أسئلة ملحة حول موضوع اللحظة والقرار الكبير في اليمن.. إنه موضوع الفيدرالية والدولة الاتحادية وتقسيم البلاد إلى أقاليم؛ الأمر الذي يتعلق بكافة مكونات الدولة الأساسية وبمصير شعب وبلاد على المدى القريب والبعيد.. فهل آخذ موضوع قراءة من كافة جوانبه وأعطي الوقت اللازم للنقاش؟
هذه التساؤلات المشروعة نجد أن من الأهمية الوقوف معها في موضوع مصيري يقود السياسيون الشعب إليه.. دون أن تكون هذه الانتقالة قد لاقت حقها من الدراسة والبحث البعيد عن الاصطفاف السياسي.. وهذه التساؤلات مبنية أصلاً على معلومات موثقة في كتابنا "الفدرالية في اليمن".
المبررات والدعوات
من أهم الأسباب التي كانت تردد، بأن الفدرلة تأتي بسبب تفرد نظام الرئيس السابق صالح ومناطق محددة بأهم المواقع في السلطة، بحيث أن الفدرلة ستوزع السلطة، لكننا نجد أن هذا السبب انقطع من جذوره بأحداث التغيير التي نزعت السلطة وسلمتها لأول مرة لرئيس من المحافظات الجنوبية.
وكان البعض يردد أن القبيلة تتحكم بالدولة، باعتبار أن المجتمع المحيط بالعاصمة من القبائل التي لا زال تحتكم بالعرف القبلي. وهذه أعذار خافتة أو منطلقة من حقائق وجدت في ظروف تاريخية سابقة، زالت أغلبها، وظلت "فوبيا" أكثر منها في الواقع. أما اليوم فينطلق الكثير ممن طرح الفدرالية كحل وقف الدعوات الانفصالية في الجنوب والتمرد الحوثي المسلح المرتبط بإيران في الشمال. تماماً كما طرحت الفدرالية كخيار في الدول التي تشهد صراعاً بين الدولة وجماعات خارجة عليها. ولكن السؤال هل تمثل الفدرالية حلاً لها؟
ورأي آخر ينطلق من الدعوة إلى الفدرالية، بدعوى أن "المركزية" إحدى أسباب المشاكل التي يعاني منها المواطنون في المحافظات البعيدة نسبياً، ولكن هل يتطلب ذلك فدرالية، أم لامركزية إدارية؟
واتجاه ثالث، يعتبر أن هناك مناطق تتمتع ببعض الخصوصية يجب أن تحكم ذاتياً، كحضرموت في الشرق، وتعز والمحافظات المجاورة التي تسمى "شافعية"، وصنعاء والمحافظات المجاورة التي تصنف كمناطق أكثر صلة بالقبيلة.
وبالمجمل إذا ما حصرنا الأزمات اليمن بما يلي: الاقتصاد، ضعف الدولة، نتيجة عوامل مختلفة تتعلق بحداثة التجربة والصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية. وجود جماعة مسلحة تسيطر على محافظة حدودية شمالي البلاد وهي جماعة الحوثي. وجود ما يسمى بـ"القاعدة" وما يرتبط بهذا الملف من غموض وتدخلات دولية. وجود دعوات انفصالية في المحافظات الجنوبية والشرقية..
أسئلة مشروعة؟
إذ ما حصرنا ذلك، تقفز هذه التساؤلات الملحة: هل الدولة البسيطة سبب للمشاكل السابقة؟ هل تُواجه الأزمات والمشاكل المذكورة بتغيير شكل الدولة؟ هل كان الخطأ بالإدارة أم بالوحدة؟
هل كان شكل الدولة سبباً لقيام حركة الحوثي المسلحة؟ أم جاء نتيجة عوامل مختلفة ومنطلقات تاريخية وسياسية؟ هل الدولة الموحدة كانت سبباً بوجود المظالم في أي من المناطق اليمنية؟ أم أن هذا يتعلق بالماضي وبسياسات وممارسات السلطة وبوضع الدولة؟ وهل الحل بإعادة تقسيم البلاد سياسياً أم بالإصلاح الإداري والتنموي؟
هل جاءت الفدرالية من فشل الدولة أم جاءت من جذور تاريخية وتدخلات أجنبية؟ هل تحفظ مصالح الداخل أم تحقق أهداف الخارج؟
هل تضمن الفدرالية بناء دولة اتحادية قوية؟ أم أن ذلك يعتمد على وجود المؤسسات الراسخة أصلاً؟
هل تمكن الفدرالية من القضاء على الفقر وهل تكون حلاً لإصلاح الاقتصاد؟ أم أنها تحتاج إلى ميزانية مضاعفة؟.
