ثلاثة عقود ونيف مرت منذ أن كانت انطلاقة هذا الحزب الرائد ، انطلاقة غيرت كثيراً في تاريخ العمل السياسي اليمني ، وأسست لمرحلة جديدة عنوانها القدرة على التكيف مع واقع الوطن ، والاستجابة السريعة لمتغيرات المشهد السياسي الاقليمي والوطني بشكلٍ خاص ، ولان الاصلاح قارئاً جيداً فقد أسس بنيانه على أساسات متينه مكنته من الصمود أمام عواصف أُريد لها أن لا تمر عليه مرور الكرام ، فمرت بسلام.
في ذكرى تأسيسه الثانية والثلاثون حريٌ بنا أن نزف تهانينا العطرة لكل الذين اختاروا الاصلاح نهجاً ومنهاجاً ، وتجمعاً تفرد عن غيره بالتفاف أفراده حوله ، وصبرهم على نوائب الدهر وتقلبات أحوال السياسة في سبيل الحفاظ على ارتباطهم به ، وفي كل أحوالهم يرونه الأفضل والأجمل والأقدر ، وقد لفت نظري أنني عرفتُ بعضاً من أعضائه نساهم الاصلاح في زحمة الأحداث وتزاحم المتغيرات لكنهم لم ينسوه ، بل تراهم أكثر جرأة في الدفاع عنه ، وتمثيل مواقفه واحترام قراراته ، حتى لتكاد تعتقد أنهم يشاركون في صناعتها ، ويدفعون ثمناً لارتباطهم الأحادي هذا ، وبهؤلاء يغدو الاصلاح أكثر تاثيراً وأثبت مكانة ، وذاك لعمري هو سر البقاء وكلمة السر في العطاء ، وفاتحة الأمر وخاتمته ، فهنيئا من القلب ، وسلام من الأعماق في ذكرى التأسيس.
في كل مراحل العمل السياسي للإصلاح يشهد البعيد قبل القريب أن الإصلاح شكل التحاماً كاملاً بالمشروع الوطني الكبير تاركاً وراء ظهره كل المشاريع الصغيرة سواء جهويةً او سلاليةً أو ذات ارتباطات تتعدى الوطن إلى غيره ، ونتيجة لهذا الالتحام المتفرد بالوطن دفع الاصلاح ضريبة باهضة لا يمكن انكارها ، ووضعه الكثير في دائرة الاستهداف ، ناسين أو متناسين أنهم يستهدفون مكوناً وطنياً خالصاً لا يخص أعضائه فقط إنما يشكل دعامة أساسية في المشهد السياسي اليمني بل ركناً يستند إليه الكثير ، وبه وبكل القوى الوطنية يكتمل البناء ، ويطيب العمل ويستطاب التنافس.
يكفينا ونحن نستعرض مواقف حزب الاصلاح أن نلاحظ أنه وفي ظل ما نزل بالوطن منذ الانقلاب المشؤم في ٢٠١٤م اختار الاصلاح موقفا صريحاً واضحاً ، ووضع كل ثقله السياسي والجماهيري في صف الشرعية كقيمة اولاً، ثم كسلوك ضامن لاسقاط فكرة الانقلاب كقيمة سيئة وكسلوك منبوذ ينبغي ان لا يتأصل في العمل السياسي ، بينما اختار كثيرون من أرباب المشروعات الصغيرة العمل تحت ظل الشرعية لاسقاطها من الداخل!!! ومع هذا ليس ثمة خطر حقيقي على الاصلاح حين سلك هذا الطريق ، فكل قراراته وخطواته التي يدفع ثمنها تعدُّ صفحات بيضاء تضاف لسجله السياسي ، وعاجلا أو أجلاً ستكون مواقفه هذه رصيداً يمنحه تفوقاً شعبياً واحتراماً تفرضه هذه الممارسات المتمسكة بالقيم وليس بالاشخاص او المواقف الأنية.
أخيراً وبالمجمل ومهما كنتَ متفقاً أو مختلفاً مع مواقف وقرارات الإصلاح فلا مجال حين تقيِّم أداءه السياسي إلا أن تؤدي له التحية ، وكأي نشاط بشري يحتمل الصواب والخطأ إلا أنه يمثل نموذجاً متميزاً لما ينبغي أن تكون عليه المنظمات المدنية ، مع كونه ينشط في بيئة سياسية متقلبة ومسمومة ، وغنية بالدسائس والمتربصين.
دمتم سالمين.