اليوم وبعد 3000 يوماً من الاختطاف والإخفاء القسري للسياسي اليمني "محمد قحطان" لم تفلح كل هذه المدة في تغييب الرجل أو تغيبب القيم التي حملها ودافع عنها ، ودفع هو واسرته وكل محبيه ثمناً باهضاً ليس من السهل أبداً تحمُّله ، وخاصَّة حين يتعلق الأمر برجلٍ مسالمٍ لم يحمل إلا سلاح الحكمة ، ولم يسلك إلا دروب السياسة ، حاملاً هم الوطن الكبير لا سواه ، ويشكِّل اختطافه وتغييبه انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للفرد ، ومخالفة صريحة للقانون المحلي والدولي والإنساني ، إضافة إلى تصادمه مع القرار 2216 الذي ألزم الانقلابيين الإفراج عنه وعن القيادات السياسية المُختطفة.
"قحطان" الحاضر بقوة خلال سنوات التغييب شكّل مدرسةً متكاملةً في العمل السياسي ، وانتقل به من المُسايرة إلى المُبادرة ، وهذا ما جعل الضريبة التي يدفعها كبيرة ، ولأنهم أبعد مايكون عن التفاهم والتعايش لم يكن من وسيلة للانقلابيين الحوثيين لمواجهة حكمته إلا اختطافه وتغييبه ، وماعلموا أن الحكمة لا توقفها جدران المعتقلات ، ولاتطفئ نورها غياهب السجون ، وأن كل جرائمهم بحقه وحق اليمنيين تشكل لعنة لن تخطيهم شرُّها ، وطال الزمان أو قصُر فلن تسقط هذه الجرائم والانتهاكات بالتقادم ، وسيتحملون مسؤليتها القانونية والأخلاقية اليوم أو غداً ، وستظل وصمة عار تلحق بهم وإن حاولوا التملص والهروب أو غيروا الأسماء والوجوه.
منذ انقلابهم الأسود عمل الحوثيون على أن يُرُونا أبشع ما لديهم من شرور ، وتكفَّلت الأحداث منذ الانقلاب المشؤوم بإظهار على حقيقتهم القمعية الدموية، وهو ما ارادوا أن يخفوه متسترين بالمظلومية تارةً وبالتغطي برداء العمل السياسي تارةً أخرى ، لكن ما إن جائت إليهم الفرصة المواتية لإسقاط الدولة اليمنية ونهبها وتعطيلها حتى بانت حقيقتهم السوداوية التي ظلوا يضمرونها طوال عقود فذهبوا يقتلون الأبرياء وينهبون الأموال ويفجرون العمران ويحاصرون المدن ويختطفون المدنيين ، ولم يسلم أحدا من انتفاشتهم الدموية ، ومع أنه ليس للحرب محاسن لكن من محاسنها النادرة كشف حقيقة هذه الجماعة ، ومدى قدرتها على تنويع الأذى وتشكيل الوجع ونشر الفوضى والعبث ، وتحويل حياة اليمنيين إلى جحيمٍ لا يطاق.
بعد 3000 يوماً على اختطاف وتغييب قحطان من المُلِح جداً اليوم أن تتغير طريقة التعاطي مع قضيته ، وأن تكون ذات أولوية قصوى كونها تخص الجميع، وأن لا يفرط الجميع فيها كواجب أخلاقي وسياسي لا ينبغي تأجيله أو التملص منه ، ولابد من استمرار الضغط بكل قوة على الانقلابيين للإفراج عنه ومن تبقى من المختطفين في معتقلاتهم المشئومة، وبصفة عامة فمن الحكمة وحسن التقدير أن تتوقف فوراً سياسة المراضاة مع جماعة عنصرية لاتؤمن بالقيم ولا بالأخلاق ولا بالقوانين أثبتت الأيام والأحداث أنها لا تقبل التفاهم ولا تعترف بالتعايش ، ولم يكن أحد بمأمن من إجرامها ونكثها لكل العهود والمواثيق والاتفاقات.
دمتم سالمين ...