الويل لأمة يقودها التافهون

2020/06/15 الساعة 12:42 صباحاً

‏الويل لأمة يقودها التافهون

 

عثمان الأهدل ...

‏رحم الله من قال: "الويل لأمة يقودها التافهون، ويُخزى فيها القادرون". حينما يصبح زمام الأمر في أيدي التافهين الذين لا يميزون بين الغث والسمين تنقلب موازين العدل ويعلوا فيها الباطل، فيزداد الفضاء جورا وطغيانا تجتمع فيه قوى الشر تعيث في الأرض فسادا. وأسوء ما في المشهد هو عندما تنتكس أمة بعد أن كانت صاحبة العطاء والخير، تنشر المحبة والإخاء بين المجتمعات، فينقلب حالها لتغدو أحد أذرع الشر، وكأن لسان حالها يقول :{كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}.

‏والأكثر نكاية عندما يهدم الأبناء ما زرعه الأباء في نفوس الآخرين من حب وود، ويبدلونه بجلباب البغض والكراهية الذي لا يتناسب مع ما شب عليه نظامهم، فيبدأون بالتخبط والتوهان في أيادي قوى الشر المتمرسة، تقودوهم حيثما تجد مصالحها ولا ترعى فيهم إلاً ولا ذمة. فنحن لسنا ببعيدين عن تلك الحماقة، فظاهر حال أبوظبي التي اختارات أن تغرد خارج سرب الحق والعدل يعكس ذلك المشهد. ربما تلك الدولة الفتية التي لم تخض معارك التأريخ بما فيه الكفاية بعد، تريد أن تجعل لها مكانة بين الأمم كقوة ونفوذ، فعقدة النقص جعلتها تغفل إمكانياتها البشرية المحدودة.

‏وقيل في الآثر :{ رحم الله من عرف قدر نفسه }. ومن عرف قدر نفسه صانها وارتقى بها. "وكلٌ لما سُير له"، والشيخ زايد أخذ بتلك الحكمة وعض عليها بالنواجذ، وأدرك أن دولته الفتية لا يصلح لها إلا أن تكون حمامة سلام بين الأمم، وهذا ما عرفناه عنها منذ أن تأسست. ولكن تأب نفوس أبناءه إلا أن ينقلبوا على تلك الثوابت، ويجعلوها غراباً تنعق بعد أن كانت تنشر هديل الحمام عبر الأثير، ناقلة الخير والعطاء ونجدة لكل مستغيث.

‏فلجأوا بها إلى أرض العصابات لتبحث لها عن فتوة لتحتمي بهم ولتتعلم أسوء ما في هذه الدنيا، لعلها تجد لنفسها مكانة، غير مدركة أن أرض العصابات غابة لا يحكمها شرع ولا قانون، والكل يفترس بعضه، فالقوي يدوس على الضعيف، أو تغدو كالعاهرة تستخدم مفاتنها، كما قال د.عبدالله النفسي في معرض حديثه :{أن دولة الإمارات أصبحت كالعاهرة لا يُعرف لها صاحب}. فغدت تتخبط لا تعرف من ترضي، فبرهة مع هؤلاء وحين مع آخرين. لم تدرك أنها فقدت عذريتها وشرفها العربي الذي يصونها ويصون مكانتها بين العربان.

‏فاصبحت بين نارين لا تعلم كيف ترضي هذا الفارسي أو ذلك الصهيوني، فكلاهما له خططه ونفوذه. فتقاطعت مصالحهما ولم يجدا من يكون صالحٌ كساعي بريد يعمل لهما أفضل منها. فجعلاها  ألعوبه تمرر خططهم. فبدأت هذه العاهرة تجلب العار لأهلها وبني جلدتها، تسرق منهم لتلبي أطماعهما، تهدم بيوت أهلها وتقتل كل من يعارضها وكأنها أصبحت حبيسة المخدرات. فأقحمت نفسها مع هذين المخادعين لتشكل معهما مثلث الشر والرعب والإجرام. تصول وتجول محتمية تحت عباءة الشرف والعفاف، تتسلل بين قومها مثل الثعلب بكلامها المعسول، "تعطيك من طرف اللسان حلاوة وتروغ منك كما يروغ الثعلب".

‏ففرّقت القوم ودست الفتن وجعلت أهلها شيعا، وجمعت البواغي من حولها، فأتبعنها سعيا لمحاباة الصهيوني الفاتن بعد أن تغزلت في جماله وحسنه، وكأنه لا ولد في هذا البلد إلا هل الولد. فأقمن له حفلة في جزيرة الدعارة، ليبيع لهن بضاعة الوهن والكذب، فدخل عليهن وهنَّ فاغرات أشداقهن وكأنه يدخل على ضيفات إمرأة العزيز فوقّعنَ على عهود الدجل عميانا وعلى شهادات وفاتهنَّ مقدما. فهذا فيض من غيث وما خفي كان أعظم. بل أن تجاوزاتها وطغيانها بدعم قوى الاستبداد ضد شعوبها التي تبحث عن المساوى وسأمت الإستبداد، لهو الفجور بإم عينه خشيتها من أن ينتقل إلى ثنايا حكمها تلك المفاهيم السامية فيتداعى من الداخل وتهوي في مزبلة التاريخ.

‏والأنكى والأمر أنه لا ريع لها من خدمتها لقوى الشر، بل أنها ملزمة بدفع فواتير تخريبهم، وكأن الأمر مفروض عليها ولا رجعة فيه إلا بثمن، ولا سيما أن سجلها الإجرامي قد وضعها مع أهلها في وضع حرج وطريق اللا عودة. فهي كما يقول المثل : "لا طالت عنب اليمن ولا بلح الشام". فقد رمت بنفسها في في نفق مظلم نهايته مقصلة  العدل والحق الذي لا رحمة فيه لمن خان الأمة وغدر بها. أما قوى الشر والعصابات ليس في قواميسهم كلمة وفاء، فالمصلحة هي الرابط الوحيد ومتى انتهت طفت على السطح مظاهر الخيانة والغدر. ولا شك بعد أن بدأت كل أمالها تتبد في ليبيا واليمن ومحاولاتها البائسة في الانتصار، بدأ حبل المشنقة يلتف حول رقبتها رويدا رويدا، فالأيام حُبلة ولا ندري ماذا ينتظرها من خزي وكوارث.