الحوثي ... شيءٌ من تفكيك الذهنية

2013/10/25 الساعة 02:44 صباحاً

انتشرت الظاهرة "الحوثية" سريعاً وانتفخت كورم سرطاني يقتات على انهيار
خلايا الدولة واستغلال الفراغ الأمني وعدم سيطرة مركز الحكم على أطراف اليمن وزعيمها يستند في كل هذا إلى "مسبحة" عتيقة تحصي القتلى كل يوم وقهوة "مُسكر" يستسيغ معها طعم الدم المتخثر وينسجم فيها مع "دربكة" الرصاص الواقع على رؤوس اليمنيين في "حجة" كزاوية صوفية ليس لها علاقة تماماً بزهد الغزالي ومكاشفات الحلاج وابتهالات النفري...

إنها ذهنية تمتلئ بأطماع سياسية لتقبيل "الركبة" وتوسيع النفوذ والوصول للحكم عن طريق النافذة المغلقة والباب الخطأ مستعيناً بالسلاح الخفيف والايدولوجيا الثقيلة "عابرة القارات"...

وفق هذه القاعدة يصبح الانتماء لإيران قبل الانتماء لليمن.

حقيقة هامة يجب أن يدركها كثير من أتباع الحوثي وهي أن حركتهم تسير كجسد ضخم مترابط يتغذى على أوهام الخطابات التعبوية التي تلعب على "سيمفونية" الصراع بين العرب من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة... إذ أن إيمان أتباع الحركة بأعداء وهميين كـ "أمريكا وإسرائيل" والتي يجعل منهما الحوثي "فوبيا" إضافة إلى ارتباط ذهنية أتباعهم بهاجس المؤامرات الدولية يجعل الحركة الحوثية داخلياً أكثر ترابطاً وتماسكاً...

ذلك أن شعوراً داخلياً يفترس كل شخص منهم بأن هناك من يتآمر عليك ويفكر في إبادتك ويتربص بك الدوائر...

هذا ما يفسر لنا نصب خيامهم إلى جوار بعضهم كتجمعات مكانية متماسكة وككتلة متلاصقة وكأنهم اقتطعوا قطعةً من أرض صعدة ونقلوها كما هي إلى ساحة التغيير بصنعاء حتى يقيموا جداراً عازلاً بينهم وبين المجتمع ويساهموا في منع عملية الاندماج المجتمعي بين أتباع الحوثي وبقية المكونات الثورية الأخرى والتي ظلت خيامهم منثورة ومتفرقة في طول ساحة التغيير.

يصف لنا علم الاجتماع شيئاً قريباً من هذا إذ أن الأيدولوجيا التي يتربى عليها الإنسان في واقع معزول تماماً عن حركة الفكر والثقافة وبما يسبب له ركوداً ثقافياً تنتج فرداً يؤمن إيمانا عميقا بأنه يمتلك الحق 100% وغيره يمتلك الباطل 100% ويحاول الوقوف ضد السنة الكونية التي تقضي بضرورة تنوع روافد الإنسان الفكرية والثقافية والبيئية متجاهلاً مقولة تاريخية شهيرة "الإنسان ابن بيئته" أيًا كانت هذه البيئة فإن هذا الإنسان سرعان ما يتنكر لحياته السابقة ويتحول إلى إنسان مختلف في حال وجود بيئة متنوعة فكرياً وثقافياً واجتماعياً لأنها تعزز عملية الاندماج المجتمعي مما يساعد في تفعيل قنوات الاتصال والاستقبال لدى الإنسان فيأخذ ويعطي ويستقبل ويرسل وبالتالي تتلاشى عنده فكرة أنه يمتلك الحق كاملاً....

هذا بالضبط ما حاول عبد الملك الحوثي أن يمنعه عن أتباعه المتواجدين إبان الثورة في صنعاء وفي ساحة التغيير بالتحديد....

يمكننا أن نضع هذا الكلام في مصطلح اسمه " غياب التلاقح الثقافي" .

وعلى مستوى النفسية ففرق كبير بين جدران شوارع مدينة يملأها الرائع "هاشم علي" برسومات تمجد ثقافة الحياة كمعنى عميق وتجسد ارتباط المخيال الشعبي والذاكرة اليمنية بمفردات الأرض والزرع والجمال وبين ثقافة الموت التي ملأت بعض جدران الشوارع القاسية بعبارات ترسخ ثقافة العنف وترفع جاهزية الحقد والكراهية تجاه الآخر بشعارات الموت الذي نرفعه لأمريكا وإسرائيل... لماذا يجتهد الفكر الحوثي لإنتاج إنسان كل همه أن يعيش فكرة الشر وثقافة الموت للآخر؟!!

أليس هناك مجال للتصالح مع الذات والآخر والعيش في حديقة هادئة لا "يزغرد" الرصاص في أجوائها ولا يشوه منظرها لون الدماء المسكوبة والجثث المتعفنة؟! على عبد الملك الحوثي وحده أن يجيب على هذا التساؤل الذي يضغط على رأسي بشدة وعليه أن يفكر في إجابته كل ليلة قبل أن يتحسس "مخدته" الدافئة ويخلد إلى نومه .

أيضاً تبقى عملية مسخ " هوية الذات " التي يمارسها "الحوثي" بحق أتباعه حساسة جداً فليس هناك فرق بين ملايين البشر في بعض الدول الذين يفتشون عن هويتهم في اسم أسرة حاكمة وبين آلاف اليمنيين في صعدة الذين تنتمي هوياتهم إلى أسرة "الحوثي" كعنوان للوجود الذاتي....

" يا صاحبي مقرفٌ جداً أن تربط وجودك في الحياة باسم أسرة أو عائلة "...

شعور كهذا لا يصيب أتباع الحركة الحوثية بـ"صداع مزمن" وهم يبدون استعدادهم الكامل لتلبية "شراهة" القائد الشاب في الحكم ولا يفكرون بخطورة عودة نظام الطبقية الحديثة تحت نقاب ديني.

إلى بقية المكونات الفكرية والسياسية على الساحة اليمنية : ذلك أنه كلما تركنا عقولنا نهب الخطابات التعبوية التي تجيد العزف على ثنائيات تقديس الماضي - أياً كان هذا الماضي - والإنسان الذي لا يقرأ, فلسوف يتكرر هذا النموذج الإنساني المسلوب فكرياً والمعزول حضارياً والقابل للتبعية والموت تحت راية غير نبيلة