كل الثورات المضادة من مصر إلى تونس إلى اليمن تبدأ بالمطالبة بإقالة.. الحكومة! وفي البلدان الثلاثة كان السبب المعلن هو الضيق من أدائها لكن الإعلام المعادي أفصح أن السبب هو في كونها حكومات إسلامية؛ فقناة العربية لا تصف الحكومة التونسية (المؤتلفة من ثلاثة أحزاب اثنان منها علمانيان!) إلا بأنها حكومة حزب النهضة الإسلامي؛ وفي اليمن يسمي الداعون للفوضى وإقالة الحكومة بأنها: حكومة الإصلاح؛ رغم أن الفساد الشعبي العام لديه أكبر عدد من الوزراء فيها، ولديه أكبر عدد من كبار المسؤولين في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية؛ إلى درجة أن تغيير فرّاش في قرية يعدونه استهدافاً لكوادر المؤتمر الشريفة المؤهلة، وخروجاً على قانون الخدمة المدنية!
في تونس نجحت الخطة مع بقاء حصة الحزبين العلمانيين في السلطة؛ لكن بعد أن أجبر تحالف المعتدلين الإسلاميين والعلمانيين خصومهم على استكمال إعداد الدستور والموافقة الأولى عليه بعد أن كان رأسه مطلوباً أيضاً كرأس الدستور المصري، ومن المتوقع أن تتم الموافقة النهائية هذا الأسبوع، وإلا فسيعرض على الشعب في استفتاء عام!
وفي مصر بدأت عملية تأزيم الوضع بالمطالبة بإقالة الحكومة أيضاً، رغم أن رئيسها كان من فئة الشباب، لكن المجددين أصروا على الإتيان برئيس وزراء من المعاصرين لتوت عنخ آمون! ولم يتيسر لهم الأمر إلا بانقلاب عسكري! والغريب أن حكومة متحف الشمع (كما سماها المصريون) التي جاء بها الانقلاب العسكري خلت من وزراء الإخوان، وحافظت على وزراء الجهات التي كان أداؤها السيء في ميزان المعارضين عذراً لهم للمطالبة بإقالة الحكومة؛ مثل وزراء الداخلية والكهرباء والبترول؛ بسبب تدهور الأمن، وسوء خدمات الكهرباء، وانعدام المشتقات النفطية.. وحكمة الله أنها كلها أزمات ما تزال مستمرة، ويعاني المواطن المصري منها بأسوأ مما كان يعاني أيام الرئيس محمد مرسي.. وبدون مؤامرات داخلية وخارجية.. بل ومع وجود الدعم الخليجي الهائل!
أما في اليمن؛ فمطلب إقالة الحكومة جمع الشامي على المغربي، والحوثي على النظام القديم، وحتى بعض أعضاء في المشترك ممن قيل فيهم: "اللهمّ أعني على أصدقائي..".. وقد يكون موقف الحوثة مفهوماً لأنهم يريدون نصيباً في الحكومة التي رفضوا في البداية الاعتراف بالمبادرة الخليجية التي جاءت بها؛ لكن موقف أعوان صالح مريب؛ لأنهم يشكلون نصف الحكومة فضلاً عن أنهم هم الذين يتبرعون بتخريب الأمن، والكهرباء، وأنابيب النفط، ولو كفوا أو ناموا كنوم الظالمين الذي هو عبادة لما كان هناك حاجة مستعجلة للخروج إلى الشارع احتجاجاً على الأوضاع السيئة. وأما الصنف الثالث أو الطابور الخامس فأمره عجب لكن بعضهم يرقصون على مزمار الحوثي، وبعضهم يظن أن ترتيبات الانتخابات القادمة تفرض عليه أن يقفز من السفينة بسرعة، حتى أنهم نسوا أنهم ظلوا طوال عمر حكومة الوفاق يدندنون عن نجاح وزرائهم أصحاب الكفاءات ثم ها هم ينسون ويروّجون لدعوات إقالة الحكومة لأنها فاشلة.. وضرورة تعيين حكومة.. كفاءات!
