الأنة الأولى

2013/06/18 الساعة 07:43 مساءً

"قولوا لوطني الصغير والجارح كالنمر إني ارفع سبابتي كتلميذ طالباً الموت أو الرحيل".

 ( محمد الماغوط).

يحزنني وأنا اقلب صفحات التاريخ ولا أجد فيها حاضر أفضل مما مضى , فمن قرأ ( الأنة الأولى) لرائد التنوير باليمن سيجد أننا نعيش اليوم في دهاليز مظلمة لا تقاس في عصر..حيث نعاني ملايين الأنات منذ الأربعينات وحتى اليوم. فالأستاذ المرحوم أحمد محمد نعمان عندما رسم معاناة شعب اليمن في الأربعينيات وبدءها بالأنة الأولى..جاء رائداً آخر ليكتب أنات ما بعد 62م ويرسمها بصور أدبية أخرى قصص تجسد ( الأناء الجمعي) انه الشهيد محمد عبدالولي الأديب والإنسان ومجاميعه القصصية ( الأرض يا سلمى - شيء اسمه الحنين – عمنا صالح – وريحانه ورواياته( يموتون غرباء – صنعاء مدينة مفتوحة).

دعونا نسقط واقعنا اليوم مع قصة (ريحانة) والتي ربما كانت سبباً في استشهاده حيث لم تنجوا النخب السياسية والثقافية من سخطه وتهكمه برغم من انتمائه الماركسي الذي تكبد ثمنه السجن مرتين ثم الاستشهاد على أيدي رفاقه.

  ففي قصة (ريحانه) يرد على لسان سجين سياسي ربما كان الكاتب ذاته وصف نافذة زنزانته المغلقة بألواح نصفها لصناديق أسلحة أمريكية والنصف الأخر أسلحة روسية ويختم وصفه بتعبير رمزي تستشف من خلاله مرض المثقف والسياسي في آن ويتبدى المرض لدى الأول على هيئة العمى الإيديولوجي , ولدى الثاني على هيئة التبعية والارتهان للخارج وعلى الرغم مما بين المظهرين من اختلاف فهما لا يعدوان كونهما تنويعاً لنفس المرض ( الانفصال على الواقع والبعد عن الذات ).

 ففي القصة المذكورة كما فككها الزميل والأديب المترجم محمد عثمان – يخاطب السجين السياسي نفسه على هذا النحو على أن اوجد منفذاً بين اللوحين الروسي والأمريكي لأستطيع انظر إلى صنعاء .. والمرض ذاته يظهر في شي اسمه الحنين وقد وضع تحت المبضع المهندس " هل تعرف عندما عدت من هناك كنت أفكر في حزب في عمل جماهيري في الالتحام , والذوبان, والإبداع, والتضحية, وعندما دخلت مع مجموعة اكتشفت أنني أعيش واعمل وسط مجموعة من المجانيين , اليساريين عندهم كلمات لا يعرفون تفسير معناها , تصور واحد منهم يلعن أباه لأنه برجوازي عفن والأب صاحب صندقة لبيع السجائر.هكذا تقسم  التقدميون مجموعة من البلهاء والصعاليك أصبحوا يساراً هنا لأنهم لا يملكون فكراً أو فهماُ لاشي , لاشي مطلقا".

 هذا المقطع كتب في الستينات الم يكن مجسداً بصورة أكبر وأبشع مما كان عليه الحال :فاليوم نسمع عبارة ( قلبين في جسد واحد) ,( قوى ظلامية وتقدمية في خندق واحد),

 ( ... بسروال واحد ). وهات من هذه الخلطات التي لا تحصى ولا تعد وعصد العصيد الثوري كما سماها الكاتب والشاعر الساخر عبدالكريم الرازحي

المعلوم أن  الأديب والإنسان  محمد عبد الولي استشهد يوم 30 / 4 / 1973م , في العام الذي يليه 74م استشهد اذكي وادهي وأشجع رجل سياسي في اليمن وصاحب كتاب

الأطراف المعنيه ( الابن محمد احمد نعمان – بيروت) , وكلاهما يحصدان نتيجة واحدة ويتسمان بمزايا مشتركة بل إن الأخير يلقب بالغوبة لشدة ذكائه السياسي

لهذا استوقفتني هذه الصفحات من التاريخ وأنا أتأمل ما جرى بعد استشهادهما وما الذي تغير.

خير ما تجدونه اليوم هو فيما يكتبه عملاق آخر وأديب وإنسان وسياسي عاش أكثر من خمسة عشر سنه داخل أسوار السجن أو بالأحرى زنزانة خاصة كتب فيها أجمل أدب ( شعراً ونثراً وقصه ورواية ) وأمر معاناة إنسان مظلوم بتهم سياسية إنه المناضل وسجين الرأي الأطول مدة والأكثر شهرة في اليمن منصور راجح والذي لازال منفياً خارج الوطن ( النرويج )  , والشباب يصفقون للأنذال وللزعامات الكرتونية بينما تجد الأتقياء والأبطال الوطنيين الصادقين يموتون غرباء داخل الزنزانة الصغيرة – أو الزنزانة الكبيرة المسمى (وطن – مقبرة) أو منفيون ( كالمواطنان البيض منصور راجح نموذجاً) ومن كتابات الأخير ( كوت الأستاذ وبدلة حسن شكري ) وفيها تشخيص لمعاناة (الأناء الجمعي) وستجدون جميع كتاباته على هذا الرابط - لمن يحب أن يقرأ معاناة شعب :

http://aswancenter.org/?ac=sub&d_f=9&find=1&t_tast=1&lang_in=Ar

مسك الختام

(تمر معظم أوقات الحياة والناس تقول :  " لم يحن الوقت " ثم " فات الأوان " ( غوستاف فلوبير) .

 

-          كاتب وناشط حقوقي

-          هامش ( مجلة الثقافة )