د. عبده البحش
مقدمة:
مما لا شك فيه ان حادثة اغتيال الرئيس السابق علي عبد الله صالح رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام في الرابع من ديسمبر العام المنصرم على ايدي حلفائه الحوثيين شكل مفاجأة كبرى للرأي العام المحلي اليمني والاقليمي والدولي، حيث عبر السفير الاميركي لدى اليمن ماثيو تولر عن دهشته من هول الحادثة قائلا " لقد صدم المجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية من وحشية الحوثيين عندما قتلوا حليفهم علي عبد الله صالح في اول مواجهة عسكرية بينهما وبطريقة وحشية". الحقيقة التي لم يدركها علي عبد الله صالح هي ان الحوثيين كانوا يخططون لاغتياله منذ الوهلة الاولى لتحالفهما، كون الحوثيين يدركون تماما انه لا يمكنهم السيطرة المطلقة على شمال اليمن مالم يتخلصوا من حليفهم القوي صاحب النفوذ الشعبي الواسع علي عبد الله صالح.
الحوثيون لم ينسوا حروب التمرد الستة التي خاضوها ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، والتي خسروا فيها الكثير من قياداتهم الرئيسية وعلى رأسهم حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتل في العاشر من سبتمبر عام 2004م، ولذلك كان التحالف مع صالح بالنسبة لهم فرصة ذهبية للاستفادة من نفوذ صالح لبسط سيطرتهم على اليمن او على الاقل شمال اليمن ومن ثم التخلص من علي عبد الله صالح انتقاما لمقتل القائد والمؤسس الاول للحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي، اما صالح فقد كان ينظر الى التحالف مع الحوثيين كفرصة سانحة للاستفادة منهم في التخلص من خصومه التقليديين وهم حزب التجمع اليمني للاصلاح (الاخوان المسلمين) والجنرال علي محسن صالح الاحمر (نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي حاليا) وكذلك ابناء الشيخ عبد الله بن حسين والاحمر وعددهم عشرة ابناء على رأسهم الشيخ الملياردير والقيادي في حزب الاصلاح (حميد عبد الله بن حسين الاحمر) واخيرا التخلص من الرئيس عبد ربه منصور هادي ومن حكومة الوفاق الوطني، كذلك كان صالح ينظر الى التحالف مع الحوثيين على انه فرصة ثمينة لفتح صفحة جديدة من العلاقة الطيبة كخطوة اولى على طريق تبديد الاحقاد والمخاوف والتوترات ومن ثم بناء جسور من الثقة بينه وبين الحوثيين على قاعدة الشراكة والمصالح المشتركة على امل ان يؤدي ذلك الى نيسان الماضي الدموي بين الجانبين وخاصة دم القتيل حسين بدر الدين الحوثي.
صالح الذي عرف بالذكاء والمراوغة السياسية طيلة فترة حكمه لليمن، اخفق هذه المرة في التعامل مع الحوثيين انطلاقا من سوء تقدير قوة الحوثيين وانطلاقا من اساءة فهم النوايا الشريرة الحوثية المبيتة تجاهه، الخطأ الفادح الذي ارتكبه صالح تمثل في تسليم معسكرات الحرس الجمهوري وقوات الامن المركزي للحوثيين وهي القوات الضاربة التي كان صالح يعتمد عليها في سحق خصومه ومعارضيه، وهذا الخطأ كان بمثابة الضربة التي قصمت ظهر صالح دون ان يشعر، فضلا عن تسليم مخزونات الاسلحة الاستراتيجية والذخائر للحوثيين وهو ما يشير الى ان صالح كان يراهن على اوراق سياسية اخرى في تعامله مع الحوثيين، منها تغيير خارطة التحالفات السياسية من خلال العودة الى التحالف مع ال الاحمر والجنرال علي محسن صالح وحزب التجمع اليمني للإصلاح، ومنها الرهان على القبائل اليمنية الموالية له والتي تشكل اغلبية ساحقة في مقابل الحوثيين الذين يشكلون اقلية عرقية ومذهبية في اليمن، لكن الحوثيين كانوا يقرأون ويراقبون تحركات صالح اولا بأول، ولذلك قرروا التخلص منه بشكل سريع وقبل فوات الاوان، مما شكل صدمة كبيرة وغير متوقعة لانصار صالح افقدتهم توازنهم وشلت حركتهم وقدرتهم على المقاومة.