والذين يطالبون بإقالة الحكومة كان يمكنهم لو كان قصدهم شريفاً (مش من نوعية: بانشوف لا فين عقله!) أن ينتظروا قليلاً حتى انتهاء مؤتمر الحوار ثم يعلنون مطلبهم؛ لأن الخروج وإثارة الفوضى الآن هو عرقلة لمؤتمر الحوار لمنعه من عقد الجلسة الختامية وإقرار التقارير النهائية، والبدء في مرحلة جديدة، وحينها يكون المطلب مفهوماً مع حدوث تطور كبير في البلاد يستدعي تغيير الحكومة أو تعديلها. لكن من ناحية أخرى فالمطالبون بإقالة الحكومة يتناسون أن الحكومة القائمة الآن محكومة بالمبادرة الخليجية التي حددت طريقة تشكيلها، ولو جاءت حكومة جديدة قبل نهاية الحوار فهي إما أن تكون ملتزمة بطريقة التشكيل السابقة بحكم إلزام المبادرة الخليجية، ومن ثم فالحال سيكون من بعضه.. وإما أن تتشكل وفق اتفاق جديد لن يسهل الوصول إليه إلا بمبادرة.. أفريقية هذه المرة! وسيكون الداعمون السريون للخروج إلى الشارع (لا داعٍ لذكر الاسم ويكفي الحرف الأول وهو: المؤتمر الشعبي العام- جناح الكميم!) هم أول المعترضين على اتفاق جديد لتشكيل الحكومة الجديدة؛ لأنهم بالضرورة سيخسرون نصف الحكومة التي يستحوذون عليها الآن، وستكون معارضتهم استناداً إلى المبادرة الخليجية نفسها التي تلزم بتشكيل الحكومة مناصفة، تماماً كما يحاججون منذ زمن بشأن رفض حل مجلسي النواب والشورى والمجالس المحلية التي يسيطرون عليها بأن المبادرة الخليجية لا تلزم أو لم تقل بذلك!
•••
ما هو الخطأ والغريب في أن يكون هناك "كثيرون" لا يعجبهم موقف حزب ما في قضايا كبرى أو صغرى مما جرى ويجري مناقشتها في مؤتمر الحوار؟ وما الخطأ في وجود تشابه واختلاف بين مكوناته من قضية إلى أخرى؛ فمثلاً في موضوع الفيدرالية تقاربت رؤى الإصلاح والمؤتمر من جهة كما تطابقت رؤى الاشتراكي والحوثيين، والناصري خالف الجميع! وفي موضوع الشريعة الإسلامية تطابقت كما قيل رؤى الحوثيين والمؤتمر، وتشابهت رؤى الإصلاح والاشتراكي والناصري!
الأصل أن مؤتمر الحوار هو ملتقى لمختلفين في المواقف: كبيرها وصغيرها، وهم ليسوا مختلفين فقط بل صار بينهم ما صنع الحداد، وكادوا يقعون في حرب أهلية، وكادت البلاد تتفتت من شمال شمالها إلى جنوبها وشرقها.. ولولا ذلك.. ولو أنهم كانوا متفقين مؤتلفين؛ لكان المكان المناسب لجمعهم هو.. مخبازة الشيباني ثم مقيل قات حنّان طنّان!
لا معقولية عند هؤلاء الذين يخبطون صدورهم منزعجين من رفض الآخرين لمشاريعهم، وتوصيف الأمر بأنه عدم قدرة عن رؤية الصحيح فيها، والبراعة في التشخيص، ووضع العلاج المناسب، وفي المقابل اتهام الآخرين بأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحق النقاش.. كل ذلك ليس معقولاً؛ فوفقاً للتقاليد الأمريكية والروسية والهتلرية والصينية والإنجليزية والأفلاطونية فلا يوجد في مثل مؤتمر الحوار شيء اسمه: اتفاق تام، شامل، كامل على كل شيء، أو شيء اسمه: اقبلوا مشروعي وإلا فيا داهية دقي.. وإلا صرنا مثل النعاج كلها تصرخ: مأ.. مأ.. مأ!
ووفقاً لحقيقة أن الجميع لا يعجبه مواقف الجميع في قضايا كبرى أو صغرى؛ فإن هذه الشكوى تندرج تحت تصنيف شمولي يجعل من المواقف الخاصة ثوابت وطنية أو مقدسات دينية لا يجوز معارضتها ولا رفضها وإلا صار المعترض: خائناً أو متآمراً.. إن لم تكن افتعالاً لمشكلة تعرقل كل شيء!
•••
"القبائل في حضرموت تفجر أنابيب النفط.. تمنع الإمدادات والتعزيزات عن شركات النفط والجيش.. حتى تستجيب الدولة لمطالبها.. ويقولون لنا: إن الجنوب لديه هوية خاصة مختلفة عن الهوية الشمالية!".
(من أقوال كلفوت!)