الحياة تحت شعارات الموت واللعن والشتائم التي هي ابعد ما يكون عن منطق الانسان السوي.
لا أخفي أيضا انني ذهلت وانا اشاهد زعماء العالم ينصتون باهتمام شديد لخطاب فخامة الرئيس هادي كما لو كان رئيس أكبر دولة في العالم، ناهيك عن الاهتمام الإعلامي الذي تفنن في تغطية وقائع الخطاب التاريخي للرئيس، من خلال التركيز الجيد على شخص الرئيس وعرض لقطات متفرقة للوفد الذي رافقه الى داخل القاعة وعلى رأسهم السياسي الموهوب الدكتور احمد عوض بن مبارك سفير بلادنا في الولايات المتحدة الامريكية، وهذا كله يعكس بشكل جلي المكانة المرموقة التي يحظى بها فخامة الرئيس في المحافل الدولية الكبرى، كما يعكس أيضا قدرة الرئيس في التمثيل المشرف للجمهورية اليمنية وجعلها تتبوأ مكانة مرموقة في المحافل والإقليمية والدولية الكبرى.
ان ما يجعل القلم يعجز فعلا عن توصيف او تحليل مضامين الخطاب التاريخي للرئيس هو ذلك الاتقان والاعداد الجيد للخطاب الذي جذب اهتمام الجميع وأرغم العدو قبل الصديق على مشاهدة الخطاب او سماعه او قراءته حتى اخر فقرة، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أهمية الخطاب وعظمته والذي عكس بالفعل مجريات الأمور وتطوراتها على الساحة اليمنية ابتداء من الحرب المفروضة على الشعب اليمني من قبل القوى الانقلابية التي تحالفت وتكالبت من اجل اجهاض الانتقال السياسي السلمي للسلطة في اليمن وارادت من خلال ذلك التحالف الانقلاب على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والالتفاف على القرارات الدولية ذات الصلة، وذلك للحيلولة دون الوصول الى اليمن الاتحادي الجديد.
ان القوى الانقلابية كما أشار فخامة الرئيس في خطابه تجاوزت مفاهيم الانقلابات العسكرية العادية التي تحصل في اي بلد من بلدان العالم المختلفة، حيث اتفقت العقلية الديكتاتورية القبلية العصبوية المتخلفة مع العقلية اللاهوتية الكهنوتية الصنمية السلالية العنصرية المتحجرة، ليس من اجل الانقلاب على السلطة فحسب وانما الانقلاب على الدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية، حيث الغيت المؤسسة الأمنية والعسكرية واستبدلت بالمليشيات الطائفية والقبلية، وحيث تم تجريف مؤسسات الدولة وافراغها من محتواها المؤسسي والإداري واستبدلت بما يسمى المشرفين السلاليين الطائفيين الذين باتوا يسطرون على الية عمل مؤسسات الدولة مما أدى الى تعطيلها تعطيلا كاملا.
ان عمليات النهب والسطو والسرق الممنهج التي مارستها المليشيات الحوثية وحليفها صالح كما ذكر فخامة الرئيس في خطابه أدى الى نفاذ الاحتياطات البنكية من العملة المحلية والأجنبية وكادت المؤسسة المالية السيادية اليمنية ان تفلس لولا تدخل الحكومة ونقل البنك المركزي من صنعاء الى عدن كإجراء وقائي للحيلولة دون افلاس الدولة اليمنية، ومع ذلك ما زال الانقلابيون في صنعاء يمتنعون عن توريد الأموال الى البنك المركزي ويرفضون صرف مرتبات الموظفين في المناطق التي تقع تحت قبضتهم كما يمارسون عمليات ابتزاز وجباية غير قانونية من الافراد والشركات وأصحاب المحلات التجارية، فضلا عن تحويل البلاد الى سوق سوداء تديرها المليشيات بشكل حصري.