أسباب الخلاف بين صالح والحوثيين:
مما لا ريب فيه ان الخلاف بين صالح والحوثيين كان امر حتمي خصوصا للمطلعين عن قرب في تفاصيل الشأن اليمني بشكل عام والتحالف الانتهازي بشكل خاص، الذي جمع بين النقيضين ان لم نقل بين العدوين اللدودين صالح والحوثيين، لا سيما وان ذلك التحالف نسج خيوطه على مستوى القيادة الرأسية للمؤتمر الشعبي العام والحوثيين، فيما كانت الجماهير المؤيدة لكلا الطرفين غير مقتنعة وغير راضية بذلك النوع من التحالف المشبوه، ومع مرور الأيام كانت الهوة تتسع بين الطرفين، اذ عم السخط والاستياء والشعور بالظلم والمهانة والمذلة بين جماهير المؤتمر الشعبي العام الموالين للرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد ان سيطر الحوثيين على كل مفاصل الدولة وطردوا منها اتباع صالح او قيدوا حركتهم بفرض مشرفين عليهم من الحوثيين، مما جعل وجود اتباع صالح في الوظائف العامة للدولة مجرد حضور شكلي لا اقل ولا اكثر.
حاول صالح ان يتدارك هذه المشكلة الخطيرة التي اثارت تذمرا واسعا في صفوف حزبه من خلال تشكيل سلطة مشتركة بالمناصفة مع الحوثيين، فأسسوا المجلس السياسي الأعلى وشكلوا حكومة انقاذ وطني في صنعاء، غير انه لم يعترف أحدا بتلك السلطة والحكومة وهو ما مثل خيبة امل لتحالف الانقلاب، وبدلا من ان تؤدي تلك الخطوات الى تخفيف حدة التوترات بين الجانبين وتقود الى تعزيز الشراكة والتعاون حدث العكس من ذلك كله بسبب ان الحوثيين رفضوا حل اللجان الثورية التي تسيطر على المؤسسات المدنية، كما رفضوا سحب اللجان الشعبية التي تتولى المهام الأمنية في صنعاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، كما اصر الحوثيين على إبقاء زمام قيادة المعارك في كافة الجبهات في قبضتهم من خلال اللجان الشعبية والقيادات العسكرية التي فرضوها على معسكرات الجيش اليمني الموالي لحليفهم علي عبد الله صالح.
أدرك صالح وحزبه مؤخرا ان لا فائدة من استمرار التحالف والشراكة مع الحوثيين خاصة بعد ان فرضوا مشرفين على الوزراء الموالين لصالح، حيث كان يقوم المشرفين الحوثيين بممارسة السلطات الفعلية لتلك الوزارات التي كانت من نصيب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده علي عبد الله صالح، والادهى من ذلك والامر ان الحوثيين سيطروا على كافة المؤسسات المالية للدولة وسخروها لخدمة حركتهم وميليشياتهم الطائفية والعرقية، وقاموا بمنع صرف مرتبكات الموظفين والاستيلاء على الاحتياطي النقدي في البنك المركزي البالغ قرابة أربعة مليار دولار زائدا الوديعة السعودية البالغة مليار دولار، فضلا عن نهب الاحتياطي النقدي المحلي، وبهذه الخطوة اصبح صالح وحزبه خارج اللعبة السياسية وخارج حسابات القوة والتوازنات.
