محمد بالفخر
في الأسبوعين الماضية ركزت مقالاتي بما يربطنا مع فلسطين وقضيتها التي هي قضيتنا وقضية كل الأحرار في العالم وإنك لتعجب عندما ترى احراراً في فنزويلا وبوليفيا وتشيلي وكوبا وغيرها من البلدان يقفون بكل قوة مع الحق الفلسطيني وفي الوقت نفسه تجد بعض الأعراب يقفون مع الصهاينة جنباً الى جنب ويستمد بعضهم البركات من حاخاماتهم، وأما الأتباع والطبول الجوفاء مثلُها كمثلِ النائحة المستأجرة التي تكثر من العويل ورفع الصوت بحسب ما تم دفعه لها لتنفيذ المهمة وفق الحاجة.
ونحن هنا نهدف التذكير برجالٍ من حضرموت خاصة كانت فلسطين قضيتهم، لعلّ اتباع الأتباع تتحرك عندهم الحمية ولا يسيرون خلف كل زاعق وناعق.
وفي مقال اليوم نتذكر رائد الفكر والشعر الحديث والمسرح في زمانه الأديب علي احمد باكثير رحمه الله الذي قال (لا حياة لأمة مبتورة الصلة بماضيها، لقد عالجت القضايا العربية كلها تقريبا من خلال مسرحياتي واهتممت بقضية فلسطين بالذات لأنها قضية العرب الكبرى وكتبت أول مسرحية عن فلسطين سنة 1944م، وهي (شيلوك الجديد) قبل النكبة، وبعدها (شعب الله المختار) و(إله إسرائيل)، وأخيراً (التوراة الضائعة) بعد نكسة حزيران سنة 1967م.
إنّ ما صدر من مؤلفات عن القضية الفلسطينية أنا راضٍ عن القليل منها وإن كنتُ أعتقد على العموم أنها جميعاً دون مستوى القضية بكثير وما زالت القضية تنتظر العمل الأدبي الذي يتكافأ مع جلالها وخطرها وأهميتها بالنسبة لمستقبل الأمة العربية والإسلامية. إن الرسالة التي يحملها الشعراء والأدباء هي أن يعمقوا إحساس الأمة بالمأساة الفلسطينية ويذكروها بأنها قضية حياة أو موت قضية مصير الأمة العربية والإسلامية كلها).
هكذا كان رحمه الله مع فلسطين وهكذا كانت تجري في شرايينه وسيطرت على لبه وعقله.
وقد قال رحمه الله في قصيدة محذراً ومنبهاً مبكراً من الصلح والتطبيع مع الصهاينة اليهود،
الصلحُ للعُربِ لحدٌ يُقبرون به وللعدا هو مهدٌ يكفل الولدا
إياكمو أن تَزِلّوا زلّةً عمما فتفتحوا لهم الأبواب والسُّددا
إذن تبيدوا على أقدامهم ضعةً إذن يعيشوا على أشلائنا رغدا
ما أبلغها من كلمات ومن تحذير لو وجد آذان صاغية وعقول مدركة لما وصل بنا الحال الى ما وصلنا اليه،
وصدق الدكتور حلمي محمد القاعود: حين قال.
كان باكثير رائداً من رواد أدب الحدس الصادق، وهو الأدب الذي يستشرف المستقبل، من خلال الماضي والحاضر، فكان سابقاً عصره، وكان غريباً في زمانه، لأنه رأى ما لم يره غيره أو رآه غيره وسكت عنه، فقد رأى ولم يسكت، ولكل هذا فإن باكثير عاش محنة التفرد والتميز والريادة والمكاشفة، ودفع الثمن غالياً عندما تعرض للحصار الأدبي والقمع الفكري والتجميد الوظيفي.
وقال باكثير ايضاً في ابيات تجسد واحدية الامة وكل بلدٍ فيها هي بلادنا جميعاً:
وددتُ لو أنى في فلسطين ثائرٌ لأهلي تنعاني الظبا لا القصائدُ
وفي برقة أو في الجزائر قاصمٌ ظهور العدا والباترات رواعدُ
فتلك بلادي لا أفرّق بينها لها طارفٌ في مجد قومي وتالدُ
ثمانون مليوناً يباهون كلهم بخير لغات الأرض والذكر شاهدُ
هذه كانت أمنياته لأمته العظيمة التي خصها الله بالرسالة وأنزل القرآن بلغتها العربية.
وقال عنه الأستاذ خيري حماد:
أبصرت الدمعات تتساقط من عيني الأستاذ باكثير وهو يقف عند شريط الحدود الفاصل بين قطاع غزة والأرض المحتلة على بعد أمتار قليلة، وهو يرى (الثكنة الإسرائيلية) وقد ارتفع عليها العلم الإسرائيلي،
رأيت عبرات باكثير فلم أتعجب فلقد أحب فلسطين كما أحب وطنه حضرموت وكل الوطن العربي، بل ان لفلسطين مكانة خاصة في نفسه رافقته طوال حياته، فلقد أحبها حباً عميقاً.
ونحن أيضا نحبها وسنورِّثه لأبنائنا ولن نحب أعداء الأمة كما أحبهم البعض.
/