قراءة الحاضر من خلف قضبان الصراعات القديمة

2021/01/21 الساعة 08:21 مساءً

 

من يقرأ تاريخ الجنوب السياسي الحديث سيجده فصولًا مكررة من الاحتراب السياسي بين قواه السياسية،ومكوناته الاجتماعية، لتخشب العقل السياسي،وبدائية التفكير العصبوي القائم على النزعة المناطقية التي لم تستطع نيران الصراعات أن تجلو خبثها، وعجزت الأجيال المتعاقبة عن طي صفحات أدران أحقادها وضغائنها،بالرغم من تجاوزها لمعطيات الصراعات التي أوجدتها، وزوال الأسباب المباشرة التي خلفت هذا الفصام الذي أنتج بدوره عقلًا سياسيًا يستلهم أهدافه من مخزون عواطفه المتخمة بالأحقاد،فظل الفعل السياسي أسيرًا 
لمشاريع عصبوية،ذات أهداف ثأرية، تسيطر عليها نوازع الانتقام،ويوجهها شبق الاستحواذ والسيطرة،فظلت هذه العقلية تدور دائمًا خارج مدارات الواقع، لعجزها عن التخلص من رواسب صراعاتها العقيمة،التي أورثتها شلالًا في التفكير لعدم قدرتها عن تجاوز البقع المتسخة من تاريخيها، التي حوَّلها الإصرار إلى قوالب فكرية جاهزة،وإطار  ثقافي ثابت،لاتستطيع التفكير خارج قالبها الفكري،أو التعاطي مع الأحداث، والمتغيرات خارج إطار نسقها الثقافي،جعل منها الإصرار والتكرار ثقافة مسيطرة على العقل الجمعي للمجتمع،وسلوكًا عامًا للأفراد والنخب، جعلت من الساحة السياسية حلبة صراع عاطفي تعج بالصراخ والصخب،بعد أن تخلى الجميع مكرهًا عن عقله،ليطلق العنان لأوهام عواطفه مرخيًا خطامها لرياح ردود أفعال الولاء والبراء،فهي وحدها من يرسم المسارات،ويحدد الخيارات،قبل أن تتحول إلى معيار للولاء والانتماء الوطني  .
لذا ظل تاريخ الجنوبي السياسي فصولًا مكررة من الاحتراب بين قواه السياسية،ومكوناته الاجتماعية،بسبب محاولات فرض الخيارات الأحادية التي تقوم على الولاء الأعمى للخارج، واختزال الوطن في منطقة،أو حزب،أو خيار،أو شخص،وما عليك إلا السمع والطاعة،ولا يحق لك الاعتراض،أو حتى السؤال عن كيفية المشروع وما هيته .
أمضى الجنوب قرابة خمس وعشرين سنة تحت خيار آحادي قسري،حددته فئة ارتهنت لقطب من أقطاب الحرب الباردة،فزينت واجهات المباني والمؤوسسات الحكومية بشعار الحزب عقل وشرف وضمير الشعب،فلم يكتف الرفاق بمحاولة إذابة الجنوب أرضًا وشعبًا في إيدلوجية تتناقض مع ثوابته الوطنية والقومية والدينية فحسب،بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة إذابة عقله وشرفه وضميره في إيدلوجية الحزب الذي كان معظم قادته لايفكون رموز القراءة والكتابة !
 ومن هنا بدأت بذور الثقافة العقيمة في النمو،مشيدةً أركانها على أساس نظرية لا أُوريكم إلا ما أرى، لتتناسل منها الكوارث و المآسي منذ ذلك الحين وحتى اليوم، وستستمر إلى ماشاء الله،إذا لم نستطع إزالة آثار البقع المتسخة من العقلية الجمعية للمجتمع ،ورؤية الواقع من خارج  منظارها الفكري المتخشب،والتعاطي مع أحداثه بعيدًا عن استحضار إفرازاتها العقيمة .

              سعيد النخعي  
          20/يناير/2021م