أكتوبر وانحدار المفاهيم

2020/10/15 الساعة 04:28 مساءً

 

محمد بالفخر

     احتفلت الجماهير اليمنية بالذكرى السابعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر التي انطلقت في العام 1963م واضعة في أهدافها تحرير البلاد من المستعمر البريطاني الجاثم على أرضنا بما يزيد عن قرن من الزمان، وكما هو معروف أن قيام ثورة أكتوبر كان بعد مضي عام على قيام ثورة 26 سبتمبر في الشمال اليمني والتي كانت بمثابة الدافع الرئيس لقيام ثورة أكتوبر في الجنوب اليمني بغض النظر عن الشطط الحاصل في هذه الأيام من محاولات حثيثة من قبل البعض لصياغة تاريخ جديد في محاولة لتمريره على الأجيال الحاضرة والقادمة وممن لم تعش تلك المرحلة،

جميل جداً أن نحتفل بهذه الذكريات وكان الأجمل لو أن هذه الثورات حققت أهدافها وسارت بالوطن الى مصاف الدول المتقدمة وحققت للشعب الحد الأدنى من الرفاهية المقرونة بالعدالة الاجتماعية والشراكة في السلطة والثروة، لكن للأسف الشديد أن شيئاً من هذا لم يحصل ولو أعددنا كشفاً للمراجعات الحسابية لما تم إنفاقه على الاحتفالات الوقتية بهذه المناسبات فقط لوجدناها ارقاماً فلكية كان الوطن والمواطن بأمس الحاجة لها ولكن!!

ثم إذا عدنا بالذاكرة الى الخلف قليلاً وسألنا أنفسنا لماذا قامت هذه الثورة وضد من أقيمت؟ وقبلها ثورة سبتمبر؟ والجواب معروف لدى معظم الناس ولن يخرج عما هو معروف أن سبتمبر كان هدفها القضاء على الحكم السلالي الكهنوتي الذي جثم على معظم الأراضي اليمنية لما يقارب ألف عام وأكتوبر كان هدفها طرد المحتل البريطاني الذي احتل الجزء الجنوبي بما يقارب 129عاماً،

إذن كان من البديهي جداً في ذاكرة الشعوب الحيّة والواعية أن لا رجعة للفكر السلالي ولا يمكن بحالٍ من الأحوال السماح بتغلغله من جديد ناهيك ان يتاح له السيطرة والتمكين وكذلك ينبغي أن تكون الذاكرة حية تجاه من احتل بلدك 129 عاماً ولم يصنع فيها من شيءٍ يذكر إلا ما كان في خدمة جنوده ومواطنيه،

خرجت بريطانيا فلنقل مجازاً تحت ضربات ثوار أكتوبر وعجلت برحيلها شهرين كاملين ليكون في نوفمبر 1967م بعد أن كان مقرراً في فبراير1968م بناء على خطة لجنة تصفية الاستعمار،

وخرجت دون ان تتحمل تبعات استعمارها الطويل فلم تلتزم للدولة الوليدة بأبسط الضروريات ولو ميزانية تشغيلية لعدة أعوام على أقل تقدير،

وشغلونا من سُلِمتْ لهم مقاليد الحكم وعلى مدار ربع قرن ومن خلال اعلامهم ومناهجهم الدراسية عن بطولاتهم الخارقة ضد الاستعمار الانجلوسلاطيني وترنّم الناس بأغاني (برع يا استعمار ومسيكين القائد البريطاني ارتبش) وغيرها، وارتفعت عالياً ثقافة النضال ضد الامبريالية العالمية والرجعية العربية وزادت حدة العنف الثوري ضد من أطلق عليهم عملاء الاستعمار البريطاني في الداخل،

وعلى الرغم من أن وسائل الاعلام تبث بين الحين والآخر مقاطع مما صورها البريطانيون أنفسهم من قمع وتنكيل بالمواطنين العزّل نجد ممن تصدر المشهد في غفلة من الزمن يصف احتلال 129 عاما  ما هو إلا شراكة وتعاون بين المٌستعمِر والمُستعمَر كلام غير مستغرب منهم بعد أن أصبحوا أداة من أدوات اجندات احتلالٍ جديدة وقالوها بصريح العبارة فليأخذوا الجزر والموانئ هدية وكرماً منهم طالما سيمكنوننا من حكم البلاد كما استلم أسلافهم من بريطانيا الحكم قبل نصف قرن ضمن صفقة مريبة لم تُكشفْ أسرارها بعد،

السؤال الأخير هل سنبقى هكذا رهائن لعبث العابثين وطيش المراهقين ولا ندرك ابسط ما يحاك ضدنا وضد بلادنا.

فهل ندرك الحقيقة ونعي المخاطر المحدقة بنا؟

أرجو ذلك. وتحية أكتوبرية لكل الأحرار.
 /