هل الفدرالية مطلب سياسي أم حقوقي؟ هل هي مصلحة مواطن أم نخبة؟ هل تحمي مصلحة الأغلبية أم الأقلية؟
هل تساهم في تقدم المجتمع وإذابة الفوارق الاجتماعية والنزاعات؟ أم أنها تعمق الشروخات والفروق وتباعد بين المواطنين؟
هل ستكون الدولة الاتحادية فعلاً موجودة؟ أم أن كل ما سيحدث هو تكسير الدولة الضعيفة والانتقال إلى مرحلة لا دولة؟
هل جاء طرحها من طموح بالبناء؟ أم جاء من هروب من المسؤولية؟
هل جاءت فكرة الفدرالية في الدولة الموحدة من أجل التوحد أم من دعوى التنوع والاختلاف؟ هل تحقق المساواة أم التمايز؟
هل ستقلل نفوذ بعض المجموعات والشخصيات المحلية النافذة؟ أم أنها ستمنح نفوذها شرعية قانونية وسلطة سياسية بعد أن كانت اعتبارية أو مخالفة؟
هل جاءت الفدرالية لحل الأزمات؟ أم أنها عملياً سترسخ هذه الأزمات فتستمد استمرارها من القانون؟ هل جاءت الأقاليم والفدرلة كهدف تقدمي أم جاءت كمهرب تراجعي إلى مستوى أضيق من الوطن؟ هل تبني دولة قوية أم تشت الجهد الوطني؟
هل تحقق الفدرلة والأقاليم مصالح سكان مجموعة من المحافظات يتم وضعهم في إقليم مستقل ذاتياً؟ أم أن هذا الاستقلال يأتي لتكريس مجموعة سياسية أو مذهبية تدعي وصايتها على هذا الجزء من الوطن؟
هل ستنجح جماعات الأقاليم في بناء مؤسسات ونماذج متقدمة من الإدارة والسياسة والتنظيم لم يتمكن المجهود الوطني بكامله من إنجازها في الدولة البسيطة؟ من أي خلفية سياسية وتاريخية جاءت الجماعات الداعية إلى الفدرالية؟
هل تم تجريب دولة أخرى في اليمن نجحت أفضل من هذه الدولة ليتم الحكم بفشلها أو نجاحها؟ وهل تم مقارنة وضعها بمراحل سبقتها، ليتم الحكم على فشلها من عدمها؟ وهل تم تجريب مرحلة اللادولة وكانت بحال أفضل من مرحلة هذه الدولة؟
هل تضمن الفدرالية بأفضل حالاتها المتخيلة عدم خلق انقسامات اجتماعية وسياسية بعيدة المدى؟ أم أنها ستأخذ طابعاً مؤسسياً وصولاً إلى مرحلة الانفصال الاجتماعي والسياسي التام؟.
