خلافات أمريكا وبريطانيا تؤجل تقاسم اليمن ‏

2013/09/05 الساعة 02:28 صباحاً

استيقظت بريطانيا لترى الولايات المتحدة الأمريكية قد قطعت خطوات متقدمة لالتهام جنوب ‏اليمن. هكذا تريد واشنطن بمساعدة إيران، السيطرة على أحد أهم المواقع الاستراتيجية في ‏العالم والتي عاشت بريطانيا فيه أزهى عصورها.‏

عدن وباب المندب خط أحمر بالنسبة لبريطانيا.. حلمٌ أبدي لا ينقطع، طريق يقرر مصير ‏العالم، وموقع يشرف على 3 قارات، يستطيع المتحكم بباب المندب إذا ما كان لصاً كبيراً ‏بحجم دولة عظمى أن يقيم أزمات عالمية ويقعدها. كل ما عليه هو أن يفصله عن شمال ‏وجنوب غرب اليمن حيث الأغلبية السكانية والمناطق الجبلية. وفي نطاق سيطرته يحول كل ‏مديرية أو أكثر إلى ولاية مستقلة ثم ينام قرير العين هادئ البال؛ إلا من أصوات الرصاص ‏بين مجموعات المواطنين المنقسمة. ‏

تمتلك واشنطن أعداداً كبيرة من الموالين في اليمن متوزعين على شماله وجنوبه، ‏لكن الموالين لبريطانيا يتركزون في المحافظة الجنوبية التي خرج منها أخر جنود الإنجليز في ‏العام 1967 بعد أن حكموها لـ128 عاماً، ولم يكونوا يريدون الخروج منها لولا المقاومة ‏الشعبية الباسلة. ‏

الولايات المتحدة استخدمت أتباعها وأتباع بريطانيا وإيران وبعبع القاعدة بعد ‏حادث تفجير المدمرة إس إس كول في العام 2000، لتسيطر أمنياً على اليمن، وعلى ‏المحافظات الجنوبية خصوصاً، وأخرجت السعودية تدريجياً من المشهد لصالح إيران، وصولاً ‏إلى تأليف وإخراج مسرحية حوارية تمثل في إحدى فنادق العاصمة صنعاء وتفضي إلى نتيجة ‏محددة سلفاً تقسم اليمن إلى أقاليم مستقلة أو تطبق التجربة السودانية، بحيث ترث هي الجنوب ‏وتقسم الشمال إلى مجموعات منفصلة. ولم تكن لندن تعتقد أن هذا سيتمكن لواشنطن بكل ‏سهولة. أو ربما كان الاتفاق أن لبريطانيا نصيباً معتبراً.  ‏

عندما وافقت جميع الأحزاب في الحوار على التقسيم والأقلمة انتبهت بريطانيا إلى أن أمريكا ‏ستلتهم الكعكة وحدها واستيقظت ذات صباح وهي ترى الطائرات الأمريكية في سماء صنعاء ‏والبوارج والسفن الحربية على المياه اليمنية. هناك أعلنت حالة الاستنفار وأرسلت سفينة ‏حربية، كما وجهت جميع عملائها بالتصعيد. وربما أن الخلافات على الكعكة الجديدة في ‏المنطقة هي السبب الأول لعدم دخول واشنطن ولندن بمعركة واحدة في سوريا. فلسان حال ‏بريطانيا يقول: لا أريد نصيباً في سوريا المدمرة.. أريد جنوب اليمن الذي كان جزءاً من ‏المملكة المتحدة، حيث الموانئ والموقع المفصلي في العالم.. لا زالت أنفاس ‏البريطانيين تتذوق نسيم عدن. ‏

