عثمان الأهدل ...
فن دمى الخيوط يعود تأريخيا إلى الفراعنة والصينيين، واليابانيين، وبلاد ما بين النهرين وتركيا. كانت تُستخدم في التعليم والترفيه والتشويق. أما في الغرب فقد كان المهرجون ينتقلون باللعبة ويتجولون بها من مكان إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى، وكانوا يرتادون المدن والقرى النائية لإسعاد الصغار والكبار على حدٍّ سواء.
ولسان حالنا في الوطن العربي يكاد لا يختلف، كنا أطفالا ننتظر المهرج بشغف لايوصف، كانت أيام جميلة ننتظر فيها قدوم صندوق عرائس الخيوط أو الدمى. كنا ننتظر ذلك المهرج بصندوقه ذوي الأرجل النحيفة الطويلة. يركزه وقلوبنا تنبض تلهفا لمشاهدة تلك العجائب، ثم يشرع ذلك المهرج يجمع أموال الفرجة قبل أن يبدأ. أما الآن وبعد أن هرِمنا أصبحنا نرى دمى الخيوط في كل مكان مجانا، غدونا نخشاها ولا نحب أن نراها أو نسمع عن أحداثها، تروى لنا قصصها المأساوية التي لا تنتهي.
صرنا نرى دمى في معارك لا نهاية ولا قرار لها، مسلوبة الإرادة. تحركها أصابع قوى خارجية شريرة، غير آبهة بحياتنا وأرواحنا، تحرك جيوشنا وكأنها أحجار الشطرنج تُسقط بعضها البعض. أو كما قال بول فاليري مع بعض التحريف في مقولته : "حروبنا غدت مجزرة تدور بين سفهاءنا لا يعرفون ماذا اعتراهم يقاتلون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض".
وفي موقف غريب يظهر لنا غسان سلامة مندوب هيئة الأمم المتحدة، ليزيل اللثام عن حجم المؤامرات التي تحاك لنا في أروقة ذلك المجلس، الذي للأسف لا زلنا مرهونيين لهذه الهيئة التي لا تهتم إلا بمصالح خمس دول فقط. منظمةٌ الهدف منها خدمة حفنة من المجرمين تسيطر على مفاصل الإقتصاد العالمي، حتى ولو أدى ذلك إلى قتل نصف الكرة الأرضية.
وفي المقابل بدأت تتساقط أوراق الخريف عن مؤامرة عالمية كانت على وشك أن تحدث، لولا لطف الله لكنا نحن العرب في مقدمة الأمم في خبر كان، فانقلب السحر على الساحر، كما ذكر ذلك الدكتور زغلول نجار في إحدى لقاءاته المتلفزة. ذكر أن جائحة كورونا هي إحدى التجارب على الأسلحة البيولوجية، التي تم فيها تعديل في الهندس الوراثية لفيروس التاجي ليكون أكثر فتكا. ولكن فلت زمام الأمر منهم، فاصبحوا يدفعون الثمن باهظا، وكأن رجاءنا وتضرعنا بالله لم يذهب هباءً منثورة، دعاؤنا بأن يرد كيد من أراد بنا سوءاً إلى نحره، وأن يشغله في نفسه.
انشغلت قوى الشرى العظمى بحجم الخسائر الفادحة التي تكبدتها في الأرواح، حتى وصل الأمر نفوق ٧٥ ألف شخصا في يومٍ واحدٍ، عدى الإصابات التي تجاوزت المليونين حتى الأن. إنها أمريكا الألة المدمرة والمتحكمة في العالم، إنها فروعن زمانها، تقول أنا ربكم الأعلى، لا ترون إلا ما أريكم، ولا تسمعون إلا ما أسمعكم. فتنفس المسلمون نوعا ما الصعداء، فجنت تركيا انتصارات في ليبيا ولا زالت تحصد المزيد. حتى أن فرعون مصر الذي كان يتبجح بأن يحارب في صحراء ليبيا تراجع عن غيّه خشية الهزيمة النكراء التي قد يتكبدها، حينما أدرك أن قوى الشر أشغلها الله في نفسها، وأن مصيرها بات مجهولاً ولن نستطيع مساندته.
والدول الأوروبية العظمى ليست ببعيده عن ذلك، غدت مثقلة بالديون جراء الخسائر الفادحة التي عرتها وأظهرت مدى هشاشة نظامها الصحي، مقابل الدول الإسلامية والعربية التي كان عليها نوعا ما بردا وسلاما. فتركيا مثلاً دولة رغم كساد الإقتصاد العالمي، إلا أنها حققت نموا ليس بالهين في الربع الأول من هذا العام مقارنةً بالماضي، حيث تجاوز عن ٤.٥٪ . فاغدقت على الدولة الأكثر تضررا بمساعداتها الطبية وفي مقدمتهم قطاع غزة الذي تم تجاهله تماما.
وفي الجانب الآخر الأشد خبثا هو أن من يدفع مصر إلى الإنتحار في غياهب الدمار، الذي قد تواجهه في ليبيا، هو نفسه من يستثمر في تعطيشها من جراء احتباس نهر النيل في إثيوبيا. يتعاملون مع الموقف بازدواجية غبية قد تعود إليهم بكوارث لا يحمدون عقباها. غير مدركين أن مصر وتركيا هما من المفترض أن تكونا السد المنيع الذي يحد من خطورة الغرب على الأمة. وأما جامعة الدول العربية التي تنحنح أعضاءها ضد مساندة تركيا لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، لم ينبسوا ببنت شفة عن كارثة سد النهضة. قد يكون السيسي هداه الله هذه المرة وأدرك ما يحاك له ولبلده استعداداً لنحرها وتقطيع أوصالها وزوال حكمه، جعله يقلل من حدة تصريحاته، وكأنه عدَلَ عن القرار.
فهل سنشهد تقلبات في العلاقات بين دول المنطقة بعد أن تم إزالة لثام المؤامرات، أم سيستمر الغباء السياسي مخيما حتى يحل عليهم العذاب، وحينها لن يكون لهم وقت لعض أصابع الندم.