بعد مرور عام كامل على انقطاع صرف مرتبات الموظفين مدنيين وعسكرين، قرر صالح التحرك ضد التفرد الحوثي بالسلطة والثروة وصناعة القرار، فبدأ إعادة تنظيم صفوف المؤتمر الشعبي العام من خلال اللقاءات التي كان يجريها مع قيادات الحزب في مختلف المحافظات اليمنية وخاصة المحافظات القريبة من العاصمة صنعاء تحت شعار الاعداد للاحتفال بذكرى تأسيس حزب المؤتمر في 24 أغسطس من العام الماضي، لكن الحوثيين توجسوا من تلك التحركات ونظروا اليها بعين الشك والريبة، ومن المرجح ان الحوثيين استطاعوا اختراق منظومة صالح ودائرته الضيقة من خلال العناصر الهاشمية المدسوسة في قيادة حزب المؤتمر الشعبي العام وفي المنظومة الإعلامية الخاصة بالرئيس صالح، وعليه قرر الحوثيين التصعيد ضد احياء تلك المناسبة وحشدوا انصارهم ومسلحيهم الى العاصمة صنعاء وعززوا دورياتهم الأمنية داخل العاصمة ونشروا القناصة في اسطح المباني العالية، وحاصروا ميدان السبعين من كافة المداخل المؤدية اليه، مع تصعيد في الخطاب الإعلامي من كلا الجانبين، ادرك صالح صعوبة الموقف، فقرر الاتصال مع القيادات الحوثية من اجل اقناعهم بالسماح للمؤتمر بإقامة الفعالية في موعدها 24 أغسطس العام الماضي، ويذكر ان حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني تدخل شخصيا واقنع الحوثيين بالسماح لصالح في إقامة الفعالية، لكن ضمن شروط الحوثيين، ومنها ان توجه الفعالية بشعاراتها وخطاباتها ضد ما اسموه العدوان السعودي الأمريكي الإسرائيلي، وتمتين الجبهة الداخلية في مواجهة ما اسموه العدوان ورفد الجبهات بعشرات الالاف من المقاتلين، وعلى مضض اقام صالح مهرجانه الجماهيري في ميدان السبعين بحضور جماهيري شعبي واسع في أجواء من الرعب والخوف والحذر الشديد والاستفزاز الحوثي المقصود تمثل في اطلاق النار على الحشود في ميدان السبعين ومصادرة الشعارات الخاصة بالمناسبة واعتقال بعض الناشطين المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام، مما شكل صدمة ونكسة كبيرة لآمال وطموحات انصار صالح التواقين للتخلص من سيطرة الحوثيين.
معركة الحي السياسي واغتيال صالح:
تصاعد الاحتقان بين الطرفين او الحليفين صالح والحوثيين، على خلفية المهرجان الجماهيري الذي أقامه المؤتمر في ميدان السبعين، حيث أجرى الحوثيين استعراضا عسكريا في ميدان السبعين في نفس اليوم، وبالتحديد قبل مغرب يوم 24 أغسطس كنوع من الاستفزاز والتحدي لحليفهم علي عبد الله صالح وانصاره، وبعد أيام قليلة استحدث الحوثيين نقاط تفتيش بالقرب من منازل علي عبد الله صالح واقاربه في منطقة حدة، وتم اعتراض احد أبناء صالح في جولة المصباحي منطقة حدة، مما أدى الى تبادل لإطلاق النار بين الطرفين اسفر عن مقتل خالد الرضي المقرب من علي عبد الله صالح والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، وعلى اثرها اندلعت اشتباكات بين الطرفين، لكن وساطات قبلية تدخلت وأوقفت تلك الاشتباكات. وعلى اية حال فان تلك الاشتباكات كشفت مدى الضعف المزري الذي وصل اليه صالح وانصاره رغم الشعبية الساحقة التي يمتلكها صالح في مقابل قلة الحوثيين، حيث يقدر ان حوالي 80% من السكان المحليين ينبذون الحوثيين مقابل نسبة 20% يؤيدون الحوثيين وهم قسمين الأول الهاشميين (اهل البيت) وهم يشكلون حوالي نسبة 10% والثاني المتحوثين من غير السلالة الهاشمية وهم يشكلون حوالي نسبة 10% لكن الحوثيين لا يثقون بهم ولا يعتمدون عليهم في القضايا المصيرية والحساسة، وانما يستخدمونهم كحطب ووقود في معاركهم العبثية ضد اليمن ومحيطه العربي الخليجي مقابل منحهم بعض المبالغ المالية والوظائف الهامشية العامة.