هل فعلاً ما زالت الفروق التي يطرح البعض على أساسها الفدرالية، موجودة؟ أم أن السنوات تجاوزت كثيراً منها؟ هل العوامل الطبيعية بجميع الدول التي يتم تقديمها كأسباب للفدرالية متوفرة في اليمن؟ هل اليمن عرقيات أو أديان أو لغات مختلفة؟
ما المشكلة؟
هل المشكلة قوة الدولة المركزية بحيث يتم توزيع أجزاء كبيرة منها في مراكز جديدة؟ أم أن المشكلة ضعف الدولة وتقسيمها ينقل البلاد إلى مرحلة الفوضى؟
هل المشكلة في أن المناطق اليمنية بحاجة إلى أن تصدر كل منطقة تشريعاتها الخاصة؟ أم أن المشكلة في الحاجة إلى قانون؟
هل الأقلمة في الدولة الواحدة انفصال أم وحدة؟ هل جاءت نتيجة لوجود دعوات انفصال؟ أم جاءت لوجود دعوات إلى الوحدة؟ هل هي حل لكي يرضى الانفصال؟ أم لتعميق الوحدة؟
من أين جاءت الفدرالية؟
الداخل أم الخارج؟ إذا كانت من الخارج؟ من هو هذا الخارج؟ ما أهدافه؟ هل له أي مصلحة ببناء دول قوية للآخرين؟ أم له أهداف بتقسيمها؟ هل يمكن أن يكون موقع اليمن الاستراتيجي مغرياً للسيطرة من قوى أجنبية تقوم بتقسيمه للسيطرة على أجزاء محددة؟
إذا كان التقسيم الفدرالي أجندة أجنبية؟ هل يستطيع الداخل تحويلها إلى خدمته؟ أم أن الخارج يعمل سياسياً واقتصاديا وبوسائل مختلفة للوصول إلى أهدافه؟
هل استطاع السودان خلال المرحلة الانتقالية 2005- 2011 بناء الثقة فيما بينه؟ أم أن هناك من صنع الأسباب الكفيلة بإضعافه وزيادة الدعوات الانفصالية؟.
من اكتشف الفدرالية؟
هل هي اكتشاف وطني خاص؟ أم هي عدوى رافقت التدخلات الدولية؟ هل كانت من أهداف الحكومة السودانية في عام 1973 أم أنها جاءت نتيجة مسعى خارجي كحل وسط بين الانفصال والدولة؟
هل جاءت الفدرالية في الصومال في مرحلة البناء والوفاق أم جاءت في مرحلة التمزق والاحتراب؟ هل جاءت بأهداف محلية أم بهندسة أجنبية عبر دولة جارة متهمة بالعداء للصومال وعلى علاقة وطيدة بأمراء الحرب؟
هل جاءت الفدرالية في العراق في عهد الدولة أم في عهد الاحتلال؟ هل جاءت نتيجة الاقتتال أم نتيجة السلام والوئام؟
كيف هي التجارب الفدرالية؟
هل استطاعت الفدرالية أن تحافظ على وحدة السودان أم أدت إلى تفكيكه؟ هل الاقتراب من حركات الانفصال يشجعها أم يجعلها تتراجع؟ هل نجحت الفدرالية في بناء دولة في الصومال أم أحبطت مشروع إعادة الدولة وساهمت بتعزيز الانفصال؟
هل نجحت الفدرالية في العراق بإقامة دولة عادلة وقوية وخلصته من الصراعات؟ أم أنها مجرد نظرية تحتاج إلى واقع قابل تطبيقه للنجاح؟
من الذي قال؟
من الذي قال إن الحل في الهروب من هذه المشاكل والأزمات يكون بمزيد من الانقسام؟ من الذي قال إن لا نستطيع التعايش فيما بيننا؟ من الذي قال إننا طوائف وأعراق وثقافات مختلفة؟ من الذي قال إن التميز ما زال محتكراً؟ من الذي قال إن العلم لا يزال محتكراً؟
ما دور إسرائيل؟
إذا كانت الفدرالية نوعاً من الانفصال؟ فلماذا لا يكون في خدمة أهداف معادية؟ وإذا كانت تعني نشوء كيانات دستورية جديدة فلماذا لا تكون نواة لسايكس بيكو جديدة؟
لماذا لم ينجح الصومال ولا السودان ولا العراق عندما تبنى هذا الخيار؟ هل كان لأعداء السودان دور في تقسيم السودان أم جاء لإرادة محلية؟
هل اليمن في كوكب بعيد آخر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يلحق بالصومال أو السودان؟ من المستفيد عربيا من الفيدرالية والتقسيم في اليمن؟ أليس تقسيمه حلقة في العقد العربي الذي يبدو أنه مستهدف بلا استثناء؟
والخلاصة أن جميع هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى إجابة واقعية وعلمية، باعتبارها الأمر الذي سيتحدد على ضوئه مصير اليمن؟ هل يمكن إدخال الشعب اليمني معمل تجربة الدولة المركبة دون أن تكون قد أخذت حقها من الدراسة والنقاش.
* مؤلف كتاب «الفدرالية في اليمن»