لقد أكد فخامة الرئيس هادي ان الحكومة اليمنية تحرص على السلام وتدعم كل مبادرات السلام لإيقاف الحرب وانهاء المعاناة لملايين اليمنيين الذين أصبحوا بلا ماء ولا كهرباء ولا صحة ولا خدمات أساسية أخرى، ناهيك عن الامراض والاوبئة والمجاعة التي باتت تتفشى يوما بعد يوم، مضيفا ان المشكلة تتمثل في تعنت القوى الانقلابية التي ترفض كل مبادرات السلام ووقف الحرب والاقتتال وتصر على تمرير مشروعها الكهنوتي الاستبدادي المقيت، ولذا طلب فخامة الرئيس من المجتمع الدولي التدخل للضغط على القوى الانقلابية واقناعها بقبول السلام، مالم فان على المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته ويعمل على تطبيق القرار 2216 بالقوة العسكرية كما فعل من قبل في حالات مماثلة كثيرة.
وفيما يتعلق بالتدخلات الخارجية الداعمة للقوى الانقلابية تحدث فخامة الرئيس بشكل واضح وجلي دون خوف او جل ودون اية مراعاة للاعتبارات الأخرى، كون السيل قد بلغ الزبى خاصة وان إيران تتدخل بشكل سافر في الشؤون اليمنية الداخلية وتقدم الدعم المالي والمعلوماتي والتدريب والسلاح للقوى الانقلابية من اجل تدمير اليمن وتفتيت نسيجه الاجتماعي وجعله بلدا ممزقا كما هو الحال في العراق والصومال وأفغانستان، خصوصا وان الجميع يعرف تصريحات الساسة الإيرانيين متباهين ان طهران باتت تسيطر على صنعاء العاصمة العربية الرابعة، وهو تصريح استفزازي غبي بل ووقح، خارج عن المألوف وعن سياقات الادب السياسي واللغة الدبلوماسية.
لقد أوضح فخامة الرئيس انه شخصيا يدعم جهود السلام وانه داعية سلام لا يسعى الى الانتقام من أحد وقد اقسم انه لا يحمل مثقال ذرة من حقد في قلبه ضد أحد مؤكدا استعداده التام للسلام مع كافة الأطراف السياسية اليمنية واكد انه لا يريد اقصى أي طرف من العملية السياسية ولا ينوي تهميش أي طرف على الاطلاق معلنا ايمانه بالديمقراطية والتعددية السياسية والمشاركة في صنع القرار السياسي انطلاقا من مسؤوليته الوطنية وحرصه على أبناء الشعب اليمني الذي اصبح مستقبلهم مرهون بتطبيق المرجعيات الثلاث كأساس للسلام العادل والشامل وتلك المرجعيات هي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة.
وفي إطار المسؤولية الوطنية التي يضطلع بها فخامة رئيس الجمهورية تجاه شعبه الذي يعاني من عبث القوى الانقلابية والإرهاب طالب فخامته المجتمع الدولي بتكثيف الجهود الإنسانية لمواجهة الكوارث الحقيقية في مجال الصحة والغذاء، حيث ابدى استعداده الكامل لدعم وتسهيل جهود الإغاثة الإنسانية، داعيا في الوقت ذاته قوى الانقلاب الى تسهيل عمليات الإغاثة الإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، كما اعلن فخامته أهمية تظافر الجهود الدولية في محاربة الإرهاب في اليمن واستئصال ذلك السرطان الخبيث كي يصبح اليمن بلدا امنا مستقرا ومساهما في امن واستقرار جيرانه.
ولا يفوتني ان اختتم هذا المقال باقتباس مقطع جميل من خطاب فخامة الرئيس هادي لكي يعي الجميع عن أي خطاب نتحدث وعن أي لغة سياسية ودبلوماسية نتكلم "إننا ماضون بعزم لا يلين وثبات لا يخالطه شك وبكل ما نستطيع ومعنا ابناء شعبنا الصابر وأشقاءنا الاماجد وكل الشرفاء في العالم لتخليص الشعب اليمني من تلك المآسي التي تسببت بها المليشيات الانقلابية، وسنحقق بعون الله امآل شعبنا في بلد آمن ومستقر ، في دولة إتحادية مدنية تستند على العدل والمساواة ومبادئ الحكم الرشيد، سنعيد بناء اليمن الجديد الذي يضم كل ابناءه ويكون لكل ابناءه دون إقصاء ولا استحواذ، اليمن الذي يكون مصدر أمن واستقرار لأهله ولجيرانه ومحيطه والعالم"