اليمن: عن الحجارة والتراب رؤيةٌ في خواص المادة واستخداماتها!

2021/12/22 الساعة 09:15 مساءً

منذ طفولاتنا يثار لدى أغلبنا من البشرِ ولَعٌ بفهم مادتين ، وأثرهما في تشكيل صيرورة الإنسان بين الحياة والموت.
أول هذين العنصرين هو الحجر!
في أول وهلةٍ فتحتُ فيها عينيَّ على أول نقشٍ كان ذلك في قرية تدعى (مارية) بالقرب من مدينة (ذمار) وسط اليمن ، حيث يعتقد أنها ذات أصول رومانية أو إغريقية وربما برتغالية أيضاً.
أدهشني هناك مرأى الحجارة مختلفةً عن حجارتنا في ذمار ، أحجار مارية التي أخرجتها من تحت الهضاب الترابية بعض الهزات الأرضية أو السيول الجارفة ، أصفرٌ ، أغلبه منقوشٌ بكتابات غريبة وغير مفهوم ، وبعضها العريض أو المتوسط الحجم أشبه بجدارياتٍ غامضةٍ يدل على أن حضارةً ما وُجدت ذات يوم في هذا المكان بغير الخط المسند الذي تميزت بها ذاكرات الحجر خلال العهود السبئة والحميرية والقتبانية والأوسانية القديمة وغيرها.
عدتُ في رحلات فرق الكشافة المدرسية إلى ذات هذا المكان في مارية ، لكن مركز اهتمامي هذه المرة كان في عيون وسحنات البشر.
عيون الناس هنا خضراءُ ، زرقاءُ تختلف تماماً عن عيون أهلنا العسلية والسوداء ، عيون أهلنا العرب في ذمار.
لون جلدتهم بيضاء أقرب إلى الإصفرار .. شيئٌ غريبٌ هنا ، لا تمكن فهمه بسهولة!.
شاهدتُ الأمر ذاته في مناطق أخرى من اليمن سأذكر بعضها بتحفظ على أسماء الأشخاص والعائلات ذات الأصول الفارسية والتركية والشركسية.
حملتُ معي هذا السؤال دون شعورٍ به حتى أوجعني أمام مدخل مبنى دولة الفاتيكان في قلب مدينة روما.
تخيلت أن أول تمثالٍ فيها رأيته , رأى في عيوني ذات السؤال الذي رأيته في عيونه .. 
قصور (روما) ومعظم إيطاليا تم بناؤه باستخدام هذه المادة لتشييد أعظم صروح الموروث البشري ، فهل حمل الرومان صخورهم إلى اليمن أن نقلوا بعضاً من صخور اليمن لتزيين بعض مآثرهم بها.
في مقالع الأحجار الصلدة الجيدة الخامات في شرق بعض مناطق ذمار كـ (الحبش والرخمي والعباصري) ما يفترض أنه يسترعي انتباه العلماء والبحاثة الجيولوجيين في فهم تطور الصخور وعلاقة هذا بحركة الجبال والقشرة الأرضية.
من ناحية أخرى سمة الحجر الأساسية هى الصمت ، بمعنى أنه رمز للجماد ، في حين أن التراب ناطقٌ ، وصارخٌ ، ونابض بالنبات حتى من خلال شقوق الحجارة الصماء. 
التراب:
بالانتقال إلى شرق اليمن لم تترك الدراسات الفلكية أي دليلٍ على أن هذه المنطقة كانت مجال مدار مطر غزيرٍ ، الأمر الذي يحير الكثير من الجيولوجيين في فهم الخلفية الطبيعة التاريخية لخصوبة تربتها الغنية بعناصرها المعدنية الملائمة لاستنبات غابات وحبوب نقدية كالقمح والشعير والعدس وبعض الفواكة مثلاً.
شكلت تهامة الشرق في مأرب وحضرموت وشبوة وأبين موسوعة من الوديان الخصبة المعتمد أغلبها على مياه السدود كما هو الحال في تهامة الغرب المعتمدة على مياه السيول القادمة من أمطار الهضبة الشمالية والوسطى.
لكن الأمر يبدو إثارة للإعجاب والذهول عند النظر إلى تلك المروج السندسية التي إزدانت بها تلك المروج السندسية من مدرجات المحويت وحجة وإب وتعز والعدين وبعدان ووصابين وغيرها التي تم بناؤها بالاعتماد على أطنان من التربة التي والحجارة أنشأ بها المزارعون اليمنيون الأوائل تلك السفوح الخضراء في المرتفعات الجبلية المنتشرة في أعالي تلك الجبال الغناء بالخضرة والنبات.
ما يذهل أكثر في الأمر أن ذلك النظام البديع في ري تلك المزارع بهندسة دقيقة بلغت ذروة الاتقان في الإلمام ليس فقط في الخبرة بمواسم المطر ولكن أيضاً في إدارتها بما يكفي لري تلك تلك المدرجات بما يكفي لتوفير حاجتها من المطر بمقادير متناسبة من المياة ثم التحول بهذه المياه عبر شبكات من السواقي التي كانت تفتح من المدرجات الجبلية في أعلاها وتذهب بالفائض من المياه نحو أسفلها على غرار ما أنشأته الملكة أروى بنت احمد الصليحي التي سمحت بوصول المياه إلى دلتا أبين جنوب البلاد.
ملاحظة:
قد أكون أخطأت في وصف جوانب من النظام الزراعي اليمني الموغل في القِدم والقائم على المزاوجة بين الحجارة والتراب ، لكنها رؤيةٌ تقبل النقد والتعديل والتصحيح والإضافة من القارئ الكريم خصوصاً أن صاحبها ليس خبيراً جيولوجياً أو مهندساً زراعياً ولا متخصصاً في مجال الري لكن هذا ما جال به الخاطر في إعادة ترميم الذاكرة الحضارية لبلدٍ إنتقل فيه الناس إلى الاقتتال على ما يغني الجميع ، صخور البلاد الغنية بعناصر معادنها كالذهب والنحاس والكبريت وحتى الإسمنت فضلاً عن أنواع تربتها الثرية لإنتاج أجود المحاصيل النقدية والفاكهة والأخشاب رغم شح مواردها اليوم بسبب التصحر والجفاف.