سلطنة عُمان.. من عدم الانحياز الى الانحياز الكامل للحوثيين (الجزء الأول)
----------
علي البخيتي 15 أغسطس 2018م
تبنت سلطنة عمان بقيادة السلطان قابوس سياسة عدم الانحياز منذ وقت مبكر، حتى في أهم الأزمات التي عصفت بالمنطقة كانت السلطنة محايده ولها دور توفيقي بين المتصارعين، وظهرت حكمة السلطان في تبني ذلك النهج، فقد جنب مسقط الكثير من الأثمان التي دفعتها دول أخرى ومنها اليمن بسبب التورط في مواقف لم يكن من داعٍ لها.
وكما يقول المثل، غلطة الشاطر بألف، يبدو أن السلطنة قد تورطت بعلاقة مع الحوثيين تجاوزت بمراحل علاقاتها التي كانت تتبنى فيها سياسة عدم الانحياز، فأصبحت غرفة عمليات سياسية لهم مثلما بيروت غرفة عمليات إعلامية، وأضحى الحوثيون يسرحون ويمرحون في السلطنة وكأنها الضاحية الجنوبية لبيروت أو مشهد إيران.
ليس هذا فحسب، بل أصبح الحوثيون الطريق الوحيد بين السلطنة وبين مختلف التيارات والأحزاب السياسية والشخصيات اليمنية، ووساطتهم نافذه، وتحول المكتب السلطاني الى مكتب فيز وخدمات فندقية حوثية فيما يتعلق بالشأن اليمني، ينظر لليمنيين بعدستهم، ومن رضي عنه الحوثيين رضي عنه المكتب السلطاني ومن غضبوا عليه غضب عليه المكتب.
حتى قادة حزب المؤتمر، المقيمين في السلطنة، وجودهم ليس الا ديكور ليقال أنها تحتضن تيارات يمنية غير الحوثيين، لكنه محظور عليهم الحديث في السياسة مطلقاً أو توجيه نقد للحوثيين أو لإيران بسبب تدخلها في اليمن، حتى في الأزمة الأخيرة (ديسمبر 2017م) والتي راح ضحيتها الزعيم علي عبدالله صالح لم تخرج حتى برقية عزاء من أي قيادي مؤتمري مقيم في السلطنة ناهيكم عن توجيه نقد للجريمة الحوثية بحق صالح والزوكا وبقية رفاقهم، بينما يسمح لناطق الحوثيين وبقية قادة الحركة بمهاجمة كل خصومهم من اليمنيين بما في ذلك صالح والمؤتمر وحتى دول الخليج وعلى رأسها السعودية والامارات.
مسقط التي أجبرت الرئيس على سالم البيض على الصيام لأكثر من عقدين حتى أصيب بالخرس، هي نفسها التي يغرد منها قادة الحركة الحوثية ليل نهار للنيل من اليمنيين ودول الخليج التي تشارك السلطنة معهم في مجلس التعاون.
مسقط التي كانت قبلة لكل اليمنيين ولا ترفض أحد لاعتبارات سياسية يمنية أصبحت تمنع الكثير فقط لأن الحوثيين غاضبين عليهم، مسقط التي استقبلت الكثير من قادة الحزب الاشتراكي ومنهم الحضارمة والمهريين جيرانها بعد حرب 94م وألزمتهم بالصمت التام حتى عندما يغادرونها لدول أخرى طالما هم مقيمين فيها، أي أن الحظر كان يطالهم حتى في سفرهم، هي التي وبقدرة قادر تحولت في مجال الحرية الممنوحة للحوثيين وكأنها لندن أو باريس.
مسقط العربية بات يُنظر لها من غالبية اليمنيين باعتبارها مدينة إيرانية، ترضى عمن تحب طهران وحلفاءها وتمنع عمن ليس على وفاق معها.
ما الذي جرى لتترك السلطنة سياسة عدم الانحياز لسياسة الانحياز التام والتدخل المباشر؟، وكيف تورطت السلطنة في احتضان جماعة طائفية سلالية تكرهها غالبية الشعب اليمني ؟، وما هي مصلحتها من ذلك؟، وما هو الدور الإيراني؟، وهل السلطان قابوس يعلم بما يقوم به المكتب السلطاني؟، ومدى تغول الحوثيين واللوبي الإيراني فيه وسيطرتهم على سياسته المتعلقة اليمن؟، وكيف تجازف السلطنة بعلاقتها مع 95% من الشعب اليمني من أجل أقلية لا وجود لها مطلقاً على حدود السلطنة ولا تربطها بها أية روابط؟، كيف تخسر مسقط أبناء المحافظات الجنوبية وهم جيرانها وبينها وبينهم روابط تاريخية من أجل جماعة تبعد مناطق تواجدها عن حدود السلطنة آلاف الكيلومترات؟، ما هي الحسبة التي جعلت المكتب السلطاني يغامر بكل تلك العلاقات والمصالح مع الشعب اليمني ودول الخليج من أجل جماعة انقلابية خسارتها للسلطة حتمية بفعل غبائها وجرائمها وعُقم عقلها السياسي؟، وهل صحيح أن إيران وتغولها داخل السلطنة وراء كل ذلك؟.
لا نريد من السلطنة تبني مواقفنا من الحوثيين، نريدها كما عهدناها، بدون انحياز لأحد، نريدها وسيط نزيه، نريدها حاضنة لكل اليمنيين مهما اختلفوا مع الحوثيين، نريد أن نرى فيها سياسيين من حزب الإصلاح ومن الحزب الاشتراكي والناصري ومن حزب الرشاد السلفي، نريدها سلطنة لكل اليمنيين وليس محمية للحوثيين.
لا نريد من السلطنة ان تكون تابعة للسعودية لكننا لا نريدها كذلك أن تبدوا تابعة لإيران وضاحية جنوبية جديدة لكن هذه المرة في الجزيرة العربية.
لا نريد من السلطة إعلان دعمها للتحالف فلدينا كذلك الكثير من المآخذ عليه فيما يتعلق بتدخله في اليمن وما يحدث من أخطاء جسيمة تودي بحياة الكثير، لكننا نريد من السلطنة كذلك ألا تتعصب مع الحوثيين في حربهم ضد اليمنيين ولا أن تكون محطة لتلقي الدعم الإيراني ولتحركاتهم السياسية والإعلامية فيما يُمنع غيرهم حتى من برقية عزاء.
لا أدري كيف سيكون موقف سلطنة عمان عندما تسقط سلطة جماعة الحوثيين، وستسقط حتماً طال الزمن أو قصر، فلا يمكن لجماعة تستعدي غالبية أبناء الشعب أن تستمر في الحكم، وبالأخص أنها جماعة كهنوتية طائفية متخلفة بينها وبين اليمنيين خلاف عميق وتاريخي ووجودي، وتجربة مريرة من حكم سلالي مارس سياسة الفصل العنصري والتمييز الطبقي لعدة قرون وتم اسقاطه في ثورة سبتمبر 1962، وسيتم اسقاطه للمرة الأخيرة قريباً، فهل فكر المكتب السلطاني في هكذا سيناريو؟، ومتى ستعود "مسقط" العربية بعد أن بات يُنظر لها وكأنها "مشهد" الإيرانية؟.... للحديث بقية في الجزء الثاني والثالث من المقالة