د. عارف الحوشبي
-----
عدن تلك المدينة الساحرة التي استعارت من الجنة أحد أسمائها.. عدن من دخلها لأول مرة لا يشعر أنه غريبٌ فيها، جمعت فيها كل المتناقضات، وتصارع عليها الجميع ما بين حكام محليين وغزاة أجانب، أحبها الجميع، الوطنيون والانتهازيون، وعلى أبوابها تناحر الرفاق، وعلى أسوارها تقاتل الأعداء..
طيبة أهلها جعلتها قبلة لكل طامح ولكل طامع، وتجلياتها ألهمت الشعراء، ومعالم حضاراتها القديمة جعلت منها بغية كل سائح، جمعت المسجد والكنيسة وسكنها العربي والأجنبي، مر على ترابها المحبون والمبغضون فرحلوا جميعآ وبقيَ الأثر، كانت أمانا للخائفين دون تمييز وأيا كانت جنسياتهم أو أصولهم أو دياناتهم، كانت وطنا لمن فقد وطنه، وبيتا لمن رحل عن بيته.
أتذكر وأنا طفلٌ صغير حينما كنت أسافر برفقة أبي إلى عدن فكنت أشاهد فيها أناسا يبدو من ملامحهم ولغاتهم أنهم ليسوا من أبنائها ولكنهم يتحركون فيها هنا وهناك وكأنهم في أوطانهم وبين أهليهم.
إنها عدن التي قال عنها أحد الشعراء القدامى وهو يجيب تساؤلل لإبله التي يممت مسيرها نحو عدن:
تقول عيسي وقد يمت نواظرها..
لحجا ولاحت ذرى الأعلام من عدنِ
أمنتها الأرض يا هذا تريد بنا..؟
فقلت كلا ولكن منتهى اليمنِ
ومن اجمل الأبيات المغناة قصيدة للشاعر الأمير العبدلي أحمد فضل القمندان والتي يقول في مطلعها:
إذا رأيت على شـمســــان من عـــدن
تاجًا من المزن يروي المحل في تُبن
قل للشـــبيبــــة نبغـــي هكــــذا لـــكمُ
تاجًا من العلم يمحو الجهـل في اليمن
عدن موطن المصلحين الصالحين كالعيدروس والهاشمي، ومن ذا الذي لم يسمع عن رجل الاصلاح الداعية محمد بن سالم البيحاني،
فمهما تحدثنا عن عدن فإن سفر الحديث عنها سيطول ويطول..
عدن التي ألهمت أرواح الشعراء في الماضي ها هي اليوم تلهب قلوب المحبين بآلام الحاضر المرير ..
عدن اليوم جرحها نازف،
فبعد أن احتضنت الجميع أخرج بعضهم خناجر الغدر المسمومة فغرزوها في صدرها الحنون الدافئ..
عدن تسأل كل قاتل وظالم:
لماذا أيها القاتل تقتل أبنائي؟
لماذا تغرز خنجرك المسموم في احشائي؟
أيها القاتل إنني أمك، فلماذا تقتل أخاك؟ لماذا تستهدف من أولادي كل من هو بار وصالح ومن حمى حماي؟
ما هو الجرم الذي ارتكبته حتى توجه بنادقك إلى صدور من ذادوا عن حماي وحافظوا على شرفي وحموا كرامتي؟
عدن تقول لهم: لعناتي ستلاحق كل معتد باغ..!!