د. عبده البحش
تناقلت العديد من الوسائل الإعلامية الأجنبية ما أسمته غزة الكبرى كأحد الخيارات الاستراتيجية الواقعية لحل المعضلة الإسرائيلية الفلسطينية المستعصية، حيث تقترح خطة غزة الكبرى إقامة دولة فلسطينية مستقلة بقيادة حماس على ان تضم هذه الدولة الجديدة أراضي شبه جزيرة سيناء المصرية مما يتيح لقطاع غزة توسيع أراضيه بمقدار خمسة اضعاف المساحة الحالية للقطاع، وهو ما سيسمح لسكان قطاع غزة بالانتقال الى سيناء لتخفيف الازدحام السكاني ومن ثم بناء احياء سكنية جديدة في شبه جزيرة سيناء.
الخطة الجديدة التي سميت غزة الكبرى ستوفر كثيرا من الحلول لمفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية المتعثرة، حيث ستسمح الخطة للاجئين الفلسطينيين بالعودة الى سيناء والاستيطان بها كمواطنين فلسطينيين تحت إدارة وحكومة فلسطينية مستقلة معترف بها من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة وحتى من قبل إسرائيل نفسها التي ترى في هذه الخطة حلا واقعيا وعمليا، وكما يبدو ان إسرائيل مستعدة للتعاون والجيرة الحسنة مع الدولة الفلسطينية الجديدة غزة الكبرى.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ما يبدو متحمس لهذه الخطة حسبما ذكرت وسائل إعلامية اجنبيه ان السيسي نفسه عرض على القيادة الفلسطينية التبرع بشبه جزيرة سيناء وضمها الى قطاع غزة لتصبح جزءا من خطة غزة الكبرى خاصة بعد ان أصبحت عبئا ثقيلا على القيادة المصرية بسبب انتشار الجماعات الإسلامية المتشددة التي ارهقت الجيش المصري ومثلت قلقا متزايدا للحكومة المصرية كما شكلت بؤرة خطيرة لاستنزاف القدرات الاقتصادية المصرية، وعليه لا يستبعد ان يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد عرض بالفعل التنازل عن سيناء لصالح خطة غزة الكبرى ليس حبا في غزة وانما رغبة في التخلص من المستنقع الإرهابي الذي وقع فيه.
وبحسب الخطة المعلنة غزة الكبرى، فان العالم سيشهد قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل يعترف بها العالم مقابل التخلي عن المطالبة في القدس الشرقية وحدود عام 1967م، وهذا يعني ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يحصل على دولة مستقلة في الضفة الغربية وانما سيحصل على سلطة تتمتع بالحكم الذاتي فقط، وبهذه الطريقة سيتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من ابرام معاهدة سلام دائمة ونهائية للصراع الذي طال امده. ومن الجدير بالذكر ان غزة الكبرى وفقا للمصادر التي نشرت الخطة ستكون دولة مستقلة ومنزوعة السلاح بشكل كامل لضمان امن إسرائيل من أية تهديدات مستقبلية.
ان نجاح هذه الخطة التي قيل انها لقيت مباركة الإدارة الامريكية يتوقف على عدم اعتراض القيادة المصرية نظرا لان الخطة لم تناقش رسميا في الاروقة السياسية المصرية، حيث يحتمل ان يعارض الساسة المصرين نوايا رئيسهم الى حد ما، كذلك من المحتمل ان تصطدم الخطة بمعارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سيكون هو وحركة فتح الخاسر الأكبر وفقا لهذه الخطة، حيث ستحصل حماس على دولة مستقلة ذات سيادة بينما تتبخر أحلام عباس الذي سيبقى رئيسا لسلطة مكبلة بقيود الحكم الذاتي في مناطق يسيطر عليها الإسرائيليين جملة وتفصيلا.
ان المفارقة العجيبة والغريبة هي ان إسرائيل دائما تفاجئ المحللين السياسيين والمراقبين والمهتمين في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، حيث غالبا ما تمنح إسرائيل اعداؤها المتشددين امتيازات وصلاحيات أكبر بكثير من تلك التي تمنحها لمن يوصفون بأنهم اصدقائها او عملائها، فمثلا منحت إسرائيل حقوقا وامتيازات لحزب الله اللبناني وسلمت له جنوب لبنان بل لبنان كاملا بالرغم من الخطابات النارية المتبادلة، كما شجعت إسرائيل نفوذ إيران في دول الشرق الأوسط رغم الخطاب الإعلامي الناري المتبادل، واليوم ها هي إسرائيل تمنح حماس دولة مستقلة وتدعم خطة غزة الكبرى رغم ادراج حماس في قائمة المنظمات الإرهابية المعادية لإسرائيل. هذه السياسة الإسرائيلية المتناقضة تجعلنا نشك في منهم أعداء إسرائيل ومن هم اصدقاؤها الحقيقيين.