في أول اغسطس الجاري وقعت عيني على نسخة الكترونية من كتاب طازج صدر قبلها بيومين فقط (29 يوليو تحديدا)، لواحد من ابرز منظري جماعة الاخوان هو الكاتب العراقي عبدالمنعم العلي (اسمه الحركي محمد أحمد الراشد)، بعنوان "الردة عن الحرية".. يقدم الكتاب رواية "اخوانية" عن إسقاط الرئيس محمد مرسي مدعمة بمعلومات واسماء وشحنات عاطفية.. والكتاب موجه لخلايا التنظيم ووصل الى بريدي من شبكة ينابيع المهتمة بجديد الكتب.
لم أؤجل قراءة الكتاب بل باشرت قراءته لأهمية موضوعه وأهمية كاتبه الذي قرأت له كتبا ودراسات استنطقت من خلالها طرائق عدة للتفكير الحركي عند الاخوان ووجدت أن كثيرا مما ينظّر له الراشد يتحول لمفردات أداء بعد سنوات. علما أنني لا أعيش حالة فزع من الاخوان كتلك التي تسكن كثيرين بدافع عدم الفهم الكافي لحقيقة هذه الجماعة أو تأثرا بالدعاية القوية التي راكمت لدى كثيرين صورة سلبية عنهم فيها مبالغة وحيف. كما أنني في المقابل لا أعطيهم أكثر من حجمهم ولا أغض الطرف عن أخطاء بعضها استراتيجي، يقترفونها بين الحين والاخر في حق أنفسهم وقضيتهم.. لكني في الاجمال أرى فيهم عجينة خير يمكن انضاجها في فرن الدروس القاسية، وجموعا متحفزة يسهل حشدها حينما يتوفر لهذه الأمة العربية الحائرة مشروع وقيادة.
وعلى أية حال، لم أنم حتى أكملت قراءة 82 صفحة هي قوام كتاب الراشد المخصص عن قصة إسقاط الرئيس مرسي.. قدّرت ان الكتاب وان كان جهدا فرديا فإن خروجه للعلن هو قرار تنظيمي للإخوان وبالتالي سيفصح الكتاب عن طبيعة المخرج الذي تفكر به الجماعة بعد قرابة شهر من إسقاط مرسي والاعتصام المجهد في "رابعة" و"النهضة". وكنت آمل أن أعثر في سطور الكتاب على ما يشير الى تهيئة إخوانية لتبني خيار آخر غير البقاء في رابعة والمناداة بعودة الشرعية، مع محاولة الاستفادة من صمود المرحلة المنقضية للمناورة والتفاوض.. ولقد سررت حين وصلت في أواخر الصفحات الى ما أعتبره الغرض الحقيقي من كتابة الكتاب ونشره.. لقد شفى الكاتب غليل المنتسب الاخواني المحروق على اسقاط مرسي لكنه قاده بحكمة وحنان الى رحاب "وعسى أن تكرهوا شيئا..."، وسرد 15 فائدة تلقائية من إسقاط مرسي، ووصل في صفحاته الأخيرة الى أهمية تبني خيار ثان غير الاعتصام وهو العودة الى البيوت ودراسة عوامل الاخفاق والعمل بعدئذ بنَفَس طويل. ولقد سرني هذا التوجه ورأيت فيه عين العقل وأدركت أن فض الاعتصامات أصبح قرارا إخوانيا وهي مسألة وقت ولكن بسيناريو يحفظ ماء الوجه ويعمل على تقليل الخسائر.
اليوم.. وبعد المجازر المبكية بحق معتصمي رابعة، أكاد أجزم أن من ارتكب هذه المجازر كان يدرك جيدا ان الاخوان كانوا يحملون هم الانسحاب "المشرف" ويخططون لرفع الاعتصامات، لكنه يخشى من حدوث ذلك لأن هدفه، على ما يبدو، ليس إخراج الاخوان من السلطة بل من اللعبة برمتها. وإخراجهم من اللعبة يتطلب دفعهم لرد فعل أعمى أو وضعهم في ملابسات رد فعل متوتر.. لتظل مهمة الانقلابيين بعد ذلك، ملاحقة عناصر الاخوان "الموتورين"، وحراسة العالم من "شرورهم".
بحسابات الظرف الراهن، ربما كان الخروج القسري المؤلم من السلطة عبر تحالف مثلث الاعلام، الشارع، العسكر، أفيد للإخوان في تقديري من إسقاطهم الانتخابي بعد اكتمال فترتهم بواقع الفشل او الافشال.. وبرأيي أن ارتياب الانقلابيين من قدرتهم على الافشال دفعهم للتعجيل في إسقاط مرسي.. وكيفما كانت القراءات فإن الاخوان ومناصريهم، لا يستحقون (لا هم ولا غيرهم) هذا القمع والقتل والصمت والخذلان.. فالقمع يقتل ملكات التطور الطبيعي عند محدودي الجاهزية.. والخذلان ينزع ضوء المودة من القلوب والغدر يزرع الارتياب المخل.. وهذا لا يخدم مستقبل مصر. وكلامي هنا لمن يحب مصر.
وختاما؛ لست أدري كيف أصوغ بكلمات قليلة، أن كل خسارة تغرس أو تضاعف في قلوب أصحابها محبتهم لشعبهم ليست خسارة.. وأن المصريين عموما والاخوان خصوصا، مطالبون اليوم أن يتجاوزوا سريعا فترة الصدمة والألم وتوزيع اللائمة.. ليفوتوا على أعداء مصر تحويلها الى دمية في كف الوصاية الدولية التي ما دخلت دولة إلا وفككت فيها كل مظاهر السيادة والشوكة، وبعثرت كل أحلام التوافق والتدارك والأمان. والأوطان غالية، وتستحق أن يضحي الافراد والجماعات بمصالحهم حفظا للصالح العام.. ولتكن الثقة بالله الحي القيوم، وبشهامة الذاكرة الشعبية التي لا تَبخس ولا تَغل