أظهرت المواجهة الأولى بين الطرفين قدرة الحوثيين على التحكم والسيطرة، كما كشفت عن قدرتهم الفائقة وحسهم الأمني العالي في الإمساك بزمام الأمور وجعل العاصمة صنعاء بكافة مداخلها وجبالها وتبابها وشوارعها واحيائها السكنية في قبضة أيديهم مع الإبقاء على مربع صغير داخل العاصمة صنعاء يتحرك فيه صالح واقاربه وهو المربع الذي تقع فيه بيوتهم والذي يمتد من الحي السياسي الى شارع صخر جوار مركز الكميم حيث يقع منزل صالح، ومع ذلك فان المربع كان محاصرا من كافة الاتجاهات بالنقاط الأمنية الحوثية وذلك بهدف منع صالح من مغادرة صنعاء الى أي جهة أخرى، لقد كشفت المواجهة مدى فعالية المليشيات الحوثية وقدرتها على التحرك والاستنفار والاستعداد والجاهزية للمواجهة وكذلك اتضح جليا الدقة العالية في التنظيم لتشكيلات المليشيات الحوثية، وفي المقابل قوة جماهيرية عارمة واغلبية ساحقة مشتتة ومبعثرة ومنكسرة معنويا ومحبطة نفسيا نتيجة لأنها أصبحت بدون قوة عسكرية وسلاح فعال مطلوب للاستخدام في المعركة ناهيك عن الفقر والجوع الذي حطم تلك الأغلبية ودمرها بشكل شبه كامل، فضلا عن تعرض تلك الأغلبية الى الاذلال والاهانة على مدى ثلاثة اعوام.
أدرك الحوثيون ان صالح وانصاره لن يسكتوا على الاقصاء والتهميش ولن يسمحوا للحوثيين بالسيطرة على السلطة والثروة والتحكم في صناعة القرار السياسي بمفردهم، ولذلك جعلوا صالح تحت المراقبة المشددة وبيتوا النية للتخلص منه نهائيا لكي يتسنى لهم الانفراد بالحكم وتنفيذ الاجندة السياسية والثقافية الخاصة بهم وعلى رأسها نشر التشيع والعمل على تكريس فكرة ولاية الفقيه في أوساط الجماهير اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم والتي تمتاز بكثافتها السكانية، حيث تشير التقديرات الى ان حوالي نسبة 70% من السكان يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيين، ولذلك انتظر الحوثيين للحظة السانحة التي تمكنهم من اغتيال علي عبد الله صالح بسرعة قياسية وبأقل الخسائر الممكنة، فكانت مناسبة الاحتفال بالمولد النبوي هي الفرصة المناسبة للحوثيين والتي يقيمونها في 12 ربيع الأول من كل عام، حيث صادفت تلك المناسبة يوم الخميس 30 نوفمبر 2017م، فقد طلب الحوثيون من صالح السماح لهم باستخدام ميدان السبعين لإقامة احتفالية ذكرى المولد النبوي فوافق على ذلك ثم طلبوا منه استخدام جزء من حديقة جامع الصالح وخاصة الجزء المحاذي لميدان السبعين لغرض ما زعموه تأمين المناسبة فوافق على ذلك، لكن الحوثيين غدروا وهجموا على جامع الصالح ودخلوا الى داخله بهدف السيطرة عليه، مما اضطر حراسة الجامع الى الدفاع والاشتباك مع الحوثيين وطردهم الى خارج الجامع وقد أدى ذلك الى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وعلى الفور سارع الحوثين الى محاصر منازل علي عبد الله صالح واقاربه في حده والحي السياسي وشارع صخر واشتبك الحوثيين مع الحراسة المكلفة بحماية منازل صالح واقاربه، وفي تلك الاثناء تدخلت وساطات وأوقفت القتال بين الجانبين مع بقاء الطرفين في متارسهم، وعندما انتهت الاحتفالية عاد الحوثيين لمهاجمة المربعات الأمنية الخاصة بصالح واقاربه واستخدم الحوثيين الدبابات والمدرعات والمدفعية الثقيلة والصواريخ ومختلف الأسلحة الثقيلة والرشاشات من يوم الجمعة 1 ديسمبر 2017م واستمرت المعركة حتى صباح يوم الاثنين 4 ديسمبر 2017م، وانتهت باغتيال علي عبد الله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وعارف الزوكا الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام، واعلن الحوثيين سيطرتهم على منازل صالح واقاربه في شارع صخر والحي السياسي.
