بلاطجة في حضرموت (3)

2020/10/29 الساعة 08:24 مساءً


محمد بالفخر
     أشرت في المقالين السابقين الى ظاهرة يفترض أنها غريبة على أي مجتمع محسوب على المدنية والحضارة فكيف واذا كان هذا المجتمع هو احد المجتمعات التي تدين بالإسلام والأصل فيه رفض هذه الظواهر جملة وتفصيلا، وأشرت الى أن غياب الدولة في شكل مسؤوليها من عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والبعد عن صفات القاعدة التي ذكرها ربنا سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم على لسان ابنة شعيب (إنّ خيرَ من استأجرت القويّ الأمين) فهذا هو السبب الرئيس فيما سيأتي بعده وأتت مظاهر الجشع والطمع فيما لدى الآخرين ولها أسبابها الكثيرة ومنها عدم التوزيع العادل للأراضي بين مستحقيها وطالبيها وبين من صرفت لهم بالإضافة الى نشؤ مجاميع لا تهمها الا نفسها فلم يقتصر هذا الأمر على المدن الرئيسية والكبيرة بل انتقل حتى على مستوى القرى الصغيرة والأرياف البعيدة، فبعد حرب صيف 1994م تولى فروع إدارة الإسكان ومصلحة العقار وهيئة الاستثمار من كانت عليهم ملاحظات كبيرة وحاول حينها محافظ حضرموت الذي استلم المحافظة وهي تكاد تخلو من أي مظهر من مظاهر التنمية بعد ربع قرن من توقف عجلة الحياة فيها لا أحد يذكر من محاسن تلك الفترة الا ما يذكره بعض السذّج من العوام أن علبة الحليب كان سعرها 25 شلن ونسوا أن سعر نظيرها وأجود منها بمراحل في ذلك الوقت في دول الجوار بما يعادل عشرة ريال سعودي،
المهم أن المحافظ كان يصرف بعض المساحات لبعض الأشخاص مقابل القيام ببعض الخدمات كسفلتة طرق أو انشاء مباني لبعض الإدارات والهدف منه تحسين المحافظة وانشئت إدارة متخصصة لذلك، وأيضا جاءته أوامر رئاسية بصرف مساحات شاسعة لمسؤولين ولشخصيات لم يستفد منها المواطن شربة ماء ناهيك أن يستفيد منها الوطن شيئاً وبين عشية وضحاها باعوها بملايين الدولارات تنعّموا بها وبنوهم بعيدا عن الوطن وهمومه، حتى ذكر لي المحافظ الخولاني حينها عن شخصية حزبية شهيرة جاء ينازع في أرضية صرفت لمشروع خيري أنه صرف له وبتوجيهات رئاسية مئات القطع وفي مخططات متعددة هذا مثال واحد فقط وفوق هذا لم يترك هذه القطعة لذلك المشروع،
وايضاً صرفت هيئة الاستثمار مساحات شاسعة ضمن طلبات لإقامة مشاريع استثمارية ومن شروطهم بدء العمل في المشروع في مدة لا تتجاوز ستة أشهر وإلا ستسحب منه الأرض التي منحت له برسوم رمزية لا تساوي قيمة إطارات سيارته وكل ما عمله السادة المستثمرون في أراضيهم التي صرفت لهم أنهم قاموا بتسويرها حفظا لها من أي عابث غيرهم وها هي معظمها على حالها منذ ربع قرن ولم تسحب من أي أحد بل كثيرٌ منهم باعوها لآخرين بمبالغ فلكية، حتى أنه قيل أن احد المشاريع الحيوية التي أقيمت في المحافظة والذي جاء تبرعاً بنصف التكاليف من احدى الدول لم يجدوا له أرضا ليقام عليها مما اضطرّ الدولة لشراء الأرض التي وهبتها بمبالغ كبيرة من احد الذين صرفت لهم بالمجان، ويا بخت من نفّع واستنفع،
ثم بزغ هلال حضرموت الذي أضاف لاسمه بعض العشاق الباء الحضرمية ليصبح باهلال فازداد العبث والصرف ولكن لمن؟ الجواب يتلخص في السجع المعروف (أرى الناس قد مالوا الى من عنده مالُ وأرى الناس قد ذهبوا الى من عنده ذهبُ)
حتى مخططات الحدائق المفترضة والمتنفسات التي سيرتادها الغلابا والمساكين لم تسلم وحظي بها البلاطجة الكبار وأهم صفاتهم الولاء للقائد الرمز والمؤتمر،
الحديث لم ينته بعد والأحداث السياسية الجارية اصابتنا بالملل لما تحمله من مؤشرات الضياع فما أحببت الخوض فيها فقد نكمل بعض الاستشهادات من أعمال البلطجة في موضوع قادم ان شاء الله،