دور تاريخ اليمنيين في دفع الغربيين لضربهم بالعصا الحوثية؟!

2021/07/03 الساعة 12:46 صباحاً


    #أد_فؤاد_البنا 
من يرى كيف تواطأ الغربيون على تأييد العصابات الحوثية؛ يستغرب كيف يقف من يُفترض أنهم دعاة الديمقراطية والحرية والعدالة والدولة المدنية والمواطنة المتساوية في صفوف من يعتقدون أن لهم حقا إلهياً في الحكم وأنهم أبناء الرسول وأحبّاؤه، ومن يفرقون بين الناس وفقا لجيناتهم الوراثية ولا يتورعون عن اغتصاب السلطة وتضريج الشرعية الدستورية والإجماع الوطني بدماء الانقلاب، ولا يتأخرون عن السطو على الأموال والأعراض بالقوة، ويفجرون مساجد ومدارس ومنازل المخالفين لهم ويصادرون مؤسساتهم وشركاتهم، ولا يترددون عن قتل من يشكّون بأنه ينتمي إليهم أو لا يدين للعصابة السلالية بالولاء، فما هي الأسباب التي جعلت الغرب يدعم تلك العصابات المارقة في إخضاعها لليمنيين بهذه الطرق الهمجية، رغم أنهم يرفعون شعارات الموت لأمريكا واليهود وسائر مخالفيهم؟!

من المعلوم ابتداء أن الساسة الغربيين لا يتخذون قراراتهم الحساسة إلا بناء على دراسات علمية دقيقة تقوم بها مراكز البحث العلمي التابعة للجامعات والمخابرات وحتى للشركات، حيث يتم معرفة أدق التفاصيل عن طبائع المجتمعات واتجاهاتها، وعن عوائدها وأعرافها، وعن نقاط قوتها وضعفها، وعن الظروف التي تنتج الظواهر التي يراد محاربتها أو التي ينبغي تعميمها في سبيل إضعاف تلك المجتمعات أضعافاً مضاعفة، وهكذا يتم تشريح المجتمعات الإسلامية تحت مجهر البحث العلمي، ويتم العبث بوعيها الجمعي واقتيادها إلى حيث تكره بخراطيم عواطفها الجياشة وانفعالاتها المنفلتة من عقال الوعي!

ويقوم بهذه الدراسات والأبحاث علماء في السياسة والاجتماع والتاريخ والنفس والاقتصاد، ويمتلكون قدرات تحليلية متميزة وقدرات عالية على التفسير والتنبوء والاستشراف، بجانب بنوك من المعلومات التي يتم جمعها من خلال عشرات الوسائل والأساليب التي لا يخطر بعضها على بال أحد! ويقدمون نتائج ما توصلوا إليه إلى صناع القرار في بلدانهم، وبدورهم فإن هؤلاء يترجمون هذه الخلاصات إلى قرارات ومواقف وإجراءات عملية تجد طريقها إلى الأرض، بطريقة منسابة وبأساليب ذكية ماكرة!

ومن المعلوم أيضاً أن صناع الاستراتيجية الغربية مهتمون بمنع استيقاظ ما يسمونه بالمارد الجبار الذي نام طويلا، وهو العالم الإسلامي الذي يعرف دوره ويستثمر إمكاناته في بناء مكانته، وبعدم السماح بتكرار الفتوحات الإسلامية لأوربا، سواء كان فتحا عسكريا خشناً كما فعل العرب في بلاد الأندلس أو العثمانيون في شرق أوربا، أو فتحا معنويا ناعما، كما فعل التجار والدعاة الحضارمة في جنوب شرق آسيا وفي شرق إفريقيا، ولا سيما أن حاجة الغرب للإسلام وأجواء الحرية قد شجعت بعض الدعاة لتبني هذا الموضوع، كما فعل الشيخ أحمد ديدات حينما رفع صوته قبل عقدين من الزمن بالقول إنه قد حان الوقت لفتح بريطانيا بعد أن كانت تحتل البلدان الإسلامية!  

وهنا نسأل فنقول: هل يُعقل بأن من يُجرون آلاف الدراسات التي تنقب عن أدق التفاصيل في حياة المجتمعات الإسلامية، هل يعقل أنهم لم يكتشفوا أن ٦٠% من الذين فتحوا شمال أفريقيا وجنوب أوربا كانوا يمنيين؟ ألم يعرفوا أن ٩٠% من الفتوحات الناعمة التي حدثت في جنوب شرق آسيا وفي شرق إفريقيا كان وراءها يمنيون؟ ألم تكن اليمن في طليعة ٣ بلدان إسلامية هي التي استعصت على الاستعمار الغربي في أوج قوته حينما كانت الشمس لا تغرب عن مستعمرات بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال وهولندا؟ ألم يثبت بأن قرابة نصف المقاتلين الذين ذهبوا للجهاد في أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفا والشيشان، جاءوا من اليمن؟ ألم يثبت أن اليمنيين رغم فقرهم وأوضاعهم المضطربة طيلة العقود الماضية ظلوا أصحاب عواطف إسلامية جياشة، حتى أنهم مثّلوا أكبر مدد مالي للشعوب والأقليات الإسلامية التي تعرضت لحروب أو لكوارث طبيعية في عصرنا، فكيف لو استقروا واستغنوا بعد استخراج ثروات بلادهم واتجاه طاقاتهم كلها من مضامير الصراع الهدام إلى ساحات التنافس البنّاء؟!

ولأن الباحثين الغربيين يعرفون ذلك تماما؛ فلا بد أن توصياتهم قد قدمت للساسة بأنه لا بد من إذلال هذا الشعب وتدجينه حتى ينشغل بنفسه ويكف عن مقاومة مشاريع الغرب الذي أعلن نهاية التاريخ وطفق يقضي على خلايا الحياة في هذه الأمة بل وعلى الخلايا التي أخبرت تجارب التاريخ أن الحياة يمكن أن تنبعث منها!

وبالطبع لا توجد أحزاب علمانية قوية في اليمن يمكن أن تمعن في إذلال الشعب كما حدث للشعب المصري مثلا، فكان البحث عن أقلية تشبه الأقلية النصيرية في سوريا التي نجحت في إلجام الشعب السوري الحر، وقد وجدوا ضالتهم في الأقلية الحوثية التي تنحدر من أقلية سلالية (الهاشمية)، وتتكئ على أقلية طائفية (الجارودية الهادوية)، بجانب أنها تعتمد على دعم إيراني غير محدود، وبعد ذلك فهي تستند على ميراث تاريخي غني بالمكر والغدر والخبث وبالضحك على ذقون الطيبين باسم الاسلام وبدعوى الخوف على اليمنيين من الاستعمار الغربي، وتطور الأمر إلى رفع شعارات (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل )، والتزيّن بالحديث عن الممانعة وادعاء الانتماء إلى معسكر المقاومة، والسير في طريق تحرير فلسطين، وتمتلك ميراثا ضخما من تدمير المساجد والمدارس القرآنية، وتعزز هذا الميراث في عصرنا بالحرب العالمية على الإرهاب والتي استهدفت مقومات أهل السنة محاولةً اقتلاع أشجار الحرية والكرامة والاستقلال من الجذور!

وهذا التقاطع في المصالح والتخادم في المواقف، هو الذي جعل الحوثيين يبدون شجعانا ولا يلقون بالاً لشيء وهم ينسفون خلال بضع سنوات أضعاف ما نسفه اليهود في فلسطين خلال بضعة عقود من مساجد ومدارس ومنازل ومؤسسات،  ويقتلون أضعاف ما قتلوا!