أظهرت معركة الحي السياسي ان الحوثيين كانوا قد عقدوا العزم على التخلص من حليفهم علي عبد الله صالح الذي ساعدهم وامدهم ومكنهم ووفر لهم الغطاء السياسي والقبول الاجتماعي، فقد اتضح بشكل جلي وعلى لسان الوسيط الشيخ إسماعيل الجلعي الذي كان يقوم بدور الوساطة ويلتقي بالحوثيين وصالح من اجل إيقاف القتال قوله ان سقف الحوثيين كان عاليا وهو الاستسلام مقابل إيقاف الهجوم، وقال الجلعي انه عندما ابلغ صالح بالعرض الحوثي أجاب صالح انه يفضل الموت بكرامة دون ان يسلم نفسه للحوثيين، وعلى اية حال فان كل المعطيات والمؤشرات تفيد بأن الحوثيين استخدموا المناسبة كذريعة لتفجير المعركة ضد صالح بهدف القضاء عليه والدليل على ذلك اقتحام جامع الصالح وقتل حراسته، فضلا عن ان الحوثيين قبلوا الوساطة في البداية وكانت منهم خديعة فقط لغرض التفرغ للاحتفال بمناسبة المولد النبوي ومن ثم العودة لاستئناف المعركة وتنفيذ المخطط المسبق الذي يرمي الى اغتيال علي عبد الله صالح.
التنكيل بعائلة صالح وقيادات حزب المؤتمر:
لم يتوقف العنف الحوثي على اغتيال علي عبد الله صالح فقط، وانما جرت عمليات عنف مروعة عقب عملية الاغتيال مباشرة ضد أقارب علي عبد الله صالح وضد الموالين له وخاصة قيادات المؤتمر الشعبي العام، حيث تفيد معلومات شبه مؤكدة ان الحوثيين قاموا بإعدام حوالي الف شخص من الموالين لصالح كما قاموا باعتقال اكثر من ثلاثة الاف شخص من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام والمقربين من صالح، وتشهد العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين عمليات قمع غير مسبوقة لدرجة انه لا يجرؤ احد على المطالبة بحقوقه المشروعة ومنها الراتب الشهري، وفي سياق عمليات التنكيل الحوثية ضد أقارب صالح والموالين له، قامت مليشيات الحوثي بمداهمة بيوت أقارب صالح واعتقالهم ونهب ممتلكاتهم وكذلك فعلت مع الموالين لصالح، كما قامت مليشيات الحوثي بقتل واعتقال عدد من المشايخ القبليين الذين انتفضوا في مناطقهم تأييدا لعلي عبد الله صالح ومن ثم تفجير منازلهم في عمران وحجة والمحويت. من ناحية أخرى يقوم الحوثيون بفرض الإقامة الجبرية على قيادات المؤتمر الشعبي العام في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم وخاصة أعضاء مجلس النواب لمنعهم من الفرار الى المناطق المحررة والانضمام الى الحكومة الشرعية وتأييد التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ولذا يمكن القول ان الحوثيين حولوا صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتهم الى سجن كبير لا يسمع فيه صوت سوى صوت الحوثيين فقط، هذا ويفرض الحوثيين على التجار وأصحاب المحلات التجارية دفع اتاوات اجبارية لما يسمونه المجهود الحربي، وفي السياق ذاته قام الحوثيين بحجز أموال وممتلكات المعارضين السياسيين، فضلا عن عمليات النهب الواسعة التي شملت الاف الأشخاص، وبالإضافة الى ذلك يقوم الحوثيين بإجبار الأهالي على تجنيد أبنائهم ضمن مليشيات الحوثي او ارغامهم على دفع مبالغ مالية ناهيك عن عمليات استدراج الأطفال من المدارس وتجنيدهم ضمن قوام المليشيات الحوثية.
