د. عبده البحش
في الذكرى ال 55 لثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، القى الرئيس السابق علي عبد الله صالح خطابا متلفزا اثار غرابة ودهشة كل من تابعوا الخطاب، فالرجل يتحدث عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر ويمتدح في الوقت نفسه نكسة الحادي والعشرين من سبتمبر الامامية الكهنوتية الخمينية المتخلفة.
انفصام الشخصية كان طاغيا على خطاب صالح من بدايته حتى نهايته، يقول الشيء ونقيضه، يعترف بالكثير من القضايا ثم يعود لينكرها مرة أخرى الى درجة تجعل المشاهد يشعر ان من يتحدث مجنون او مصاب بحالة نفسية تستدعي العلاج الفوري او على الأقل تتطلب من العقلاء في المؤتمر الشعبي العام منع صالح من الظهور في وسائل الاعلام والقاء الخطابات العشوائية التي تنعكس عليه شخصيا بشكل سلبي وعلى سياسة ونهج المؤتمر الشعبي العام كحزب جماهيري له وزنه الشعبي في الساحة اليمنية.
ومثلما كان الخطاب متناقضا ومفككا ويفتقد الى البناء الفكري الرصين، فانه كان مليئا بالغرائب والعجائب والطروحات الغير منطقية والمقارنات الغير عقلانية والمثيرة للاستغراب، فهو يتحدث عن قدرته على هزيمة القوات التابعة للحكومة الشرعية ودحرها الى نجران، فيما هو في حقيقة الامر عاجز عن فك الحصار المفروض عليه من قبل المليشيات الحوثية التي تقيم نقاط التفتيش بالقرب من مقر اقامته وتفرض عليه مراقبة امنية شديدة الى درجة جعلت صالح في قبضة المليشيات او في متناول ايديها كما صرح القيادي الحوثي محمد ناصر البخيتي.
لم يسلم الرئيس عبد ربه منصور هادي من لسان صالح الذي تعود على مهاجمته حتى في الوقت الذي نرى فيه الحوثيين يمعنون في اهانته واحتقاره إعلاميا وعلى صعيد الممارسة الميدانية، فصالح لا يجرؤ على مهاجمة خصمه السياسي القريب منه وانما يدمن على سب وشتم خصومه السياسيين الذين هم خارج البلاد وهذه ملاحظة لا يدركها الكثيرين مع انها سمة من سمات صالح الشخصية.
ظهر صالح في خطابه مضحكا وكوميديا في الكثير من الطروحات أبرزوها المقارنة التي أوردها بخصوص هجرة الرسول ورحيل هادي، ولعمري انها مقارنة ارتدت على صالح كمن يوجه سلاحه الى صدره او كمن يرد الله كيده في نحره، حيث قال "مازالت الامة الإسلامية تحتفل بذكرى هجرة الرسول ونحن نحتفل منذ ثلاث سنوات برحيل هادي" وأعضاء الحكومة الشرعية من اليمن الى الخارج.
لقد كان من حسن حظ الرئيس هادي ان شبه صالح رحيله من اليمن بهجرة الرسول من مكة الى المدينة وهو ما يعكس وجه الشبه بين كفار قريش الذين اخرجوا الرسول من مكة وبين صالح والحوثيين الذين اجبروا هادي على الهجرة من صنعاء الى عدن ومن ثم الهجرة الى الرياض التي باتت كالمدينة المنورة تأوي القادمين وتنصرهم على عدوهم الانقلابي الباغي والظالم.
أفصح صالح انه يحتفل منذ ثلاث سنوات بمناسب رحيل هادي وهي الفترة التي أشعل فيها صالح الحرب على اليمنيين بالتحالف والتعاون مع المليشيات الحوثية الإيرانية الخمينية، وهو ما يعني ان صالح لم يكترث ولم يحزن ولم يأسى على خراب اليمن ودمارها وازهاق أرواح أبنائها وبناتها ولم يكترث للمعاناة التي يكابدها الشعب اليمني في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية، حيث الامراض والفقر والاوبئة وغياب الخدمات الضرورية والجوع وما الى ذلك من صنوف وأنواع المعاناة، فصالح ما زال يحتفل على حده وصفه رغم ان واقع الحال يدمي القلوب قبل العيون.
كشفت المقارنة التي ساقها صالح في خطابه عن هجرة الرسول ورحيل هادي تماثل الوسائل التي استخدمت في تهجير الرسول وفي ترحيل هادي، فكفار قريش ومشركيها من أمثال ابي جهل وابي لهب وابي سفيان وامية بن خلف والعاص بن وائل استخدموا الفتيان الأقوياء واعطوا كل واحد منهم سيفا وامروهم ان يضربوا الرسول ضربة واحدة، وهي نفس الوسيلة التي استخدمها صالح في تسليط الميليشيات الحوثية وتشجيعها على اقتحام مقر إقامة الرئيس هادي ومحاصرته وفرض الاملاءات عليه مما اضطره الى الرحيل مكرها.
المقارنة خدمت الرئيس هادي وارتدت سلبا على صاحبها، فالرسول عاد بعد سنوات من هجرته الى مكة على رأس جيش جرار أرعب رؤوس الكفر والطغيان في مكة، مما اضطرهم الى الاستسلام صاغرين، وهو ما سيحدث قريبا وبنفس الطريقة، حيث تشير المعطيات الى ان الرئيس هادي سيدخل صنعاء وسيحسم المعركة عسكريا وعندها سيصبح صالح والحوثي من الطلقاء ان استسلموا او من الهالكين ان ركبوا رؤوسهم وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.