?احمد عبدالملك المقرمي
هناك حكاية حقيقية جرت في إحدى قرى و عزل منطقة الشمايتين بتعز، بطلها رجل اسمه سعيد.
كان سعيد شابا فتيا، أوكل إليه أهل تلك القرية مهمة حماية مزروعاتهم من القِردة و الرباح ، و يسمى من كان يقوم بهذه المهمة ( مشارح).
كان معه زملاء يشاركونه هذه المهمة، غير أنه تميز عليهم في القيام بأداء مهمته في حماية وحراسة المزارع من الرباح الذين كانوا – كما يحكي من عاصر تلك الفترة – يهاجمون الحقول و المزارع على مدار ساعات اليوم و حتى في الليالي المقمرة ! و كان حراس الحقول أو المشارحون يتولون مسألة التصدي للرباح و ملاحقتهم؛ لطردهم بعيدا إلى الجبال، و كان سعيد هذا ماهرا جدا في قذف الحجارة التي كانت تصيب بعض الرباح في مقتل.
كان ما يميز سعيد عن غيره من المشارحين الحضور الدائم و الملازمة المستمرة لعمله في الحقول، و الأكثر من ذلك أن جاهزيته كانت في حالة استعداد على الدوام، فإذا ما هاجمت القردة أو الرباح الحقول وتصدى لمطاردتها المشارحون في الشعاب و المرتفعات أو ثنايا الجبال، و ليس لديهم غير الحجارة التي يقومون بقذفها عليهم، كان سعيد يضع مسبقا – حين عودته من مطاردة سابقة – على كل مرتفع كمية من الحجارة المستديرة أو المدببة و التي ينتقيها بعناية، حتى اذا ما احتاج لمطاردة جديدة كان يجد مبتغاه من الحجارة جاهزة أمامه على طول الطريق و في كل مرتفع أو منعطف.
و لتميزه و الإصابات المباشرة التي كان يوقعها في الرباح، و التي كان يقتل بعضها بالحجارة، واعتماد كل المشارحين عليه، فقد كان هؤلاء وهم يقومون بتلك المطاردات يبتهجون بما يفعله سعيد، فإذا بهم يصرخون من كل جهة : ألا ياسعيد .. ألا ياسعيد! و بشكل يومي، حتى غدا هذا الصوت : ألآ يا سعيد ألا ياسعيد، يمثل اقترانا شرطيا عند الرباح؛ فيفرون لمجرد سماعه .
و انتشر التخويف بسعيد حتى لدى القرى المجاورة التي تلقفت النداء فكانت تنادي على القردة هناك : ألا ياسعيد.. ألا ياسعيد! فتخاف الرباح و تفر عند سماع هذا النداء المتكرر .
و حتى حينما كان يغيب سعيد أو ينشغل لسبب أو لآخر، بعيدا عن المزارع و الحقول، كان الشراح الآخرون – الذين قلنا أنهم من يحمي المزارع – يرددون دائما النداء في كل حين : ألآ يا سعيد.. ألا ياسعيد، بالرغم من غياب سعيد.
هذه الحكاية الحقيقية تستدعيها الذاكرة باستمرار؛ أنه كلما قامت مسيرة أو مظاهرة حاشدة، في مدينة هنا أو هناك من اليمن، من أي مكوّن أو اتجاه، يقوم من يُجيّرها على الإصلاح، و سواء دعا لها أم دعا لها غيره، ليس بهدف المدح و إنما لحاجة في النفس. الفارق المهم أن الشراح كانوا يجيرون الأمر بإيجابية لسعيد، ذلك أن فطرتهم السليمة لم يلوثها الاستثمار السياسي البائس !!