السيناريوهات الممكنة لتحرير صنعاء:
من الواضح ان المليشيات الحوثية تعيش حاليا في أصعب مراحلها بعد ان اصطدمت مع حليفها صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، ولذا فان المليشيات الحوثية تعاني من عزلة اجتماعية غير مسبوقة، وهو ما يوفر خيارات متاحة وناجحة للقضاء على تلك المليشيات او اجبارها على الانسحاب من صنعاء والمدن اليمنية ومن المؤسسات الحكومية وتسليم السلاح وقبول الحلول السلمية والخيارات الديمقراطية وفقا للمرجعيات الثلاث ومنها القبول بفكرة اليمن الاتحادي، ومن تلك السيناريوهات الممكنة ما يلي:
السيناريو الأول: يتمثل هذا السيناريو في تكثيف التنسيق بين قيادة التحالف العربي وكبار الضباط الموالين لعلي عبد الله صالح وكذلك التنسيق والتواصل مع كبار قيادات المؤتمر الشعبي العام في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وكذلك التنسيق والتواصل مع القيادات القبلية المتذمرة من الحوثيين ومن ثم دعم واسناد تلك المجموعات بالمال والسلاح اللازم لقيام انتفاضة فعالة ومستمرة من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين مع اسناد تلك التحركات بعمليات قصف جوية ان تطلب الامر ذلك. وفي هذا السياق يجب التركيز على المناطق القبلية المتاخمة للعاصمة صنعاء بشكل أكبر كون ذلك سيؤدي الى اقتحام العاصمة من كافة الاتجاهات مع مراعاة عدم اغفال تحريك بؤر انتفاضة حقيقية في بقية المناطق الأخرى لغرض تشتيت قوة المليشيات الحوثية التي لن تقوى على مواجهة انتفاضة القبائل اليمنية التي هي بالطبع غالبية اجتماعية ساحقة.
السيناريو الثاني: يمكن من خلال استخدام هذا السيناريو تحقيق النصر او الأهداف المرسومة للتحالف العربي في اليمن وخصوصا استعادة السلطة الى الحكومة الشرعية، وذلك من خلال التركيز على تقدم القوات البرية من منطقة نهم بمساعدة الطيران والتنسيق مع قبائل أرحب التي تعد ذات اغلبية معادية للحوثيين، فضلا عن الاعتماد على قبائل خولان وسنحان وبلاد الروس وقبائل همدان في مؤازرة الجيش الوطني وقوات التحالف العربي لاقتحام صنعاء وتطويقها من كافة الاتجاهات وسيكون ذلك يسيرا نظرا لان غالبية السكان في صنعاء ينتظرون من يخلصهم من قبضة الحوثيين الحديدية، هذا السيناريو يعتمد على قطع رأس الافعى أي الاستيلاء على العاصمة صنعاء لأنه بمجرد تحرير صنعاء ستنهار مليشيات الحوثي في بقية المحافظات وستتحرر تلك المحافظات بدون قتال.
السيناريو الثالث: يعتمد هذا السيناريو على اسلوب الحرب الشاملة والذي يقتضي تحريك كافة الجبهات مع التركز على تحرير الحديدة والسيطرة على الميناء الرئيسي الذي يغذي الحوثيين بالأموال والسلاح المهرب، كما انه من الأهمية السيطرة على الساحل الغربي بشكل كامل واخضاعه للمراقبة حتى لا يتم امداد الحوثيين بأية أسلحة قادمة من إيران او اية جهة أخرى، كما يجب التركيز على تقدم القوات البرية من شرق صنعاء صوب العاصمة بالتزامن مع قصف جوي مكثف لتجمعات الحوثيين حول العاصمة صنعاء وكذلك الضرب المركز لمقرات القيادة والسيطرة الحوثية داخل العاصمة صنعاء مع عمليات قصف مركزة تستهدف منازل القيادات الحوثية داخل العاصمة وخاصة في حي الجراف وحي الروضة ومنطقة حزيز في الضاحية الجنوبية للعاصمة صنعاء وكذلك توسيع القصف ليشمل منازل قيادات الحوثيين في كل مكان، وهذا بالتأكيد سيؤدي الى انهيار المليشيات الحوثية ومن ثم تحرير العاصمة صنعاء بالتزامن مع عمليات مكثفة تهدف الى تحرير محافظة البيضاء واب وتعز والحديدة.