د. عبده البحش
تمثل الحركة الحوثية في اليمن حالة من حالات الاجرام الوحشي، الذي يتكرر عبر مسار التاريخ الإنساني على ايادي مجموعة من المنحرفين والعنصريين والدمويين مثل عصابات المافيا وجماعة الحشاشين والجماعة النازية الألمانية وجماعة الفاشيين الإيطالية والحركة القرمطية وحركة داعش وتنظيم القاعدة وبوكو حرام وغيرها من الحركات الإرهابية والاستبدادية التي ظهرت عبر مسار التاريخ الإنساني الطويل وسببت الويلات والنكبات للأمم والشعوب لفترات زمنية معينة قبل ان تزول بفعل يقظة المجتمعات التي سرعان ما كانت تتخلص منها، لكن بعد ان تدفع ثمنا باهضا من وتضحيات لا يستهان بها.
منذ عام 2014م أصبحت اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم انتهاكا لحقوق الانسان، حيث اقترف صالح والحوثيين انتهاكات ممنهجة للقانون الدولي لحقوق الانسان، وذلك من خلال الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري للآلاف من الأشخاص المعارضين السياسيين، والناشطين والمدافعين عن حقوق الانسان، والأكاديميين، والطلاب، والمنتقدين، والكتاب والصحفيين. وذكرت منظمة العفو الدولية في تقريرها، ان صالح والحوثيين شنوا حملة شرسة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، واستهدفت الحملة قمع المعارضين، من خلال الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وطلب مجلس الامن في القرار 2216 لعام 2015م صالح والحوثيين بسرعة الافراج عن الموضوعين تحت الإقامة الجبرية والمحتجزين تعسفيا بمن فيهم وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي.
ازدادت وتيرة الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري في اليمن منذ عام 2014 وحتى نهاية عام 2016، حيث بلغ اجمالي تلك الانتهاكات 16804 حالة، منها 13938 حالة اعتقال تعسفي، بينما بلغت حالات الاختفاء القسري 2866 حالة. وفي هذا الشأن استنكرت منظمة العفو الدولية تلك الممارسات واعتبرتها انتهاكا صارخا للقانون الدولي، ولا يمكن تبريرها بأي شكل من الاشكال. ووفقا لتقرير وزارة حقوق الانسان، الذي وثق العديد من الانتهاكات وخاصة مع الذين تم إطلاق سراحهم من سجون صالح والحوثيين، حيث ثبت ان معظمهم يعانون من حالات نفسية وصحية سيئة، نتيجة تعرضهم للتعذيب الوحشي وسوء المعاملة. كذلك تبين للجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الانسان، ان عشرات الحالات وصلت الى حد الموت، نتيجة للتعذيب، حيث يتعرض كثير من المختطفين للجلد والضرب في الآلات الحادة والصعق الكهربائي والصقيع والكي بالنار لإجبارهم على الاعتراف بتهم وجرائم لم يقترفوها، عدا تأييدهم للحكومة الشرعية.
وفي سياق انتهاكات حقوق الانسان، لا سيما الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري، وثق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان العديد من الانتهاكات، التي اقترفها صالح والحوثيين، اذ بلغ عدد نقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرة صالح والحوثيين 155 موزعة في الشوارع الرئيسية للمدن وفي الطرقات الرابطة بين المحافظات والمدن. الى جانب ذلك تم رصد وتوثيق 4689 حالة تعذيب، في حين بلغ عدد السجون التابعة لصالح والحوثيين 484 سجنا منها 227 مبنى حكومي و27 مستشفى ومؤسسة طبية و49 جامعة حكومية وخاصة و25 ملاعب ونوادي رياضية و47 مباني قضائية. إضافة الى العديد من السجون السرية، التي لم يعرف منها سوى عشرة سجون. في الوقت نفسه أكد التقرير ان الميليشيات تأخذ مبالغ مالية مقابل الافراج عن المحتجزين، اذ يتوجب على كل فرد ان يدفع ما يساوي 1500 دولار كحد أدنى او 20000 دولار كحد اعلى. وذكر التقرير ان 90 في المائة ممن تم الافراج عنهم دفعوا مبالغ مالية. وعلاوة على ذلك وثق فريق التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الانسان 44 حالة وفاة تحت التعذيب في سجون صالح والحوثيين، كما رصد الفريق 44 حالة اعدام بالرصاص الحي لمعتقلين داخل السجون يديرها صالح والحوثيين، في عدة محافظات يمنية.
مما لا شك فيه ان صالح والحوثيين استخدموا الاعتقال التعسفي والاخفاء القسر كأداة فعالة من اجل السيطرة على المعارضين وارعابهم للحيلولة دون قيامهم بأية نشاطات سياسية واعلامية وجماهيرية، فضلان عن ان الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري رسالة تهديد واضحة الى المعارضين المحتملين من اجل ارغامهم على السكون خوفا من العواقب الوخيمة التي تنتظرهم في حال ممارسة اية نشاطات انتقادية لسلطة الحوثيين.
ان الميليشيا الحوثية بسبب توجهاتها الاستبدادية وباعتبارها حركة دينية شيعية طائفية مسلحة، لا تؤمن بالديمقراطية والحرية الصحفية وحقوق الانسان، وهي تشبه الى حد كبير تنظيم القاعدة. حيث تعتمد على القوة العسكرية في فرض سيطرتها وتستخدم كافة الأساليب الوحشية لضمان اخضاع المعارضين. هذه الأيديولوجية المتشددة أدت الى اتساع نطاق الانتهاكات ومن ضمنها الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري.
ان ما شجع صالح والحوثيين على ممارسة الاعتقال التعسفي والاخفاء القسري بشكل واسع، هو الصمت الدولي إزاء هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان في اليمن، فعلى الرغم من صدور قرار مجلس الامن رقم 2216 تحت الفصل السابع، والذي يلزم صالح والحوثيين بالأفراج الفوري عن السجناء السياسيين، الا ان صالح والحوثي تجاهلوا القرار الدولي، ومع ذلك لم يتحرك مجلس الامن والأمم المتحدة ولم يتخذوا أية إجراءات فعلية ضد صالح والحوثيين لإرغامهم على الامتثال لقرار مجلس الامن الدولي 2216 والافراج عن المعتقلين والمخفيين قسرا.