لسان حال الأمريكيين: أنفقنا جهدنا وخططنا لهذا الحوار، وإذا استمرت الخلافات ‏بيننا سوف يستفيد المحليون ويتفقون. لنتفق على مجموعة من المبادئ نتفاوض فيما سواها: لا ‏تراجع عن اقتسام هذه البقعة من الأرض وجعلها تحت السيطرة. لنقر مبدأيا من خلال هذا ‏الحوار أن اليمن سوف يقسم إلى أقاليم. وأن شمال الشمال من نصيب إيران بحكم الأمر الواقع. ‏وأن السلطة في صنعاء يجب أن يستمر إضعافها بفعل جهودنا. وأن المناطق المركزية ‏والوسطى والجنوبية الغربية كثافة سكانية وجبال وعرة عصية على السيطرة. كل ما علينا هو ‏فصلها، عن الجنوب الذي سنتفق لاحقاً عن حصة كل واحدٍ منا وحدود سيطرته ومجال ‏تحركاته. هذه وثيقة المبادئ الأمريكية البريطانية. ‏

بعد ذلك يخرج المتحاورون بوثيقة بعد أسبوعين أدرجوا خلالها جوهر الأهداف والمبادئ ‏الأجنبية المشتركة، مضافاً إليها تفاصيل غير هامة من اختصاص المحليين. ‏

بريطانيا تستدعي محمد علي أحمد إلى لندن لتدارس طريقة مناسبة للتصعيد وابتزاز واشنطن ‏بما يرفع حصتها من اليمن في اتفاق التقاسم الجديد. ‏

تكفلت واشنطن بدرجة أساسية باختراق السلطة وفرض السياسات التي تؤدي إلى سقوط ‏الدولة، سواء بالخديعة أو الإكراه، وتواصلت أيضاً عن طريق منظمات المجتمع المدني مع ‏المعارضة ورسخت لديها اعتقادات ونظريات خاطئة تزيد عداوتها نحو المحلي الآخر وثقتها ‏بالغرب «البريء المخدوع» بشائعات السلطة من المعارضة. وتكفلت أيضاً بالاختراقات ‏الأمنية وحملت لواء اختراق السيادة اليمنية والتدخل في الشؤون العسكرية والأمنية تحت ‏ذريعة محاربة «القاعدة». كما وفرت غطاءً سياسياً من السلطة والمعارضة أتاح للجماعات ‏الانفصالية والمسلحة التي ترعاها طهران ولندن وتل أبيب التحرك والتوسع وصولاً إلى ‏مرحلة «الصفر». هذه المرحلة التي حاولت دول الخليج منع اليمن من الوصول إليها عبر ‏المبادرة الخليجية، ليس حباً في اليمن، بل لأن مخطط الفوضى والتقسيم لن يستثني أحداً. لكن ‏الغربيين التفوا عليها عبر ملحق الحوار. ‏

كل ذلك أدى إلى هذا الوضع الذي يتفق فيه السياسيون على التقسيم كمخرج وحيد للهروب ‏إلى الأمام، لكنهم ما زالوا مختلفين على طريقة التقسيم وإلى كم يقسمون؟ حتى أن أحد ‏الأحزاب وهو الاشتراكي اليمني أكد في رؤيته أن اختيار شكل الدولة لا يأتي بمعزل عن ‏الأهداف الاستراتيجية للدول الأجنبية. أو بهذا المعنى. ‏

تأجيل موضوع عدد الأقاليم لا يعني ترحيل "شكل الدولة" فقد اقرت كدولة مركبة، لكنه ذو ‏شقين: إذا كان قد جاء كخطوة أولى لمراجعة جدوى الفدرلة من أساسها، فيمكن اعتباره مؤشراً ‏إيجابياً على أن القوى بدأت إدراك الأمر. أما الشق الثاني، فهو إذا كان الهدف من تأجيل ‏الأقلمة فقط تأمين الانتخابات الرئاسية وإكمال ترتيباتها. وستقوم كل مجموعة بفرض الأمر ‏الواقع على مناطق معينة وتعلن إقليما، وإذا لم تكن الدولة قد خطت فعلاً في سيطرة على ‏أراضيها ووضعت حداً للانفلات المتصاعد، فذلك يعني أن تأجيل عدد الأقاليم خدعة جديدة. ‏
غير أن الوضع قد يتعدى التفاوض الناعم والخلافات الناعمة إلى التتصعيد والصدام. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين